ماذا بعد ليلة القدر ؟
جرت العادة بين الناس أن يهتموا بليلة 27 و بمجرد إنتهائها و كأن رمضان إنتهى بالنسبة لهم؛ رغم أنه لا يوجد نص صريح على كون ليلة 27 هي ليلة القدر و إنما المعروف أنها إحدى الليالي الفردية بالعشر الأواخر من رمضان و بعض العلماء قالوا أنها تختلف من عام لآخر.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يُخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: “إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَ إِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَ فُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَ عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، إلْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَ التِّسْعِ وَ الْخَمْسِ” (رواه البخاري).
كما قال أهل العلم أن الحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة، الدعاء و الذكر في العشر الأخير كلها، و هي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة.
لذلك كان من هدي الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة رضوان الله عليهم و من بعدهم من السلف الصالح، أن يهتموا بإتقان أعمالهم للنهاية تقربا لله عز و جل و منها إتمام العبادة إلى آخر يوم من شهر رمضان.
فقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أنه قال : “إنَّ الله يُحِبُّ إذا عمِل أحدُكم عملاً أنْ يُتقِنه” (رواه البيهقي).
و كان من هديهم أيضا بعد إنتهائهم من الطاعات أن يختموها بالذكر، الإستغفار و التوبة تعويضا عن أي تقصير قد صدر منهم.
فقد ثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا إنصرف من صلاته إستغفر ثلاثا.
فيما شرع للمتوضأ أن يختم وضوءه بالتوبة، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اللَّهُمَّ إجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَ إجْعَلْنِى مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ” (رواه الترمذي).
فكذلك أمر الله الناس في الحج بالإستغفار بعد الإفاضة حيث قال : {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَ إسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199]
فقد علق الشيخ السعدي عن الإستغفار في تفسيره قائلا : “فالإستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته و تقصيره فيها، و ذِكْرُ اللهِ شُكْرُ اللهِ على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة و المنَّة الجسيمة، و هكذا ينبغي للعبد كلَّما فرغ من عبادة أن يستغفرَ الله عن التقصير، و يشكره على التوفيق، لا كمَن يرى أنَّه قد أكملَ العبادةَ و منَّ بها على ربِّه، و جعلت له محلاًّ و منزلةً رفيعة، فهذا حقيق بالمقت ورد العمل كما أنَّ الأول حقيق بالقبول و التوفيق لأعمال أُخر”.
ليعلق إبن رجب رحمه الله عن هدي السلف قائلا : “و كانوا مع إجتهادهم في الصحة في الأعمال الصالحة يجددون التوبة و الإستغفار عند الموت و يختمون أعمالهم بالإستغفار و كلمة التوحيد” لطائف المعارف.
ثم بعد ذلك يأتي التكبير في ليلة العيد لقول الله تعالى في آيات الصيام : {وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
لذلك وجب عليكِ الإهتمام بإتمام العبادة حتى آخر يوم من رمضان، حتى إذا هل هلال العيد، قضيتِ تلك الليلة في التوبة و الإستغفار و التكبير سائلة المولى أن يجبر قصورك و تقصيرك الذي صدر منك ِعلى مدار الشهر.