الحفاظ على التنوع التقليدي للمحاصيل والنباتات الطبية البرية في المغرب

0 660

عبد الرحيم ورغيدي

متطوع برنامج من مزارع لمزارع

مؤسسة الأطلس الكبير، مراكش

 

إن المثل المغربي “جديد ليه جده البالي لا تفرط فيه” يمكن إسقاطه بشكل واسع على الأساليب والقيم الزراعية المغربية الحالية المعتمدة حيال تنوع المحاصيل المحلية التقليدية. ويشكل هذا المثل جزءا من هوية وطريقة حياة المغاربة، حيث يلتزمون بإقامة حداثة مميزة قائمة على العادات الثقافية القائمة نظرا لقيمة هذه الأخيرة العالية. 

 

فعلى سبيل المثال، يميل المغاربة كثيرا للأطعمة المحلية أو “البلدي”، مثل “العسل الحر” (عسل نقي غير مفلتر)، “زيت العود” (زيت الزيتون)، و “الشريحة السكورية” (مجموعة التين المحلية) التي كانت وستظل دائما شهيوات قيمة. ويؤمن معظم المغاربة بأن المواد الغذائية “البلدية” صحية ولذيذة ومغذية. 

 

وعلى الرغم من ذلك، فإن الوكالات الحكومية المسؤولة عن تقرير السياسة الزراعية والتعليم في المغرب غالباً ما تتمحور حول التسويق والربح والإنتاج للأسواق العالمية. ولا شك في أن الجهود الرامية إلى خلق قطاع زراعي مزدهر قد وضعت المغرب كمنتج رئيسي للفاكهة والخضروات في الأسواق الأوروبية والدولية. ومع ذلك، وفي محاولته تحقيق هذا الهدف، فقد قوضت مهمة المعرفة والأساليب المحلية لصغار المزارعين عن غير قصد، وهو ما أدى بالتالي إلى فقدان التنوع البيولوجي الزراعي وتنوع المحاصيل التقليدية. 

 

ومع التأكيد على أهمية تنوع المحاصيل في المخطط الإستراتيجي الاخضر للفلاحة بالمغرب، فقد ظل الاهتمام محدودا بالمواقع المحلية والأساليب الزراعية وكذا الأنواع التي تمثل موردا وراثيا أساسيا لصغار الفلاحين ومستقبل هذه المحاصيل على النطاق العالمي. ومن شأن التنوع الوراثي الذي تمثله أصناف المحاصيل أن يشكل المادة الخام اللازمة لضمان استمرار الإنتاج في مواجهة ندرة المياه والتغيرات المناخية والبيئية السريعة. 

 

يؤدي تعزيز التنوع المحلي من البذور إلى زيادة تنوع المحاصيل في المزارع، وبالتالي القدرة على الصمود أمام التغيرات البيئية وقوانين السوق مع الحفاظ في نفس الوقت على الأساليب والقيم المحلية. وستسمح زراعة الأصناف التقليدية، موازاة مع تلك الموجهة للتصدير، للمزارعين أيضا باستهداف الأسواق المحلية ودعم الجانب الصحي للأنظمة الغذائية والمأكولات المغربية التقليدية. 

 

في سعيها لمساعدة المزارع المغربية على إستعادة أصناف المحاصيل التقليدية، تعمل مؤسسة الأطلس الكبير (HAF) مع برنامج من مزارع لمزارع (بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وتديره Land O’ Lakes) لتقييم الوضع الحالي للتنوع البيولوجي الزراعي المحلي وإنشاء بنك بذور للمحافظة على المحاصيل المحلية والأنواع البرية والنباتات الطبية البرية. يتجلى الهدف من هذا المشروع في إظهار القيمة المتأصلة لهذه المحاصيل بأنواعها البرية وكذلك التأكد من توفر المزارعين الذين أضافوا هذه الأصناف إلى مزارعهم على مواد الزراعة الأساسية. ويتماشى هذا العمل مع رؤية مؤسسة الأطلس الكبير HAF لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة وتشجيع التنوع والأساليب المحلية المستدامة لتوفير الأمن الغذائي وحماية الموارد الطبيعية في المغرب.

 

يشير التقييم الشامل الذي أجريناه في خريف وشتاء عام 2017-18 إلى حدوث تحول كبير كان وراء فقدان تنوع المحاصيل المحلية والأنماط الجينية بالإضافة إلى الأساليب الزراعية المألوفة.  وقد لوحظ أن أنواع مختلفة ومتداولة قد استبدلت على نطاق واسع بأخرى ذات إنتاجية عالية بما في ذلك التفاح واللوز والخوخ. وتعتبر هذه المحاصيل “حديثة” ومعدلة جينيا ومدعومة بشدة من البرامج الحكومية التي تشجع على زراعتها بشكل مكثف. هذا ويساهم ترتيب الأولويات الزراعية في أسواق التصدير التي يتم الترويج لها من خلال برامج مختلفة بشكل مباشر في الاضمحلال الجيني، وينتج في بعض الحالات زراعة غير مستدامة. 

 

إن الحاجة ماسة لزيادة الاهتمام بالامساواة التي نعهدها على مستوى منافع التحولات الزراعية الحالية، وخاصة بالنسبة للمزارعين الصغار، من حيث المساهمات الزراعية وقابلية التعرض لصدمات السوق والتقلبات البيئية. أثناء عملنا الميداني، أثار العديد من المزارعين مخاوف بشأن تكلفة معالجة بعض أصناف التفاح الحديثة المصابة إضافة إلى حجم العمالة اللازمة لزراعتها. ويؤكد المزارعون أن المحاصيل المهجنة من أصناف “البلدي” التقليدية لا تقلل التكاليف فحسب، بل تتطلب مجهودا أقل أيضا.

 

أما الطريقة الأخرى التي تهدف مؤسسة الأطلس الكبير HAF التخفيف بها من هذه المشاكل فهي جمع البذور من النباتات البرية ذات القيمة الاقتصادية. وتحصل بعض الأسر في أجزاء في المناطق القروية بالمغرب على جزء كبير من دخلها من خلال بيع النباتات الطبية التي تم جمعها من النباتات البرية. وحذر علماء النباتات والجهات المعنية بالنباتات الطبية أن أعداد بعض النباتات – بما في ذلك البهارات والمريمية البرية والزعتر – آخذة في التناقص وأكدوا حرصهم على مناقشة إمكانية تدجينها.

 

إضافة إلى إنشاء نظام بنك البذور للمحافظة على تنوع المحاصيل والأنواع المتوطنة البرية المهددة، فمن الضروري اعتماد مناهج تفاعلية وشاملة ومتنوعة للرقي بالزراعة وسبل العيش. يجب احترام المجتمعات المحلية مراعاة للقيمة الحقيقية التي تضفيها على التنوع البيولوجي الزراعي والغذائي. وفي هذا السياق، تلعب مؤسسة الأطلس الكبير HAF دورا مهما في العمل مع المزارعين المحليين لضمان استخدام أنواع المحاصيل المحلية وتلك التي تستخدم المياه بكفاءة وتتطلب نسبة أقل من المبيدات الحشرية والسماد.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.