لفت سفير بريطانيا بالمغرب، سايمون مارتن، الأنظار بشوارع مدينة مراكش، مؤخرا، عندما تقمص دور حكواتي وسط ساحة “جامع الفنا” الشهيرة.
حيث تحلق متفرجون حول الديبلوماسي البريطاني لسماع ما سيحكيه، بينما يرتدي بذلة ساحر، و يحكي عن عشق رئيس الوزراء الأسبق للمملكة المتحدة، ونستون تشرشل (1874-1965) لمدينة مراكش.
السفير البريطاني بادر بسرد تفاصيل أحداث تاريخية، بين المغرب و بريطانيا، تبرز الحب المتبادل بين الشعبين، و عشق البريطانيين لمراكش، و هي مدينة تشتهر بالنكتة و فن الحكايات و الفنون الشعبية التي توارثتها الأجيال عبر أزيد من ألف سنة.
و خلفت مشاركة السفير البريطاني في فعاليات “جامع الفنا”، ردود فعل إيجابية بين الجمهور الحاضر و على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث إستحسن معلقون تواضع السفير و “خفة الظل” التي يتحلى بها الدبلوماسي البريطاني.
و في الوقت الذي ينتظر فيه عمال قطاع السياحة إستعادة نشاطهم بعد فتح الحدود الجوية في 7 فبراير الماضي، رأى مراقبون و عدد من الفاعلين في القطاع بالمدينة في هذه المبادرة، إلتفاتة مهمة من شأنها إعطاء دفعة لقطاع يعاني الكساد بسبب توالي شهور الإغلاق، فيما يحاول مهنيون إنقاذ تجارتهم بعد سنتين من الأزمة المرتبطة بكوفيد19.
مراكش ملهمة لتشرشل
ألهمت مدينة مراكش عدداً من لوحات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وينستون تشرشل، الذي كان بالإضافة إلى أدواره السياسية، فناناً تشكيلياً يعشق الألوان و كاتبا متمرسا.
حسب مؤرخين، فإن تشرشل كان يعتبر الفن وسيلة للتخلص من الإكتئاب الذي صاحبه في حياته. و في هذا الصدد، كتب ويليام ريس–موج، الصحافي الأميركي في مجلة التايمز في مقال نشر سنة 2007 : “كانت حياة -تشرشل-الخاصة معاناة من الإكتئاب. لكن إذا نظرنا في لوحاته و حياته الهادئة، لا نجد أي علامة تدل على الاكتئاب”.
و كان كثيرا ما يرسم لوحاته خلال عطلاته في جنوب فرنسا، أو مصر، أو المغرب. و من أبرز هذه اللوحات التي رأت النور في مراكش، لوحة تصوّر صومعة مسجد الكتبية التاريخي بالمدينة الحمراء. و كان تشرشل قد رسم هذه اللوحة عام 1943 أثناء حلوله بمراكش، خلال زيارة إلى المغرب للمشاركة في مؤتمر أنفا، الذي عقده الحلفاء بالدار البيضاء، في خضم الحرب العالمية الثانية.
فيما بيعت هذه اللوحة و هي أشهر عمل رسمه رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في مارس 2021، في لندن مقابل سبعة ملايين جنيه إسترليني في مزاد أقامته “دار كريستيز”. و بذلك تجاوز سعر اللوحة التوقعات بأشواط، إذ كان قُدر بما بين 1,7 و 2,8 مليون يورو، و هي لوحة كانت في ملكية الممثلة العالمية أنجلينا جولي قبل بيعها في لندن.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة السفير البريطاني سايمون مارتن لساحة جامع الفنا، جاءت في سياق إنطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان مراكش العالمي لفن الحكاية، الذي ينظم من قبل “إتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي و فن الحكاية”، ما بين 12 و 20 فبراير الجاري، بشراكة مع سفارة لندن في الرباط.
كما تشكل هذه التظاهرة الثقافية المتعددة اللغات، فرصة للتبادل الثقافي وتقاسم الخبرات بين الحكاة، وتعريف المشاركين بالثقافة المغربية، إضافة إلى الترويج للمدينة الحمراء كوجهة سياحية لهذا الفن، وفتح المجال للمرأة في فن الحكاية، و القضاء على الصور النمطية بين الثقافات و نشر قيم التسامح و السلام، و تعزيز السياحة الثقافية في مراكش.
كما يعقد المنظمون أملا كبيرا في الجيل الجديد من رواة القصص، لبث حياة جديدة في هذا النوع الفني من أجل ضمان إستدامته.