أصدرت النقابة الوطنية للصحة فرع ورزازات التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل تقريرا حول واقع قطاع الصحة العمومية بالمغرب عموما و إقليم ورزازات خصوصا، توصلت الجريدة بنسخة منه.
التقرير يرصد مجموعة من الاختلالات الميدانية بعيدا عن وهج و بريق تلك الإستراتيجيات الحالمة المزدحمة بالأرقام والأوهام، أنطلاقا من واقع الممارسة المهنية اليومية لأطر الصحة العاملة و كذا من معاناة المواطنين اليومية الناتجة عن سوء اشتغال و سير القطاع بالإقليم و الناتج لامحالة عن قصور في النظام العام للصحة.
وافاد التقريرأن المتتبع لواقع الصحة بالإقليم لا يمكن أن ينكر وجود حالة مرضية داخل القطاع تمتد لسنوات وتتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية باعتبارها تمتلك آليات تغيير الوضع، كما أن موضوع الصحة بإقليم ورزازات حسب دات المصدر يطرح العديد من الأسئلة المحورية و الرهانات المعقدة في ظل تشعب وتناسل مشاكل عديدة و اختلالات تحولت إلى قاعدة و ليس استثناء ويمكن تجسيد هذه الإختلالات في عدم مسايرة الطلب المتزايدة على الخدمات الصحية و النقص الحاد في الموارد الضرورية، مما يفرض أولا رؤية إرادة سياسية تتفاعل مع المؤشرات الهزيلة للخريطة الصحيةبالإقليم و تدني خدماتها و تباين بين العالمين الحضري و القروي في إقليم شاسع يبقى قرويا بامتياز و بساكنة تناهز 297502 نسمة حسب أخر إحصاء.
و حدد التقرير الإطارات العامة من خلالها بعض الإختلالات وجزئها إلى عدة مستويات عدة منها
سياسية، و تنظيمية، واخرى وطنية، و جهوية، واقليمية، حيث سجل التقرير ضعفا و تراجعا خطيرا
على المستوى الوطني من خلال غياب إرادة سياسية ترسم خارطة الطريق للنهوض بهذا القطاع بدل استراتيجيات حالمة ، حيث لا تتجاوز ميزانيته عتبة 6% من الميزانية العامة للدولة، فما بالك بإقليم عانى و لازال يعاني من التهميش و الإقصاء على جميع الأصعدة ما يستوجب إيلاء عناية خاصة به خصوصا انه ألحق مؤخرا بجهة درعة تافيلات في إطار التقسيم الترابي الجديد الذي عرفه المغرب والذي صنفت من خلاله هذه الجهة كأفقر جهة من حيث الموارد و التجهيزات وغياب مستشفى جامعي… أضف إلى ذلك وعرة المسالك وشاسعة المساحة، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط .
واعتبر التقرير تفعيل الجهوية في الميدان الصحي إحدى التحديات الكبرى الملقاة على عاتق المسئولين الجهويين خاصة إذا علمنا أن تجربة التدبير الجهوي لا يزال يعاني صعوبات في التنزيل في ظل تمركز القرار السياسي و الإداري في يد المسئولين المركزيين ,و تجدر الإشارة إلى أن جهة درعة تافيلالت هي جهة وليدة التقسيم الإداري الجديد إذ لم يسبق لها أن راكمت تجربة و خبرة ميدانية في التسيير الجهوي كما أنها تعتبر من أفقر الجهات من حيث الموارد الضرورية و التجهيزات و البنية التحتية، وعدم احترام الخريطة الصحية و خاصة ما يتعلق بنقل المرضى الذين هم في حاجة إلى عناية خاصة فرغم توفر الأقاليم المجاورة على مستشفيات إقليمية مجهزة و بدل إرسال المرضى إلى المستشفى الجهوي كونه المؤسسة المخول لها استقبال مثل هذه الحالات ترسل إلى المستشفى الإقليمي سيدي حساين بن ناصر بورزازات الذي يوجد في حالة إعادة تهيئة مرافقه و هو ما يشكل عبئا سواءا على المريض و كذلك على الشغيلة الصحية.
التقرير اشادة بالمقاربة التشاركية و طريقة التعامل مع النقابات على مستوى المندوبية الإقليمية نقطة تحسب للمسئولين على هذا القطاع إقليميا و ذلك بأكثر من 16 اجتماعا في سنة 2016 باستثناء اللقاءات ذات الطابع الاستعجالي ، إلا أنه يلاحظ قصور في التواصل من طرف مسئولي المركز الإستشفائي مع الفرقاء الاجتماعين رغم المشاكل التي يعرفها المركز الإستشفائي الإقليمي و التي يمكن للنقابة المساهمة في حل جل المشاكل العالقة، كما سجل التقرير عدم تعيين مدير مستشفى التخصصات و أن جل مناصب المسؤولية على مستوى المركز الإستشفائي الإقليمي لم يراع فيها مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية والمساواة والنزاهة .
وسجل التقرير عدم تقيد متدربي الهلال الأحمر بالمهام المنوطة بهم و كذلك عدم احترام البذلة الخاصة بهذه الفئة و فترة التدريب ما يجعل السر المهني في كف عفريت.
وكان للسكن الوظيفي نصيب في التقرير الذي اصدرته نقابة الصحة بورزازات التابعة لـ CDT حيت عرى على تلك الاختلالات و التي لا تحترم فيها المساطر المتبعة في هذا الإطار، فهي تمنح لمن لا يستحقها و بعضها لازال محتلا رغم صدور أحكام قضائية، وكذلك عدم إلزام شركات المناولة على احترام دفاتر التحملات ما ينتج عنه تدهور النظافة و الأمن و التغذية بالمستشفى .
وعلى مستوى البنيات التحتية اشاد التقرير بالتطور الملحوظ على مستوى البنيات التحتية بالإقليم و التي ساهمت ولا شك في تنويع العرض الصحي و تنظيمه في انتظار انتهاء أشغال توسعة و تهيئة المستشفى الإقليمي والذي طالت مدت أشغاله أكثر من اللازم بل أصبحت ظروف الاشتغال كارثية في بعض الاحيان، كما وجب تأهيل المراكز التي أصبحت في حالة يرثى لها كالمركز الحضري الصحي سيدي داود والمركز الحضري الصحي دوار الشمس أو تلك التي أصبحت الخدمات المقدمة بها تفوق طاقتها الإيوائية بإحداث مراكز جديدة كمستشفى القرب بتازناخت، وخلق مركز صحي حضري بايت كضيف و أخر بالحي المحمدي …
و بلغة الأرقام تحدت التقرير على توفر الإقليم على مستشفى إقليمي و أخر اختصاصي بطاقة استيعابية تقدر بحوالي 420 سرير أي بمعدل سرير لكل 728 مواطن و هو معدل مقبول علما أن المعدل الوطني هو سرير لكل 1536 حسب (دراسة وزارة الصحة سنة 2013)، كما سجل التقرير تباين بين مصلحة و أخرى حيث تعرف مصلحة الأمراض النفسية و كذا مصلحة الأم و الطفل و الجراحة…، اكتظاظا على طول السنة لحملهن عبئ الأقاليم المجاورة ( كزاكورة ، تنغير ، و طاطا …)، في حين سجل توفر إقليم ورزازات على ثلاث مراكز صحية حضرية فقط و بحالة مزرية عبئا على مصلحة المستعجلات .
ويبلغ عدد المراكز الصحية بالإقليم 43 مركزا صحيا، معظمها قروي بنسبة 83% بمعدل مركز صحي لكل 7115 نسمة علما أن المعدل الوطني حولي مركز صحي لكل 11943 مع تسجيل التفاوت بين الوسطين الحضري و القروي، العالم القروي مركز صحي لكل 6199 و العالم الحضري مركز صحي لكل 11863 نسمة و كذلك بين مركز و أخر.
ومن أهم مشاكل القطاع و العراقيل التي تعيق تطور المنظومة الصحية لعدة أسباب، والتي رصدها التقرير هو النقص الحاد في الأطر الصحية، فعلى المستوى الوطني يقدر النقص بأزيد من 9000 ممرض و 6000 طبيب فما بالك بإقليم يعاني تهميشا ممنهجا على كل المستويات و بلغة الأرقام دائما يبلغ عدد أطباء الطب العام العاملين بالمراكز الصحية و الذين يشكلون حجر الزاوية في نجاح مخطط التغطية الشاملة و العلاجات الأساسية، حوالي 21 طبيب أي بمعدل طبيب لكل 14570 نسمة، مع تسجيل تباينات بين الوسطين الحضري والقروي حيث أن عدد الأطباء العاملين بالمجال القروي في حدود 9 فقط أي بمعدل طبيب لكل 24770 نسمة و في المجال الحضري طبيب لكل 6920 نسمة.
كما أن 7 مراكز صحية قروية لا تتوفر على طبيب ما يشكل إهدار مصالح المواطنين، مع تسجيل خصاص كبير في عدة تخصصات أولهما التخدير و الإنعاش و طب الغدد كذلك الشأن بالنسبة لأطباء المستعجلات، وغيرها ما يؤدي بالإضافة إلى سوء التدبير و غياب الحكامة الإدارية بالمستشفيات إلى طول مواعيد الانتظار.
أما عدد الممرضين فيبلغ حوالي307 ممرض، أي بمعدل ممرض لكل 966 نسمة تقريبا .
بالنسبة للممرضين متعددي التخصصات فعددهم 109 ممرض أي بمعدل ممرض متعدد التخصص لكل 2807 نسمة و كذلك يصل عدد المولدات حوالي 43 مولدة بنسبة إنتاجية تقدر بحوالي 120 ولادة لكل مولدة في السنة.
وأشارة التقرير إلى أن هناك تفاوت بين مركز صحي و أخر فإذا كان بعضها يشتغل بحوالي 10 أطر صحية فإن بعضها الأخر يشتغل بأقل من أربعة أطر صحية لساكنة قد تشكل الضعف كما هو الشأن بالنسبة للعديد من المصالح الاستشفائية بالمركز الإستشفائي الإقليمي .
كما أن مجموعة من الحقوق المهضومة للعاملين بالقطاع تزيد من تعميق الأزمة، فإلى حدود اليوم حسب نفس التقرير، تبقى خدمات مؤسسة الأعمال الاجتماعية هزيلة لا تتمشى و تطلعات موظفات و موظفي الصحة في المغرب عامة و إقليم ورزازات خاصة ، زد على هذا غياب الحس الاجتماعي لدى المسؤولين في تحفيز الأطر الصحية على العطاء كذلك غياب رؤية اجتماعية لدى إدارة المستشفى الإقليمي مثل الحضانة ، مرآب مجهز للسيارات ، مقصف ..,
كما أن التأمين على المخاطر المهنية الذي يتقاضونه لا يتناسب و حجم المخاطر التي يتعرضون لها يوميا و أن العديد منهم يتوفرون على ملفات طبية لأمراض طويلة الأمد ،زد على ذلك الظروف المزرية التي يعمل فيها العاملون في الوسط القروي في ظل غياب تعويضات مجزية وقسوة المناخ و ضعف البنيات التحتية من طرق و مدارس و مرافق اجتماعية و غيرها و الحالة المتردية لبعض المساكن الوظيفية.
وامام غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة و تشجيع الرقابة، و في ظل غياب قوانين تمنع اشتغال موظفي القطاع العام بالقطاع الخاص ، رغم وجود الدورية الوزارية التي تمنع عمل هذه الأطر بالقطاع الخاص، يستدعي حزمة من الإصلاحات منها ما يتعلق بوزارة الصحة و منها ما يتعلق بالإصلاح السياسي و الديمقراطي و الاقتصادي بالمغرب، يفيد التقرير أن ضرب حقوق و مكتسبات الشغيلة الصحية من خلال الإجراءات الحكومية الجائرة الأخيرة عبر ما سمي بإصلاح نظام التقاعد و محاولة تقييد العمل النقابي عن طريق الاقتطاع من يوم الإضراب…. و عدم تلبية جل الملفات المطلبية، وحرمان فئة المتصر
وامام غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة و تشجيع الرقابة، و في ظل غياب قوانين تمنع اشتغال موظفي القطاع العام بالقطاع الخاص ، رغم وجود الدورية الوزارية التي تمنع عمل هذه الأطر بالقطاع الخاص، يستدعي حزمة من الإصلاحات منها ما يتعلق بوزارة الصحة و منها ما يتعلق بالإصلاح السياسي و الديمقراطي و الاقتصادي بالمغرب، يفيد التقرير أن ضرب حقوق و مكتسبات الشغيلة الصحية من خلال الإجراءات الحكومية الجائرة الأخيرة عبر ما سمي بإصلاح نظام التقاعد و محاولة تقييد العمل النقابي عن طريق الاقتطاع من يوم الإضراب….، و عدم تلبية جل الملفات المطلبية، وحرمان فئة المتصرفين و التقنيين و الأعوان الإداريين من الحق في الحركة الانتقالية و ما يخلفه هذا الحيف من تذمر لدن هذه الفئة.
واختتم التقرير من خلال كل ما سبق يتضح جليا أن عنصر البنيات التحتية يشكل عاملا ضاغطا على مستوى ولوج وجودة الخدمات الصحية لكن وجب إعطاء الأهمية اللازمة للعنصر البشري كما و كيفا من حيث الاهتمام بأوضاعه الاجتماعية وتحسين ظروف عمله و مواكبته بالتكوين اللازم والمتطور و المبني على رؤية إستراتيجية و علمية على أن يشمل كافة الأطر الصحية ، فالذي ينزل السياسة الصحية التي تنهجها وزارة الصحة على أرض الواقع هو الموظف، الذي هو الوسيط بين الوزارة و المواطن، وكذلك تجهيز مختلف المراكز الصحية بالأدوية الكافية وتوفير الحماية الإدارية و القانونية للموظف و الأجهزة الضرورية، لتبقى إرادة سياسية قوية فاعلة و حقيقية هي الكفيلة بتحقيق نهضة صحية للمغاربة تجعلهم مطمئنين على أبدانهم لكي يتفرغوا إلى تحقيق التنمية المتوخاة.