أزمة القراءة
بالمجهر…
1
القراءة في أزمة:
تعددت الأزمات و استفحلت، فأضحى كل واحد منا يدلي بدلوه في هذا المجال. ومهما تباينت الآراء و اختلفت الرؤى، فلن نجد أكثر من أزمة القراءة عمقا و صعوبة. لذا يجدر بنا عند تناول مسألة أزمة القراءة، خصوصا في بلدنا، أن نعود كي نتأمل بعمق الصرخات الأخيرة التي أطلقتها بعض المنظمات بخصوص تدني مستوى التعليم و الثقافة، وذلك راجع بالأساس إلى إغفال العديد منا للقراءة و المطالعة، أضف إلى ذلك تفشي داء الأمية خاصة بين صفوف الكبار.
لكن المثير للجدال، أن هذا المشكل بدأ يتسرب إلى شريحة مهمة داخل المجتمع، ألا وهي فئة الشباب التي تعد قطب الرحى في أي مجتمع أراد لنفسه الرقي و الازدهار. يقول فرنسيس بيكون :” القراءة تصنع الشخص المتكامل”، وذلك ينطبق تماما على الحكمة الصينية التي تقول “تعتبر القراءة بالنسبة للعقل كالرياضة بالنسبة للجسم”.
حديثنا هذا لا يخرج عن كونه مجرد طلب للاستغاثة قصد الخروج من هذا الانحطاط (أو لنقل التخفيف منه على الأقل)، الذي أصبحنا نعاني منه جراء تخلينا عن القراءة التي تلعب دورا هاما في تثقيف الإنسان و المساهمة في كمال شخصيته، ومنه الحصول على مجتمع جميع أفراده صالحين يتقنون لغة الحوار وأسس التواصل السليم. وما أحوجنا اليوم أكثر من غيره إلى مثل هذه القيم التي يبدو أنها في طور التلاشي و الاندثار.
بقي لنا بعد هذا الاستعطاف أن نحدد ،ما أمكن، الأسباب و الدواعي التي أدت إلي تفشي أزمة القراءة علنا نتمكن من إيجاد الحلول وتخطي عقبة تلك الأزمة. فما هي يا ثرى هذه الأسباب ؟ و ماهي الحلول الكفيلة بالمعالجة؟
إنه لمن الأسباب التي أعتقد أنها جديرة بالتقصي و المتابعة، تلك المتعلقة بالانتشار السريع و المهول للشبكة العنكبوتية، و ما صاحب ذلك من رغبة كبيرة لرواد هذه الأخيرة في الحصول على المعلومة في أسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة. فمن المعلوم أن هذه الشبكة لم تترك أية فرصة أمام روادها من أجل ضم الكتاب والاستمتاع بنكهة القراءة. و الظاهر الذي لا غبار عليه هو تلك الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يظلون طوال اليوم أمام جهاز الحاسوب، أو في صالات الانترنيت المتواجدة في كل أنحاء المعمور، ناهيك عن أولئك الذين يقضون أوقاتهم، ثانية كانت أو ثالثة، في مقارعة المواقع الإباحية غير أبهين بقيمة ذلك الوقت الثمين، ف“الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”.
إن القول بالدور السلبي الذي يلعبه الانترنيت في تدني مستوى القراءة لا ينبغي أن يقودنا بأي حال من الأحوال إلى نفي الأهمية الكبيرة و المهمة التي يلعبها كذلك، خصوصا في الوقت الراهن، إذا أخذنا بعين الاعتبار الانتشار الواسع للعولمة وتفاقم الصراع بين الشرق و الغرب، زد على ذلك التنافسية التي يفرضها عالم سوق الشغل.
لكن الأهم من هذا وذاك هو كيفية توظيف هذا “الرأسمال المعرفي_التقني” فيما يخدم المصلحة الشخصية و العامة على حد سواء.
كذلك يمكن أن نضع في حسباننا الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس في الوطن العربي عموما، حيث الإمكانيات محدودة لا تسمح في أحايين كثيرة بالإنكباب التام على المطالعة. علاوة على ذلك يمكن اعتبار الجهات المسئولة عن الشأن الثقافي و الفكري صاحبة المبادرة من أجل النهوض بالأوضاع الثقافية والعلمية . فمن مهامها كما يعلم الجميع السهر بكل جدية على توفير الظروف المناسبة لتسهيل عملية القراءة، وذلك عن طريق تنظيم لقاءات فكرية تحث على الكتاب و المكتبة، ثم توعية و تنبيه الجميع، وخاصة فئة الشباب، بأهمية المطالعة وما لها من دور فعال و ايجابي في تحقيق النماء الفكري و الثقافي ليتحقق وعي الناس بمشاكل مجتمعهم و العمل على إيجاد حلول لها.
ينبغي إذن السهر على جعل القراءة سلوكا يوميا لدى الناس، مع إعطاء أهمية كبرى للكتاب، لأنه الأصل الذي انبنت عليه الحضارات وتماسكت به الأمم و المجتمعات.
حري بنا إذن بذل مجهودات جبارة من أجل تخطي هذه الأزمة و تجاوزها، وإن كانت لا تظهر للعيان بشكل ملموس، إلا إن نتائجها تكون وخيمة و خطيرة. فإن أردنا النجاح في مستقبلنا ، فما علينا إلا الانخراط في مسلسل التقدم و الارتقاء مع هواية القراءة و الاهتمام بالكتاب، قال أبو الطيب المتنبي: “أعز مكان في الدنيا سرج سابح *** و خير جليس في الزمان كتاب”.
زبدة القول، “إن الأمة التي لا تقرأ تموت”، وعليه، فالحل ظاهر للعيان .فالبقاء ومسايرة ركب التطور و الازدهار أمور لا تتحقق من فراغ، بل لابد من تحمل جميع المسؤوليات وبذل كافة الجهود لتحقيق الغرض المنشود.
ذ: الصديق ارو هان