لقد ولد العيد يا صالح..

0 533

حنين لمسقط الرأس يشدني عندما يحين عيد الأضحى*العيد الكبير* كما كنا نسميه ونحن صغار، ربما هو حنين لتلك التقاليد ،العادات والطقوس التي تؤثث بلدتي النائية التي تكره الإيجاز في كل شيء، ففي السنوات التي خلت وهي ليست بالبعيدة عنا كنت وأصدقائي في الطفولة نجلس القرفصاء أمام باب الزاوية-فم الزاوية-في انتظار شبه سيارات النقل التي تقل العائدين من غربة كئيبة تمتد على طول السنة، وكأن العائد محكوم بسنة من المنفى والأعمال الشاقة حيث يحرم من رؤية بلدته وأهله وصاحبته وبنيه، وما إن ترسو تلك السيارات الشبيهة بسفن الصيادين الخشبية حتى ننطلق في اتجاه بيوت المسافرين وإن شئنا الدقة في اتجاه أكواخ طينية في أزقة مظلمة لنبشر أهل العائد ونحظى ببعض الحمص والكعك، ولا أدري سبب ملوحتهما معا وعهدي بالكعك يكون حلو المذاق ربما هو من بقايا العام الفائت من يدري،حيث تتكلف والدته بالمهمة فيما زوجته تتزين لاستقباله بالحناء التي تطليها ليديها ورجليها ولشعرها أيضا مما يجعل من الصعب أن تفرق بينها وبين شجرة الحناء لتشاركهما في الرائحة ذاتها، أما ما يجعلنا…

ميز العائد عن باقي أهل البلدة الذين يرددون إن هاهنا لقاعدون.. فأغلبهم يضعون نظارات سوداء حتى ولو كانت الشمس أشرفت على المغيب وطريقة كلامهم وتبقى حلاقة شعرهم العلامة الدالة الأكثر وضوحا، لا أخفيكم سرا أن كنت أمني النفس بأن أصبح مثلهم وكدت أترك مقاعد الدراسة من أجل العمل في المدينة وأمسي من ضحايا الهدر المدرسي لولا الألطاف الإلهية، كل ذالك من أجل أن يتسابق الأطفال عند عودتي ليبشروا أهلي في تلك اللحظة التاريخية كم كنت ساذجا حقا كنت أعتقد أن الأمور ستبقى كما هي عليه أما الآن فمعظم الأطفال في عطالة ، لأن الهاتف النقال أصبح يقوم بتلك المهمة وما تنفع بشرى طفل وعند أهله الخبر اليقين وكم حز في نفس رؤية طفل سابق الزمن من أجل أن يبلغ عن وصول أحدهم لينال الرضا والكعك أيضا فما كان من تلك المرأة العجوز إلا أن قالت له* :راه فخبارنا قالها لينا فتنيفون* أي في الهاتف وجعلت عينيه يدوران في فلك رأسه وعاد خائبا. أما أحاديث الكبار في هذه المناسبة فهي لا تخرج عن نطاق خروف العيد و غلاء ثمنه وسمنته تماما كما هي أحاديث أهل المدينة مع اختلاف بسيط وهو اهتمام أهل المدينة بحجم قرني الخروف وضرورة كبرهما أما عقلاء البلدة فلا يهتمون بذلك كثيرا وهو ما جعل أحد المسنين في البلدة يقوم باختيار خروف من بين قطيع غنمه على أساس انه أضحية العيد ولم يهتم كثير لغياب قرنيه وأخبر أبناءه بذلك أي أنه من خيرة الخرفان وأنه يزداد سمنة يوما بعد يوم وفي يوم العيد، أنهى الخطيب الصلاة وتوجه السيد المسن لإتمام شعائر ذاك اليوم العظيم ويفديه بذبح عظيم ، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان فالخروف أضحى نعجة ورزقت بمولود لها صبيحة العيد ،صاح الأب بغرابة على أحد أبناءه البررة لقد *ولد العيد يا صالح..*.فعوا شركم مبروكة ولا تنسوا تيقنوا جيدا أهل البلدة أخرافا أم نعاج تتخذون أضحية.مودتي .

خالد بلحاج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.