غزة قصة مأساة دائمة
واصل الصهاينة اعتداءاتهم الهمجية على الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة ، بما فيها مدن وقرى مخيمات قطاع غزة ، والعدوان الأخير ليس مفاجئا أو غريبا ، وإنما جاء في السياق الطبيعي لعدوانية الكيان الصهيوني ، بل أن المفاجئ هو قدرة المقاومة على ضرب العمق الإسرائيلي والدقة المدهشة في إصابة الأهداف وإيقاع الأضرار المادية والبشرية في بنية الكيان الصهيوني ، مما يثير الفرح والتفاؤل في نفوس أحرار الأمة التواقين لمواصلة المقاومة وتمكنها من تحقيق الانتصارات تلو الانتصارات ، والمفاجئ أيضا هو الدعم الرسمي العربي وخاصة المصري والقطري و التونسي بحكومة غزة ، وهنا لا بد من التساؤل هل يمكن لقوى التحرر الوطني أن تنتصر على الاحتلال بدون تحالف ودعم من قوى التحرر العربي المعادية للامبريالية وأدواتها العربية والدولية الداعمة للاحتلال ؟ !لا احد يستمع لغزة .. لا الأنين فيها ولا الخيانة ولا الموت .. أصيبت بالصمم ونحن نرقص مع العدو الصهيوني رقصة الموت .
لا احد يستمع لغزة .. وإلا كنا عرفنا أن كل شهيد يسقط فيها هو انتصار على العدم .غزة .. بلد فلسطيني أرهقته المتاهة .. يحمل شحنة من الألم الموجع .. وبعيش فيه ناس مقهورين داخل وطنهم .. محاصرين من كل الجهات بالموت والدمار .. وبالظلم الذي يسحقهم .. قلنا وكررنا أن إسرائيل لا تريد سلاما .. فالذي وجد بالموت لا يمكنه أن يعيش إلا بالموت .. لكن الذي يثير الحنق حقا، أنه رغم قيام إسرائيل بالقتل والتدمير والتشريد واقتلاع الناس من الجذور،فإن الأيادي التي امتدت لها بالسلام تقابل كل يوم بصفعة مصحوبة بالسخرية ..!!
لكن الذي أثار السخط والفزع ، أن القادة العرب قابلوا الصفعة بالصمت .. والموت والدمار بالشجب وهم يتمتعون بأطايب مناصبهم .. ثم أعلنوا بانهزام أنه لا أحد يمكنه أن يوقف ألبشاعة ثم استمروا في ملاهيهم .. وتخدير أنفسهم بالحروب من فوق المنابر لإسكات ضمائر لا يمتلكونها أصلا .. ونسوا أن الطفل ألفلسطيني والمرأة ألفلسطينية رفضا الصفعة .. وناضلوا معا جنبا إلى جنب مع الرجال ، فرفعوا أنفسهم بذلك لمستوى العظمة .. بينما عاش القادة العرب وراء القبر ..يعيشون ويحكمون بالخيانة .لا احد يستمع لغزة .. وإلا كانوا
عرفوا .. أن اجتماع الحكام العرب .. سيتمخض عن شجب .. ثم النوم ..
لا احد يستمع لغزة وإلا كانوا عرفوا أن الاجتماعات و التهريجات ، ودعوات الاجتماعات بالأمم المتحدة وسحب سفراء ، هو اعتراف مسبق بالعجز .. وإعلان الهزيمة .. تختنق غزة .. وسابقا ضاعت فلسطين بجهود الاجتماعات والظهور في الإعلام لإنهاء ألاغتصاب أسفرت عن استمرار ألاغتصاب وهرولة بعض الدول العربية للتطبيع وأولهم مصر، التي قامت – كسلطة وليس شعب – بعد التطبيع – وتحديدا خلال نظام حسنى مبارك – بدور قيادي في عملية التدجين والاستسلام ، وضرب القوى الوطنية،الرافضة للكيان الصهيوني .
كما قامت سلطات بعض الدول العربية بربط سياستها الخارجية وأوضاع بلادها بالسياسة الأمريكية، التي دعمت ديكتاتوريات ألمنطقة مقابل الطاعة، كما كان يفعل القياصرة الرومان، في زمن النهب المنظم قبل سقوط روما . وهكذا حصلت فلسطين على نكبتين ، نكبة الاغتصاب ، ونكبة الاستسلام . وإذا كانت نكبة الاغتصاب فادحة، فنكبة الاستسلام أشد وأدهى، فالاغتصاب جاء من عدو، بينما الاستسلام جاء من صديق .. وهو بيع علني للوطن وللتاريخ وخيانة مدوية تتكرر الآن في غزة .
صحيح كانت توجد ضغوط، لكن هدفها التخفيف على الضمير، وإخماد أنفاس المقاومة، وليس إستراتيجية للتحرير . فإستراتيجية التحرير، تنهض على أساس قيام بلد حر ، بتحرير بلد محتل، ولم يكن على مساحة الوطن العربي- الفخور بأتساعه وتاريخه- بلد حر واحد، يمكنه أن ينهض للتحرير . لذا ليس مستغربا، أن تقوم اتفاقيات سلام ، وهرولة تطبيع ، وتسويات سياسية تستهدف كلها الاعتراف بالكيان المنزرع كدولة مستقلة ذات سيادة . وتناسى هؤلاء – أو ربما كانوا يعرفون – أن الاعتراف بالكيان المنزرع هو اعتراف بالصهيونية كحركة.. وهو اعتراف يتضمن في جوهرة، القبول بالاغتصاب، والقبول بالإبادة، والتعذيب.. ولا يمكن لهذا القبول أن يتم، لمجرد الانتهاء من وجع الرأس، والتفرغ للملاهي و تتخيم البطون..! بل هو قبول تم لوجود ميل لأفكار التعذيب والاغتصاب بداخل أبطال الهرولة والتطبيع وأصحاب الاعتراف بالكيان الصهيوني .القادة في الوطن العربي ، لا يمكنهم القيام بعمليات تحرير .. لأنهم أصلا لا يعرفون شيئا عن الحرية ولا معانيها .. وفاقد الشيء لا يعطيه وقد ساهم كل هذا – الاستسلام والاعتراف والهرولة، إلى محاولة تفريغ المقاومة الفلسطينية من شرعيتها ، وتحولت في حكم أنظمة عربية ديكتاتورية إلى ” إرهاب ” !!
كأن حكم شعوبهم بالحديد والنار ليس إرهابا ..!وقد ساهم، بعض القادة الفلسطينيين في العملية، فتحرير كامل التراب الوطني، لم يعد ضمن الأهداف.. بل انحصر في محاولة أقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة، مع استقطاع أجزاء منها بحجة الأمن الإسرائيلي.. وهذه الأجزاء قابلة للأتساع بالتفاوض من أجل حدود آمنة !!ثم دخلت الضفة وغزة في صراع مع بعضهما من خلال حماس وفتح .. وهكذا تخلى النضال المسلح عن نضاله ضد العدو، ليتحول إلى صراع ضد الأخ والصديق ،ودخل في متاهة التدجين السياسي .. أما الالتزامات من جانب إسرائيل، التي أعلن عنها على مسرح الهزل الدولي ، فلم تلتزم ولم تنفذ.. وانتهت بانتهاء المسرحية، بعد حصول الناس على جرعة من المخدر المنوم .. وعندما استيقظوا وجدوا، الاستيطان يتزايد مع تزايد الحواجز وبناء جدران عازلة .. واحد من بناه الصهاينة وواحد – وللسخرية – بنته مصر دولة المواجهة !! التشرذم العربي قبل 48 والاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي ..هو نفسه الواقع اليوم .. مع دخول أمريكا طرف من أطراف الاحتلال.. فما الذي تغير ؟
اعتقد أن التغير الحادث، أنه لم يعد لدينا أبطالا حقيقيين لقيادة المقاومة، أبطال ترفعهم نزاهتهم عن المصالح الشخصية.. ولديهم تلك البصيرة، التي تقودهم كأبطال الأساطير للموت من أجل الحق……. .و ما لدينا الآن أبطالا حقيقيين في القتل من اجل المناصب .. وأبطال في الخيانة .