حبات لمنع الجوع

0 338

. عندما أرخى الليل سدوله، قام أخي أحمد بإشعال شمعتان واحدة تركها بالقرب مني، والأخرى أخذها ليعد لنا وجبة العشاء، عندها عم صمت غريب رهيب في بيت الشيخ *حمان*وكأننا أشباح نسكن بيتا مهجورا، انتباني شعور كئيب وسقطت دمعتان على خدي مسحتهما بسرعة حتى لا أثير إنتباه أخي،قبل أن أكتشف أن الأمر يتعلق بنشرة إنذارية فقط، بعدها دخلت في موجة بكاء شديد واختلطت الدموع بالمخاط، إنها عاصفة الحزن فيما أخي يستهزء بي ويذكرني أني أمسيت رجلا وعلي من اليوم فصاعدا أن أتحمل المعاناة وأن القادم ليس أحلى كما توقعت، هنا أدركت أني سأودع عالم الطفولة باكرا، وحدها تلك الشمعة شاركتني حزن البعد عن اهل بيتي في أولى الليالي التي أقضيها بعيدا عن البلدة، وبدأت تذوب كما تذوب شموع الطفولة وتحترق كل عام في قرى المغرب العميق، قبل أن يضع أحمد أخي حدا لبكائها وأخمد ضوءها المنبعث بدعوى الحفاظ على الطاقة وأن شمعة واحدة تكفي وسنشعل الثانية عند الضرورة فقط،ثم أمرني بعد ذلك بأن أغسل وجهي مع الحرص على عدم تبذير الماء، نفذت قوله بعد أن جفت أخر دمعة من مقلتي، عدت تأملت جيدا فراشنا الرث حيث إكتفينا بحصيرة من البلاستيك فوقها زربية تقليدية الصنع تكلفت إحدى قريبات والدتي بنسجها ويستعملن لصنعها بقايا ملابسنا المتلاشية بعد أن تمضي تلك الملابس معنا ثلث عمرنا نرتديها تصر إلا أن نفترشها لتكمل معروفها بقية العمر ،وغطاء أخر سنغطي به أجسادنا النحيلة كمن يختبء من الزمن، تأملت جيدا تجهيز البيت ولم أجد تعليقا مناسبا، لذا حملقت في السقف الإسمنتي جيدا حسبته كسقف منزلنا الطيني على الأقل عندما يلم بي حزن أظل أعد الخشب المكون له كمن يعيد حساباته الشخصية،وأغمضت عيناي كمن يحاول أن يتصنع النوم فيما أخي مازال يروي لي تفاصيل أيامه البئيسة،لم أصغي له جيدا فقد تذكرت وجه تلك الجارة التي أمدتني بالماء وروت عطشي في النهار وأطلقت خيالا قويا قبل أن يصطدم بصلابة الإسمنت ويرتد علي، كانت تلك الغرفة ضيقة لم تسع خيالا جامحا كان قد اعتراني للحظة، انتبه أخي لشرودي وأني لا أعير كلامه أي اهتمام فقال لي فيما تفكر؟ قلت له في أمي ولم أزد.. فيما قنينة الغاز تحدث صوتا يزيدني حزنا، أخذ أخي الشمعة ومرر قليلا من الماء في الصحن وأحضر لي وجبة من العجائن، التي يفضل التلاميذ أن يسموها حبات منع الجوع ،وتلك كانت أغلب وجباتنا هي وزميلاتها عصيات منع الجوع، لم أتذوقها في الليلة لأني لم أعتدها في البلدة وبت ليلة سوداء زاد من سوادها الجوع الذي كاد يفتك بي، ظننت أني ساتخلص منها وأن الفطور سيكون شيئا أخر مختلف تماما لذلك قلت في قرارة نفسي اصبر وما صبرك إلا بالله، فالصبح ليس عنا ببعيد فيما أكل منها أخي شيئا ولم أعرف ما صنع بالأخر من حبات منع الجوع، أخبرته أن علي قضاء حاجتي بعد ان أنهى طعامه وأشار أن علي بالخلاء كنت خائفا لكني تشجعت في النهاية وخرجت في ذاك الليل فلم أبتعد كثيرا عن باب البيت وحده نباح كلب كان كفيلا بأن يجعلني أتمم حاجتي في سروالي وعدت مسرعا للداخل بعدما أوصدت الباب بقوة ووجدت الرائحة الكريهة قد سبقتني،و وجدت أخي أحمد يبعد قنينة الغاز عاملا بوصية الوالدة ووضع بعض ملابسه وكتبه كمخدة فيما ترك لي أنا المخدة الوحيدة التي جلبناها معنا، ولأنه كان متعب استسلما للنوم بمجرد ما أطفأ الشمعة، فيما أنا منعني الجوع والبلل الذي أصاب سروالي من النوم ، مازلت ممددا وعيناي مفتوحتان علني أرى بصيص أمل وسط هذا الليل البهيم ،فجأة سمعت صوت أسنان أخي وهو يمضغ شيئا اعتقدت أنه استيقظ فجأة،تحسسته فوجدته يغط في نوم عميق فكرت قليلا في الحكاية فأبعدت عنه رأسي وأذناي مخافة أن أستسلم للنوم في غفلة مني، ويقوم بأكل إحداهما من يدري، فيما هو استمر في عملية المضغ تلك كمن يجتر شيئا، وعلى أنغام ذاك الصوت استسلمت للنوم لم أستيقظ إلا على صوته في الصباح وهو يز

يل عني الغطاء ويخبرني أنه أعد الفطور ، قمت بسرعة وغالبا ما يحدث ذلك لكن فعلها الجوع هذه المرة فوجدته قام بإحضار حبات منع الجوع المتبقية ليلا ، فكرت أن لا أتناولها ثانية لكن سؤال الحياة جعلني أغمض عيناي و أنهيها. حتى لا يتبقى منها شيء للغذاء. أدار أخي المفتاح في ثقب الباب وفتحت الباب الموصدة وانطلقنا من أجل الدراسة ،لقائي بأبناء البلدة في الإعدادية خفف عني الإحساس بالوحدة،قبل أن تبتدأ معاناة معركة الإستفادة من دار الطالب *لاخيرية* كما كنا نسميها بعدما فشلت في نيل مكان لي في القسم الداخلي وتلك حكاية أخرى في القادم نرويها،

خالد بلحاج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.