زاكورة : اللشمانيا و الكلاب والموت
الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء والدفء والإحساس بالكرامة، هكذا وصف الشاعر و السفير السعودي “غازي القصيبي ” الوطن. لكن تراه فكر ولو قليلا في حالنا؟ تراه تخليلنا حتى، ونحن نعيش في هذه البقعة “المنسية” نمضي فيها كل حياتنا، نأكل ونصلي ونتكاثر، نفرح ونحزن ونردد النشيد الوطني، نحفظه عن ظهر قلب، نملأ الصفحات الفيسبوكية بصور لنا ولمنازلنا وطبيعتنا علها تكن شفيعا لنا، أمام من يعتبروننا “قاصرين” عن انتزاع الحقوق من فئة اتخذت ظلم العباد دينا و سبحت بحمد المخزن صباح مساء.
للذين لم يعلموا بعد ماذا حصل: في بحر هذا الأسبوع طفل في عمر الزهور” أربع سنوات” بإحدى الجماعات القروية بإقليم زاكورة، توفي متأثرا بأنياب كلاب ضالة إنغرزت في جسده المرهف لترديه جثة لم يفلح مستشفى زاكورة الإقليمي ولا ابن طفيل الجامعي في رد شرها.وقبله بالأمس لفضت أم أنفاسها وهي تضع مولودها أمام المستشفى الإقليمي بزاكورة. ولم تصدق أمهات بعد أن أبناءهن ممن طالبوا بماء صالح للشرب عانقوا الحرية أخيرا بعد أشهر من السجن، وآخرون ما تزال جراحهم لم تندمل جراء وباء اللشمانيا، ونساء أولاد يحيى الذين أقاموا محاكمة لمجالس جماعة متعاقبة فاسدة. احتجاجات هنا وهناك عبر الإقليم وفي كل احتجاج ألف ملف وقضية.
قضية “عدنان” اليوم تضعنا أمام مآسي حقيقية، لفئة من سكان الجنوب الشرقي، مأساة هشاشة البنية الصحية بالإقليم وجودة الخدمات العمومية بهذا الإقليم، أو بمعنى أصح توفرها، وشروط العيش المتوفرة هناك في هذه الأرض “المهجورة” هجرها أصحابها قصرا، لا حبا في ذلك،بعد أن ضاقت بهم كما ضاقت بالذين من قبلهم، علهم يجدوا في أرض الله الواسعة ملاذ يؤمن لهم بعض الرغيف والكثير من الكرامة. ولتكون معالجتنا للموضوع أكثر واقعية لنا أن نسأل عن مصدر هذه الكلاب التي تصول و تجول في كل قرى زاكورة بلى حسيب ولا رقيب؟ كيف أصبحت بهذه الشجاعة و الشراسة لتهاجم طفل يلعب في بركة ماء أمام مزله؟ ألم توجه بنادق الصيد للكلاب الضالة بعد أن تأكدت مسؤوليتها في نقل وباء اللشمانيا بين الصغار و الكبار هناك؟ أم أن الأمر لا يعدوا أن يكون انحناء أمام التيار، وهي تقنية أتقنتها السلطات هناك والمصالح المختصة، بهرجة وبعض الصور، وتعود بعدها حليمة لعادتها القديمة. ولعل “خطة” المجالس المنتخبة هناك في محاربة اللشمانيا التي تفشت في الأشهر الماضية فاشلة بكل المقاييس، وتعاطيهم مع القضية أكبر دليل على استهتارهم بحياة المواطنين هناك. ذلك أنهم اختزلوا الوباء في بضع فئران واختزلوا الوقاية في بضع كيلوغرامات من القمح المسموم يوزعونه على جمعيات لتقتفي أثر الفئران، كان ذلك قبل أن يصبح الوباء قضية وطنية و يتأكد تورط الكلاب الضالة في نقله.
إن مسألة حماية المواطنين هناك من مسؤولية الدولة ومن يمثلها من جماعات محلية و سلطة محلية، أما خصوص مصدر الكلاب الضالة التي يتزايد عددها في أوقات معينة من السنة فالتهمة موجهة لشاحنات نقل الدلاح من الإقليم والتي تعود إليه محملة بكلاب مجهولة المصدر. وسواء كان الخبر صحيح أو خاطئ فالمسؤولية هنا مرة أخرى للسلطة المحلية، التي من المفترض أن تكثف جهودها لحماية المواطنين.
يبدو أن الرياح السياسية التي أطاحت بعامل زاكورة الذي عمر بها ردحا من الزمن، لم تكن بالقوة الكافية لتمتد إلى القاعدة وتحرك ما يمكن تحريكه، لنطرح المزيد من الأسئلة من قبيل:هل ستنضاف هذه القضية لباقي الملفات التي من المفترض أن تحقق فيها لجان الداخلية وينفضوا بعض من الغبار عن كل القضايا والمشاريع التي كان بإمكانها تحسين ظروف العيش هناك؟ هل تكون للوزارة مقص من حديد ليقص أرجل أخطبوط الفساد هناك. وتجعل مصلحة الموطن فوق كل اعتبار أم أنه لا يكون للمواطن ثمن إلا أثناء التصويت. لك الله يا وطني…
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
3 تعليقات
اترك رد
إلغاء الرد
مأساة، معاناااااات…..
اختزلتها في عبارتك البراقة التي شملت كل النواحي
***لك الله يا وطني***
حتى ان كانت ياء النسبة هاته ظلم ينضاف لسابقيه…
وتبقى اللغة وعبارات السطر،عاجزة عن عكس ما في الجوهر
سلمت أناملك أستاذ سعيد
استاذي ,الكلاب ,الامراض الفقر المدقع وفلول من المشاكل وصلت الى ما وصلت اليه عن هذا الاقليم المجروح المنسي .المشكلة لا تكمن في الدولة من احزاب و ممتليها و مقصها لتبتر ما بقى لهابالبتة بمواطن نست حقوقه . بل الاشكال في شبابها المتقف الواعي الذي لا يستطيع البوح و لا التكلم و لا رفع صوته لا سماع ما يعانيه هذا الاقليم مما يعاني منه .كما اشرت جزاك الله ناكل و نشرب و نستمتع و ناخد صور تذكارية تمجدا بها زد على ذلك الرقص و الضرب على الطبول و ما الى ذلك كان شيئ ما وقع .دل هذا على ان اناس هذا الاقليم لامشاكل لديهم .و هم في عيش كريم و فرح و سرور . كفانا هراء ومسرحيات و تمثيلا . .اقول متى ستشرق شمس الغروب على عقولنا التي اصابها ظلام دامس ?
احسنت سعيد