يجب علينا أن لا نقف بالتربية على المواطنة،عند مستوى الاكاديمي الممنهج داخل الفصل الدراسي ولكن يتطلب الأمر التأسيس لهذا المستوى منذ مراحل التربية الأولى داخل محيط الأسرة والعائلة،وتعزيزه من وراء جدران مجموعة من المؤسسات سواء في الفضاء المدرسي نفسه،أو في الفضاء السوسيو تربوي العام، فالمدرسة ليست وحدها معنية، ولكن هناك أيضا ما يسمى بـالمدرسة الموازية، أي وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي تلعب دورا هاما، وتشكل،إلى جانب هذه الوسائل، مختلف فضاءات التربية.
فالتربية الشاملة على المواطنة، تتصل بنشر مجموعة من القيم ، وترسيخ سلوكات والاختلاف، في مختلف مراحل نمو الفرد وتطوره الفيزيولوجي والعقلي والوجداني، وعبر مختلف المؤسسات التربوية والاجتماعية، مثل الأسرة والتعليم الأولي والأنشطة المدرسية ووسائل الإعلام ومؤسسات التنشيط والتثقيف، هل يكفي النشيد الوطني كل صباح في مدارسنا لجعل أطفالنا يحسون بالانتماء لهذا الوطن والاخلاص له والتشبت به والدفاع عنه عند الحاجة؟
أطفالنا في حاجة قبل كل شيء لمعرفة بلدهم و تاريخيه، لأن الاحساس بالمواطنة شعور ينمو عن طريق المعرفة والمعايشة والقرب،وحتى يمكننا أن نخاطب وجدان الطفل وننمي لديه الاحساس بالافتخار والاعتزاز بوطنه ، لابد أن نمده بالمعارف اللازمة عن تاريخه وحضارته،رسالتنا اليوم أن نعرف طفلنا في المدرسة بالخصوصيات الحضارية التاريخية والوطنية،مع الانفتاح على كل الثقافات الأخرى،أن نشعره بالموروث المشترك من المبادئ والقيم والسلوك والعادات ، أن نحفزه على العطاء والإخلاص والتضحية لهذا الوطن ،أن نساعده على بناء القدرات والمهارات الكافية في كل المجالات حتى يصبح قادرا على الابداع والتميز من أجل تنمية وطنه ، فلا يحتاج بعد ذلك أن يحلم بمستقبل خارج حدوده،ومن مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي وما هو كوني للتخفيف من وطأة قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية وما صاحب ذلك من أثار سلبية، وذلك للمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي والحضاري للمواطن، وتتجلى أهمية التربية على المواطنة بالنسبة في المغرب في كونها ترسخ الهوية المغربية الإسلامية والحضارية بمختلف روافدها في وجدان المواطن، كما ترسخ حب المواطن والتمسك بمقدساته تعزيز الرغبة في خدمته وفي تقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع المغربي.
ولعل من المفيد التذكير أن ممارسة المواطنة ليست مرهونة بالرشد القانوني الذي يخول المشاركة في الحياة السياسية وخاصة العمليات الانتخابية بل إن لكل مرحلة، بدءا من السنوات الأولى للطفل، أشكال وصيغ لشكل الممارسة من قبيل التحسيس ووضع تصورات عملية حول سلوكات يومية مستكيفة مع كل فئة عمرية من شانه أن يحدث مع مرور الزمن وتضافر جهود أطراف أخرى، ذلك التراكم الذي يغرس قيم المواطنة في تضافر الفكر والوجدان ويجعل بلورتها وتفعيلها أمرا طبيعيا ودائما وعليه فإن التربية على المواطنة يجب أن تبدأ من الأعلى، ونقصد بذلك،المؤسسات القانونية والدستورية التي تؤطر وتدبر وتحكم الوطن ككل،ويجب كذلك تربية الكبار والمسؤولين والفاعلين العموميين على المواطنة كذلك ليكونوا القدوة والمثال للصغار والكبار على السواء، فالتربية على المواطنة ليست مجرد تربية مخصصة للأطفال أوصغار المواطنين،إنها ثقافة وقيم معني بها الجميع،ويجب أن يستحضرها ويمارسها ويتربى عليها الجميع،ليكون الوطن للجميع في السراء والضراء،وفي الرفاهية والكرامة.