ماذا يقول العلم و الشرع عن التوقف عن شرب الخمر 40 يوما قبل رمضان
“الربعين..دخلات..”، واحدة من الجمل التي يتم تداولها كل سنة، عند دنو شهر رمضان الكريم، و هي عبارة تعد بمثابة جرس إنذار، لكل مدمني المشروبات الكحولية، تحثهم على الكف عن تناول الخمور لمدة 40 لمدة يوما، قبل حلول الشهر الفضيل.
حيث أن الداعون إلى تجنب تناول الخمور أربعين يوما قبل قدوم رمضان، يعللون نداءهم السنوي بأن تأثير الكحول يظل في جسم و دم الإنسان لمدة أربعين يوما، و بالتالي فلكي يُقبل صوم الإنسان، وجب أن يكون جسمه خاليا من أي مبطلات، إلا أنه و في حقيقة الأمر لا أحد يعرف السند الشرعي و لا العلمي، الذي إعتمده المروجون لهذا الإعتقاد.
موقف الشرع من “الربعين..” :
في هذا الصدد يؤكد محمد جناح، عضو المجلس العلمي المحلي لأنفا بالدار البيضاء، أن “الإمتناع عن شرب الخمر 40 قبل حلول شهر رمضان”، ما هو إلا عادة تعد ضربا من العبث، و أن الدين الإسلامي بريء من مثل هذه الإدعاءات، قائلا : “ليست هناك ثوبة مؤقتة في الإسلام، هذا الشخص الذي يوهم نفسه أن بمقدوره تجنب الخمر و عدم زيارة الحانات لمدة أربعين، هل هو ضامن أن الله سيمدد في عمره إلى أن يحقق كل هاته الأمور ؟”ـ
هذا و أضاف محمد جناح، أن هذه العادة ليس لها أي سند شرعي لا في كتاب الله و لا في سنة رسوله و لا حتى في أقوال العلماء، مطالبا بتوخي الحذر من الوقوع في المعاصي طيلة مراحل العمر و على مدار السنة، لأن الله عز و جل أخبرنا أن الإنسان لا يعلم متى و لا بأي أرض سيموت، مصداقا لقوله عز و جل في الآية 34 من سورة لقمان : “إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
ليردف جناح بعد ذلك أن الحديث عن “عادة إجتناب الخمر 40 قبل موعد رمضان” بكون لها سند تاريخي، ما هو إلا كلام كاذب، بل تعود فقط لموروث شعبي تم الترويج له و تداوله بين الناس، و لا يستند لأي مرجع ديني أو علمي، مشيرا إلى أن هناك أقوال حددت المدة الشرعية في إيقاف تناول الكحول، بدء من حلول شعبان، و كأن الشرع حلله في باقي الأيام، و هناك فريق ذهب إلى تمديد المدة إلى 40 يوما قبل موعد شهر رمضان الأبرك.
و أشار الواعظ الديني، إلى أن الدين الإسلامي الحنيف لم ينزع الخير من أبنائه، مصداقا لحديث أشرف الخلق “كل إبن آدم خطاء، و خير الخطَّائين التوّابون”، فالمرء الذي يشرع في تصحيح أخطائه قبل شهر رمضان، و يضع قدسية لهذا الشهر أكيد أن قلبه عامر بالخير و الغيرة على دينه، حيث يعتبر شهر رمضان مناسبة للتنافس نحو الثوبة و المغفرة إسوة بالحديث الشريف “أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، يحط الخطايا، يستجيب فيه الدعاء، و ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه و يباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز و جل”.
طبيا .كم يلزم الجسم من وقت للتخلص من تأثيرات الكحول ؟
تؤكد دكتورة الطب العام لبنى القباج، أن الإجابة عن سؤال مدة تخلص جسم الإنسان من الكحول ترتبط بعدد من العوامل، أبرزها؛ جنس الإنسان (ذكر أو أنثى)، ثم عمره و حالته الصحية، و هي عملية تتم بشكل إجمالي بعد حوالي 7 ساعات من تناول الشخص للمشروبات الكحولية.
أما بالنسبة للأشخاص المدمنين على تناول المشروبات الكحولية بشكل دائم و على مدار السنة، فتقول الدكتورة “القباج”، أن جسم هذه الفئة يلزمه أزيد من 60 يوما على الأقل، من أجل التخلص من نسبة الكحول التي تبقى في الدم، البول و الشعر، و هو ما يفند صحة القول بضرورة الإمتناع عن شرب الخمر 40 يوما قبل حلول موعد شهر رمضان الكريم.
و خلُصت “لبنى القباج “، إلى ضرورة الإمتناع بشكل نهائي عن تناول الخمور و المشروبات الكحولية طيلة مراحل الحياة، لما تشكله هذه المشروبات من أخطار حقيقية على صحة الإنسان، من خلال تأثيره على كل وظيفة و بنية للدماغ، إلى جانب أضرار كبيرة على الكبد، و يرجع السبب في ذلك إلى الدور الحيوي و الأساسي الذي يقوم به هذا العضو في التخلص من السموم التي تدخل إلى الجسم، بالإضافة إلى إضطرابات كبيرة على مستوى الجهاز العصبي، و غيرها من الأضرار.
رأي الشارع المغربي في هذا الموضوع :
يعتقد عبد المجيد أحارز و هو فاعل جمعوي من مدينة شفشاون، أن هذا الإعتقاد خاطئ مائة بالمائة، فتحريم الله عز و جل للخمر جاء بشكل مطلق، لذلك فلا مجال لجعل موضوع الإمتناع عنه موسميا خلال حلول شهر رمضان، و لا من خلال الإمتناع عن شربه سواء قبل 40 يوما أو بعدها، كما يتم الترويج له عبر مثل هذه المقولات الشعبية التي لا أساس ديني أو علمي لها.
و هي نفس الفكرة التي شاطرته إياها المدونة المغربية إكرام بختالي من أسفي، و التي قالت إن موضوع شُرب الخمر مُحرم دينياً بصفة مطلقة و لا جدل في ذلك، مضيفة أن البعض تَعود على فكرة أنه كلما إقتربت “أربعينية رمضان”، عليه إتباع الآخرين في ثقافتهم السائدة “أن الكحول يظل في جسم الإنسان لمدة أربعين يوماً و عليه قطعه لأنه لن يُقبل صيامهم في رمضان”، معتبرة أن هذا الإعتقاد مُجرد فكرة مجتمعية خاطئة إنتشرت بين المغاربة خصوصاً، إلى أن صارت عادة رسمية يتبعونها كلما إقترب شهر رمضان الأبرك.
أما نور الدين وهو طالب بكلية العلوم بن مسيك، فيعتقد أن هذه الخطوة هي سنة محمودة، فعلى الرغم من أن أمر تحريم الخمر و الكحول أمر مفروغ منه، فإنه من شأنه فتح المجال لعدد من المدمنين من أجل تصحيح مسار حياتهم بمناسبة رمضان لعله يكون فاتح خير عليه و على أسرة كانت تعاني معه تبعات إدمانه على الخمر.