المغرب العميق … زاكورة نموذجا
المغرب وطننا الغالي والجميل وليس هناك أدنى شك في حبنا الكبير له ولأهله , لكن المغرب للأسف “مغارب وغرائب” فهناك مغرب المدينة ومغرب القرية,وهناك مغرب نافع ومغرب غير نافع , وهناك مغرب “المسؤول” ومغرب المواطن من الدرجة الثانية وهناك مغرب المركز ومغرب الهامش وهناك مغرب الواجهة والقرب ومغرب العمق والبعد وهناك وهناك,كل هذا للأسف ونحن في عصر الربيع الديمقراطي والدستور المتقدم (2011), في عصر التبجح بقيم العدل والمساواة والكرامة وحقوق الإنسان وعدم التميز وغيرها من الشعارات الرنانة الجوفاء الخالية من روح تدب فيها وتعطيها الحياة الحقيقية.
“الفرص النادرة والتحديات القاهرة” ,هو الشعار الذي نراه يناسب منطقتتنا حاليا,و التي نحبها رغم كل الاكراهات, لكن لا نحب أن تظل وتستمر في هذه الوضعية المتخلفة عن ركب التنمية,والهشة والمنفرة للأسف لعدد من الطاقات, التي ما إن تتصادم مع ظروف المنطقة القاسية حتى تجمع حقائبها وتعود أدراجها راجعة على آثرها دون أن تتردد في ذلك, وهذا ينطبق بالخصوص على قطاعات متعددة كالصحة والتعليم وغيرهما.
آه ثم آه أيا بلدتنا الحبيبة متى ينتهي توجعنا وتضمرنا كلما تمعنا في أحوالك,كلما كتبنا عنك أو نريد أن نكتب,كلما جردنا حاجياتك المتعددة ,كلما …
فأما الفرص النادرة والقليلة جدا بالمنطقة فنذكر منها:
- فرصتك لتقتل طموحك وتعيش جد عادٍ في هامش الحياة.
- فرصتك لتصنف ضمن المغرب غير النافع ويسخر منك.
- فرصتك لتعيش تحديات قد لا تخطر لك على بال.
- فرصتك لتعيش بعيدا عن عصرك وأحلامك, وتعيش مكبلا مقيدا بقسوة الظروف.
- فرصتك لتلفظ أنفاسك في هدوء وتعيش التقاعد الرتيب الممل حتى يأتيك اليقين.
و أما التحديات القاهرة فمنها لا الحصر:
فهي أكثر من أن تحصى فلا ندعي أننا أحصيناها كلها ولكننا وضعنا الأصبع على بعضها,لعل من يهمه الأمر يتدخل لإنصاف هذه المناطق العزيزة علينا التي هي جزء لا يتجزأ من مغربنا الحبيب,ومنها:
1. الجانب التعليمي التربوي:
- • الأمية المستفحلة والجهل والجهل المركب,في صفوف الآباء ذكورا وإناثا,مما يؤثر سلبا على الأبناء والبنات و…
- • قلة الوعي بأهمية العلم والتربية عند الآباء خصوصا مما يقف حجرة عثرة أمام البنات والأبناء الذين يرغبون في التعلم…
- • الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة,لأسباب :الفقر والهشاشة, وقسوة الظروف…
- • بداية انتشار ظاهرة القسم المشترك في الابتدائي في الدواوير (القصور) البعيدة جدا, والاكتظاظ في الإعدادي والثانوي.
- • قلة أو غياب التجهيزات الأساسية في المؤسسات التعليمية (هناك مؤسسات بلا أسوار ولامياه ولا أنوار ولا…), ومؤسسات لا تشجع على حب العلم والتعلم,جدر صماء مشوهة وأحيانا مخربة….
- • صعوبة استكمال الدراسة غالبا إما:
- o للفقر والحاجة,وقلة ذات اليد.
- o لبعد الجامعات والمعاهد والمداس عن المنطقة.
- o إلزامية الحضور في الجامعة المغربية خاصة في هذا النظام الجديد؟؟ حيث أن عددا من أبناء المنطقة سابقا يعمل لتوفير متطلبات الدراسة ثم بعد ذلك يتدارك ما فاته من الدروس ويحاول فهمها ويستعد جيدا لاجتياز الامتحانات وغالبا ما يوفق لأن رغبته في الدراسة جد مشتعلة.؟؟؟
- o للتمييز السلبي الذي طال بعضا من أبناء المنطقة سلبا بحيث يقصى من إمكانية الاستكمال.
- o وفي الغالب تكون هذه الأسباب كلها وغيرها حائلا دون استكمال الدراسة.
2. الجانب الاجتماعي:
- • التهميش المقصود والمخطط له.
- • استفحال ظاهرة الفقر ,الحاجة والتسول والبطالة.
- • هشاشة الأسر وقلة التماسك,مما انعكس سلبا على الأبناء.
- • العزلة: الاقتصادية,والاجتماعية والثقافية وغيرها.
3. الجانب السياسي:
- • الاستغلال السياسي القبيح, فقرى المنطقة كانت ولازالت أسواقا لشراء الذمم والأصوات و”النجاح” المزيف في الانتخابات.
- • قلة الوعي السياسي,وانتشار العصبيات والعرقيات المقيتة التي تفرق ولا تجمع وتفسد ولا تصلح,تثبط ولا تشجع…
- • غياب تام لعمل سياسي حقيقي و منظم لأجل النهوض بالمنطقة, بل أننا لا نعرف “ممثلنا البرلماني” إن وجد, ولم يزر بلادنا يوما قط للأسف,لم نره حتى في الحملة الانتخابية بل هم من تكلفوا بالدعاية له كذبا وبهتانا للأسف؟؟؟.
4. الجانب الاقتصادي والمعيشي والتنموي:
- • ندرة وشح الماء الصالح للشرب بجل دواوير وقصور المنطقة بل في مركزها كذلك.
- • انعدام البنية التحتية,وفي أحسن الأحوال هشاشتها وضعفها.
- • انعدام فرص الشغل.
- • انعدام مشاريع تنموية حقيقية.
- • غياب استراتيجية واضحة للنهوض بالمنطقة.
- • زاكورة مثلا وما فيها من نخيل مثمر,من غرس الأجداد بكدهم واجتهادهم رحمهم الله,لا تتوفر للأسف ولو على معمل واحد حقيقي للتمور ومشتقاته. كما أن ما يسمى بمشروع ” المغرب الأخضر” لازانا لم نرى له أثرا عندنا, خصوصا في جماعات كتاكونيت وما جاورها.
5. الجانب الإعلامي والثقافي:
- • التهميش واللامبالاة بهموم الساكنة,حيث أن إعلامنا وفِيٌّ لنقل المسلسلات الماجنة والدخيلة المكسيكية والتركية و… والتي لا تمثل ثقافتنا ولا همومنا,بعيد كل البعد عما يهمنا وما نحتاج إليه.
- • اهمال الثقافة والتراث بالمنطقة حيث انتشار القصور والزوايا الآيلة للسقوط, واندثار ثقافات متنوعة لغياب الاحتضان والمساعدة والصيانة.
- • الشعور بالغربة في وطننا لما ينقله الإعلام من تفاهات وسخافات “ترقص” على أوتار مشاكلنا وهمومنا؟؟.
ومن أكبر النتائج التي افرزتها هذه الأوضاع المزرية:
- الهجرة نحو المدن. وعدم الاستقرار
- مدينة بعيدة عن ركب التنمية.
- استفحال الاهمال والتهميش.
- تغلغل الفقر والحاجة والهشاشة…
- تضاعف المعاناة والتحديات.
- …
حقيقة هذه القرى (المغرب العميق عموما) عند المنصفين:
- • فهي خزان للقيادات الحقيقية التي تتحدى الصعاب.
- • فهي مدرسة للقيم, نتلقى فيها قيما رفيعة عمليا: قيمة الشجاعة,قيمة الكرم,قيمة العمل,قيمة التضحية,قيمة البساطة, قيمة الصدق….
- • فهي سوق المدينة ومصدر تزويدها بالأساسيات والضروريات.
- • هي الحياة الحقيقية بدون “ماكياج” للتزيين,دون تصنع أو “تزويق”.
- • وهي معقل للثقافة الوطنية العريقة والأصيلة وخزان لها,ومكان تألقها وإبداعها.
ماذا نقترح لنفض غبار التهميش والاهمال عنا:
- إمدادها بالماء الصالح للشرب قبل أي طلب آخر.
- تنمية المنطقة وحل كل مشاكلها حتى تعرف استقرارا وازدهارا.
- إنصاف المنطقة وأهلها خصوصا وصيانة موروثاتها وتراثها.
- إنجاز مشاريع حقيقية بالمنطقة وتوفير مناصب شغل قارة ودائمة لساكنتها.
- الاهتمام بالبنية التحتية والمؤسسات التعليمية وغيرها وتقريب الإدارة من المواطنين بها.
- الاهتمام بالمنطقة إنسانا,عمرانا وعرفانا.
- …..
وخلاصة القول:
يجب أن يسير وطننا كله على درب التنمية دون استثناء أو تمييز,فلن نكون دولة متقدمة حقا وتحترم نفسها صدقا, إذا بقيت بعض مناطقها مهمشة وساكنتها تعيش عصور غابرة عفا عنها الزمن. لن نحترم كدولة وكوطن إلا إذا قدرنا قيمة الإنسان أولا وحفظنا له كرامته ووفرنا له أسباب الحياة المحترمة وضمنا حقوقه سواء كان هذا الإنسان المواطن يعيش في المدينة أو في القرية ,سواء كان ابن وزير أو ابن خفير,سواء كان في العاصمة أو في الحدود مرابطا هناك…نتمنى أن لا يطول بنا الانتظار حتى نرى مغربا ناميا ومتقدما ورائدا من “ميمه” حتى بائه مرورا بغينه ورائه,و بغض النظر عن كل حروفه ؟؟؟.