شهادة الضعف..

0 462
نخيل تاكونيت

لم أكن اعرف أن حياتي ستتغير عندما كنت اعبر مسافة ثمانية كيلومترات مشيا على الأقدام أنا وأخي أحمد، ونحمل أغراضنا فوق أكتفنا كما يفعل السياح الذين يعبرون تلك الصحاري في نفس الوقت من كل سنة،وكأننا نكتشف المكان لأول مرة ،لذلك ألتفت يمينا ويسارا ، كأي عجوز أجنبي أغراه جمال وسحر البادية فأراد أن يستبيح جمالها ويسبر أغوارها، فيما أخي هذا الذي يكبرني بثلاث سنوات شمسية يفعل كمرشد سياحي أتعبه الذهاب والإياب لأنه مذ ثلاث سنوات وهو يقوم بتلك التجربة القاسية و لا تهمه سوى المسافة المقطوعة ليرتاح، حدث ذلك في خريف 1997 بعد أن اصدر أبي قراره المنزلي رقم 27/1997 القاضي بالتحاق أختي ووالدتي بالمطبخ، و أخي البكر بجلب الحطب فيما تكلف أخواي برعي الغنم، قطيع البلدة طبعا جميعا -لأن أفراد القبيلة متفقون أن تتكلف كل أسرة برعي القطيع كاملا حين يحين دورهم-في عملية يصطلح عليها *النوبة* بقي دوري أنا وأخي بعد انصرف الجميع تمنيت ألا يكون نصيبنا في هذا اليوم أعمال شاقة أوشيء من هذا القبيل لكن القرار نص على ضرورة إلتحاقي ب تاكونيت من أجل الدراسة ، وبعد ان أنهى والدي أخر قطرة من كأس الشاي، تكلفت بأخذ الكاس الفارغة منه ووضعتها جانبا، واسترسل يوصينا بالتعليم خيرا، بالجد والإجتهاد وبضرورة الحفاظ على السمعة وأشياء كثيرة لدرجة أني تخيلت نفسي أن سأعين سفيرا في مركز *تاكونيت* شعور لم أكد أتلذذ به حتى غادر بعد أن ذكرني أبي بالإسم وكأن الرسالة لي بالتحديد، أخبرنا أيضا أنه تحدث مع الشيخ الطيب* حمان * *توفي رحمه الله في السنوات الأخيرة* وهو شيخ لقبيلة *تيراف * وقتها، وهي بلدة ليست عنا ببعيد كما أن أحوالها ليست بأحسن منا ،من أجل أن يمنحنا منزله الموجود في مكان الدراسة للإقامة فيه ولو بعد حين، لأنه لا القسم الداخلي ولا دار الطالب فتحوا أبوابهم بعد للتلاميذ المستفيدين ، رغم أن إنطلاقة الموسم الدراسي، الذي كان قد بدأ منذ مدة، حيث سنقيم فيه مؤقتا في انتظار نتائج الإستفادة من القسم الداخلي الذي كنت قد وضعت ملفا للإستفادة منه ومن بين الشواهد الذي أخبرني عمي عبد الكريم بضرورتها لتعزيز الملف* شهادة الضعف*، تلك كانت أول شهادة أحصل عليها من لدن السلطات المحلية، ورغم ذلك كنت ضمن المقصين كباقي إخوتي وباقي الفقراء من القسم الداخلي ولم تنفع شهادتنا التي كانت ضعيفة بالفعل في نيل المراد، بعض زملائي رغم حداثة سنهم كانوا يعتقدون أن للأمر علاقة بواحد من وجهاء البلدة الذي يترشح للإنتخابات، وأعطوا تفسيرا سياسيا يدل على الفساد الإنتخابي في عهد البصري واستغلال النفوذ ، فيما كنت أرجع الأمر للعبة الحظ الذي يبتسم للناس في العمر مرة واحدة على الأقل لكنه لحد الساعة ما إن يراني حتى يبدوا عبوسا قمطريرا في وجهي لكن سأجعله يضحك، مع مرور الوقت وبعد اطلاعي على التاريخ السياسي المغربي أدركت أن تفسير زملائي فيه شيء من المنطق. مازلنا نطوي الطريق طيا ولا أسمع سوى صوت خطواتي المتعثرة تتسابق إلى أذني وأتذكر كلمات أبي ووصاياه ودعوات أمي فيما يقطع علي أخي حبل تفكيري من حين لأخر مذكرا إياي بأسماء الأماكن التي نصلها بدأ ب*لبدوع* فجذع نخل يطلق عليه *جذع النصف* وحكى لي عندما وصلناه حكاية مخيفة-هنا قتلوا العطار في زمن السيبة وسلبوا ما عنده -، وكأن أخي مؤرخ للمنطقة ولم يضيف شيئا، فالزاوية الدخلانية ف*بني صبيح* إلى مكان السقاية الذي غسلنا فيه ما علق بنا من غبار وشربنا من مائها المالح وأخبرني دليلي أحمد أن بلدتنا تتزود من نفس البئر أدركت ذلك لملوحة الماء وعرفت المصدر، إلى أن وصلنا أخيرا *تاكونيت * وهي منطقة تبعد عن زاكورة العمالة ب60 كلم، دخلنا منزل السيد *حمان* وضعنا حاجياتنا جانبا ارتحنا بعد أن افترشنا الأرض ، كان المنزل حديث البناء لذلك لا يتوفر لا على ماء ولا كهرباء، بعدها كانت وجهتنا السوق الأسبوعي من أجل شراء الضروريات فقط وأضع عليها سطرا فلا مكان للكماليات في تاكونيت التي عشت فيها تجارب كثيرة ورأيت فيها الفتيات لأول مرة كاشفات عن وجوههن وخصلات شعرهن، هذه الحياة التي لم أعتدها في الزاوية حببت لي المقام الجديد ولكي أرى شعر إحداهن كنت أتخذ طلب كوب ماء عذرا بدعوى أننا لانملك الماء ،لم أعرف تفسيرا لسلوكي ذاك رغم أن الجارة الجديدة تكبرني سنا، إلى درسنا في الفلسفة درسا وعرفت السبب إنها البوادر الأولى للمراهقة فان تتلصص على بنت الجيران وأن تتفرج على ثيابها الداخلية المنشورة فوق سطح بيتهم و أن تحلم بعينين مفتوحتين كلها بوادر على أن القادم أحلى.. في قادم الأيام نتم الحكاية.

خالد بلحاج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.