أخطاء مسؤولين حكوميين بقيمة أخطاء حكام مباريات السد
بعد مرور سنة تقريبا من تعيين الحكومة بقيادة الأغلبية الناتجة عن تكثل حزب العدالة و التنمية و حزب الاستقلال ، و رغم صعوبة الحديث عن حصيلة التجربة الحكومية خلال هذه الفترة ، فإن العديد من المؤشرات تؤكد على أن هذه الحكومة هي حكومة التوافقات الإقليمية – على صعيد المرجعية – لا أقل و لا أكثر ، و هي التي يفترض منها أن تكون حكومة بتوجه يراعي للمعطيات المحلية و الاقليمية و الدولية لاعتبارات عدة خاصة بعد هبوب رياح الربيع و عصفها بالدكتاتوريات – الملكية – العربية في ثوب الرئاسة .
إن تفسير منطلقات هذا الحكم ، هو أكثر مما يمكن مناقشته في هذه الورقة و مع ذلك فإن مقاربة سياسة بعض الوزراء في تدبير القطاعات المنوطة بهم ، طبقا لاختصاصاتهم ربما قد تبرر غاية إصدار مثل هذه الأحكام . ذلك أن المستمع لوزير الصحة مثلا و هو يجيب عن الأسئلة الباهتة و الغير المقنعة لما يسمى بنواب الأمة ، و التي من جملتها مساءلته عن جدوى التعاقد مع شركات صنع الأدوية الأجنبية سيلاحظ أن الاجابات تنم عن جهل أو تجاهل من قبل الوزير بقدرات المغرب في هذا الاتجاه ، طبعا السيد الوزير أجاب بأن التعاقد مع هذه الشركات من شأنه أن يحقق تكامل بينها و بين نظيرتها المغربية لتغطي احتياجات المواطن الدوائية . لنحيل الوزير على بعض من مؤهلات المغرب في ميدان الصناعة الدوائية قبل أن نتساءل معه أين تذهب ؟ حتى نستنجد بمؤسسات خارجية بمقابل تنازلات يسقط عليها مثل ما خفي اعظم .
إن السيد الوزير يتجاهل سمعة المغرب الطيبة في مجال الصناعة الصيدلية ، بحيث تغطي 90% من الطلب الداخلي للأدوية ، و يصدر أيضا إلى العديد من الدول الإفريقية و ألأوربية و يتوفر على حوالي 35 مختبر لصناعة الادوية ، فهل و كيف يستفيد المغاربة من هذه الامكانيات .
و مادمنا في مجال الصحي لنتكلم لغته و نأخذ عينة حتى يتسنى لنا الوقوف عن مدى مطابقة هذه هذه الارقام للواقع ، فلعل سيادة الوزير يصر كسلفه على تجاهل ، بأن إقليم كزاكورة لا يتوفر إلا على مستشفي و الباقي ملحقات صورية ، و هذا الاخير بدوره لا يتوفر حتى على كامل المستلزمات الطبية الأولية ، علاوة عن غياب أطر في العديد من الاختصاصات و ان المراكز القروية التابعة له و التي تبعده بأكثر من 70 كيلومتر ، يفقد سكانها العديد من أبناءهم جراء عدم توفر مستشفيات و دور للولادة بحيث تضع كل ذات حمل رضيعها في الطريق ، و في وسائل نقل عامة في ظل غياب سيارات إسعاف . فهل يبدوا كل هذا أمرا عاديا في مغرب الواحد و العشرين ؟ ، من هنا أقترح على سيادة الوزير أن يزور هذه المناطق ليقف عند أهم إنجازاته في مجال الصحة في المناطق النائية .
و أقترح عليه أن يستقيل الطائرة ، لأن التوجه إلى مناطق الجنوب الشرقي يدخل في باب المغامرة ، فلا أحد يمكنه أن ينسى حادثة تيشكا التي راح ضحيتها أكثر من أربعين فردا من أبناء زاكورة ، و فقدت فيها بذلك العديد من الأسر مصادر قوتهم اليومي بسبب فقدانهم لأربابهم ، و كان وزير النقل السيد عزيز الرباح قد عزى ذلك إلى العامل البشري ممثلا في تهور السائق و إفراطه في السرعة . لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر بأن بعض السائقين لا يحترمون قانون السير و بذلك يتحملون جزء من المسؤولية ، لكن الأسباب الحقيقية تكمن في غياب شبكة طرقية جيدة .
فالطريق الوطنية رقم تسعة تعرف حركة سير كثيفة و مع ذلك فهي ضيقة و تعرف غياب العديد من الاشارات ، لذلك فإن سبب الحادث يعود في نسبة كبيرة إلى غياب بنية تحتية أكثر مما هو مرتبط بالعوامل البشرية إضافة إلى غياب المراقبة التقنية للحافلات ، إذ نسجل في أيام العيد عودة بعض منها بعدما كانت قد أحيلت على التقاعد ، و علي سبيل المثال لا الحصر ما يسمى FARAH VOYAGE. الذي يشبه نفس حافلة اهلا و سهلا التي انقلبت في تيشكا ، و هو ينطلق من المحاميد الغزلان مرورا بتاكونيث باتجاه مراكش .
قبل أن يطل علينا رئيس الحكومة من خلال إجاباته في مجلس المستشارين ليعلن أن حكومته ناقشت في تلك الفترة إمكانية تقديمها لاستقالتها، ليكشف عن تناقض يعبر عن غياب تماسك الخطاب الحكومي . فلأن وزير النقل و التجهيز صرح بذلك بعد الحادث مباشرة ، فإن هذا يفرض من الخلاصة امرين ،فإما أن هذا يعني استبعاد أمر الاستقالة حفاظا على وحدة القرار ، أو أن حزب العدالة و التنمية عمل بقاعدة الرأي حر و القرار ملزم . و كأن برئيس الحكومة يقول بأن ما عبر عنه الرباح كان رأيا شخصيا لا تصريح مسؤول حكومي رسمي .
يحق لنا إذن استنتاج أن سيادة الوزير كان متهورا و غير مسؤولا في تصريحه و رأيه . و من هنا تتبدى فرضية أخرى مفادها كون التراجع عن الاستقالة ربما جاء بغية عدم إحراجه من جهة ، و حتى لا يظهر للعيان أي تناقض في بنية الخطاب الحكومي من جهة اخرى .
و حتى بعد ما لم تقم الحكومة بفعل ذلك فالنية يمكن أن تكون كافية شريطة أن تتحمل المسؤولية فيما وقع ، و البحث عن سبل ناجعة و انية لرد الاعتبار لهؤلاء الضحايا ، الذين ابانوا عن عيب ، و ساهموا في تعرية واقع ظلت الحكومات السابقة المتعاقبة تتستر عليه و دخلت الحكومة الحالية على نفس الخط .
قد تكون كافية لو أن الحكومة و ضعت في ميزانية السنة القادمة مصاريف نفق تيشكا كحالة استثنائية ، إنها بكل بساطة حكومة دابت في قالب المخزن ، مخزن عرف كيف يجعل من الثابت ثابت و المتحول متحول .
فالكل يعرف بأن مشروع القطار السريع البيضاء طنجة tjv ، الذي يعتبر صفقة رابحة لإحدى الشركات الفرنسية المختصة في هذا الشأن ، صفقة رابحة لأن الشركة كانت مشرفة على الافلاس لولا تدخل المغرب ، و هو الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع المغربي لأن ضريبة إعادة العلاقات الفرنسية المغربية -التي ساءت مع سراكوزي – للسكة الصحيحة في اعتقادهم ، كانت كلفة كبيرة بمستوى يجعلها تغطي مساحة كبيرة من التراب الوطني بالسكك الحديدية ، لو أن الدولة تعاملت بعقلانية مع هذه المسألة ، و حتى لا نكون من هواة النقد ، فإن الربط بين ميناء طنجة المتوسطي و القطب الاقتصادي لمدينة الدار البيضاء يتيح العديد من الخيارات بدل هدر االاموال في مشروع tjv . فيمكن حسب وجهة نظرنا استغلال فضاء المحيط الأطلنتي (الملاحة البحرية ) .
واضح إذن أن عفا الله عما سلف لم تؤسس على اختلاسات المال العام من طرف مسئولي الحكومات السابقة و فقط ، بل أنها ستظل سارية المفعول حتى في الفترة البنكيرانية و ما بعدها ، لتكشف عن الخط اللاديمقراطي و اللاشعبي في حكومة بن كيران , غير أن غياب أي رد فعلي بإجماع جماهيري عن موضوعة عفا الله لا يجب أن يفهم بأنه تساهل من الشعب مع المفسدين ، بقدر ما يدل على أن محكمة الشعب منكبة على دراسة جميع ملفات الفساد و سيما إذا تعلق الأمر بالعبث بأرواح أبناء هذا الوطن الجريح . .
إن هذا ليطرح لسكان الأقاليم الجنوب الشرقية ايضا أمرين أحلاهما مر فإما أن هذه المناطق غير مرغوب فيها تبعا لسياسة المغرب النافع و الغير النافع . و لا مجال للحديث عن الجهوية لما لها من أهداف وفق مقاربة أمنية بقدر ما هي إقصائية القائمة على عزل المجالات الواحية بإضافة درعة إلى جانب تافيلالت و فيكيك بعدما كانت تجد في سوس ماسة متنفس و سند لها . أما الأمر الثاني فيدفع للتساءل عن ما الفرق بين الفترة الاستعمارية و الآن ؟ نعم قامت فرنسا بتجاوزات كثيرة من قتل و نهب في هذا البلد ، لكن لنعترف بأن فرنسا هي منن قامت بنسج خيوط الربط بين جهات المغرب ، فالطريق التي نتحدث عنها الآن كانت من المخلفات المادية الموروثة عن فرنسا الحماية، و ها نحن نعيش اليوم ترسانة من الانتهاكات دون إجابات عن المعضلات الاجتماعية فكيف يمكننا ان نحاسب فرنسا او نطالب بتعويضات عن المرحلة الكولونيالية .
عادة ما يسفر الإسقاط و التعميم عن السقوط في المفارقة ،غير أن هذه القاعدة ستتكسر على سخرة الحكومة المغربية ، على اعتبار التقارب الموضوعي في مكنزمات عمل وزرائها ، فتصريحات وزير التربية الوطنية الغير المسؤولة – اوباما باباه ما عندو بحال هاد الإعداديات – و التي زاد بعضها من ورطة الألة الدبلوماسية لوزير الخارجية لخير دليل على ذلك ، بالإضافة إلى فشل هؤلاء الحكوميون في حل الملفات الكبرى التي لا زالت عالقة من قبيل ملف المعطلين المرابطين بشوارع الرباط ، و ملف الصحة ، و غيرهم . و هناك وزراء لا وجود لهم لا إيجابا و لا سلبا و يستمر الجهل و التجاهل .
تستحق فعلا هذه الحكومة ان تكون موضوع لأطروحة إذا ما اراد المغرب أن يتقدم فسنحتاج الى تقارير دقيقة عن ادائها في حالة إذا ما اتمت ولايتها ، فلأن التركمات الكمية تفضي إلى القفزة النوعية فإخفقات حكومة بن كيران في تدبير الشأن العام تجبر على أحداث تعديل بسيط على هذه الموضوعة بمعنى أن التركمات الكمية يمكن كذلك أن تفضي بالبلاد للهاوية ، لتبقى القاعدة رهينة تجادب معياري السلب و الإيجاب .
و ما داموا مصرين على تجاهل كل هذا فإننا نشاطرهم ذلك ، فنحن مصرون كذلك على التساؤل إلى أين بالمغرب يا ساسة ؟