جماعة تاكونيت:حياة للعدم
من بين جميع الحقائق ، التي تنمذج مؤشرات تنمية البلد ،هناك واحدة ربما تختزلها جميعا في اليقينية التالية : إن جدية التطبيقات الفعلية لمنظومة سياسية ما ، على مستوى روافدها المختلفة تقاس كليا بمدى نجاعتها في المناطق النائية البعيدة جدا عن المركز ،وليس تلك التي تكتفي بمراكمة أكوام مساحيق الزيف على الواجهات الحضرية ،بهدف الالتفاف على المشاكل الجوهرية ،والتعتيم على المعاناة اليومية بأبراج ضخمة من الرمال، سرعان ما تتطاير يمنة ويسرة جراء أبسط هبة للريح.
هذا ما ينطبق حقا ،على السياسات المتبعة لدينا ،حيث لازلنا في حدود نسق المقولة الاستعمارية فترة التواجد الفرنسي ،التي استكانت لصالح مغرب نافع ومغرب غير نافع ،بل وبين طيات هذه الجغرافية “المعطاء” الممتدة بين الدارالبيضاء وطنجة ، فلا شك أن المحاور الصلبة للتنمية الأساسية التي تنهض بالإنسان فكرا وجسدا وطموحا ،وتحقق له مختلف الاشباعات التي تتوخى تطويره روحيا وفيزيقيا ،تظل باستمرار مؤجلة إلى زمن آخر.
حينما ، يتذكر إعلامنا الرسمي الصحراء من أجل وصلة إشهارية لاغير ، فإنه يستعيد باستمرار أسطوانة مشروخة متهالكة ، مفادها أنتروبولوجية ساذجة لساكنة صحراوية سعيدة أيما سعادة بفضائها الرحب ،منتشية بطقوسها المضيافة ،حيث الصحراوي رجل يرتدي لباسا فضفاضا مميزا فولكلوريا،ويتنقل طيلة اليوم على ظهر جمل ثم يستريح بجانب خيمته التي يظللها نخيل ، يرتشف كؤوس الشاي المقطرة،سعيدا مطمئنا إلى ترانيم أناشيده التي تتعقب خيالات القادمين الأجانب ولاسيما الأوروبيين.
إذن،فالصحراوي منسجم مع وضعه،يكفيه التماهي مع أفق واحات النخيل والتمر،يعيد إنتاج بكل الأشكال والكيفيات ثقافة الترحال الرجولية،ويلزمه أن يبقى كذلك في تقدير السياسة المطبقة، مستميتا في المحافظة على طراوة المعالم السياحية التي يطويها خلفه؟؟.
لاشك،أن قرية”تاكونيت” التابعة لإقليم “زاكورة” ،تنتمي بامتياز إلى هذا التصنيف الصحراوي النمطي،بكل إسقاطاته ومنظومته المفهومية القبلية العتيقة،حيث يبرز بجلاء مغربا آخرمعزولا تماما، عن الحضارة يعيش وحده، معتمدا على نفسه ينمي القسوة والتهميش والتلاشي الواعي بكل السبل والقصديات، مغيبا بالمطلق عن الخريطة الوطنية فما بالك بالكونية.
الناس هنا، تستفيق وتنام على حياة بدائية يعضدها جفاء طبيعة وتغولها صيفا وشتاء، دون أن يكفل لها العقل السياسي السائد أبسط ألفبائيات روافد بنية تحتية تليق بالكائن البشري.
حينما، تكتشف انعداما كليا للمستشفيات والمرافق الاجتماعية الأساسية، والطرق الصالحة للسير ودور الشباب والملاعب الرياضية،إلخ، دون أن تتوخى حتى من باب الحلم إمكانية العثور على مكتبة عمومية للقراءة،بل ومجرد كشك لبيع الجرائد والمجلات بحيث يلزمك السفر لمسافة64 كلم صوب زاكورة كي تعثر على جريدة وربما تستشير طبيبا يمارس المهنة في تمثلها الأولي نظرا لاستحالة معاينة الأجهزة الطبية على سبيل اللمس فقط.
أقول،مع هذا وذاك، ألا يصح القول بأن الحياة في تاكونيت هي استحضار للتآكل الآدمي بشكل مباشر ومع سبق الإصرار والترصد؟.
لكن وأنا أتكلم عن القراءة والتطبيب والتنعم المادي والتحليق الوجداني ، أشعر كأني صرت ضحية لانسياب لغة، تتملكني بغير وجه حق، بالتالي افتقدت بوصلة الواقع.
فكيف،بشخص أن يتجاوز منطقة حزامه ؟ وهو لايتعرف على كائن اسمه الماء الصالح للشرب إلا نصف ساعة خلال ثمان وأربعين ساعة. بمعنى،إذا فوتت الفترة المحددة لسبب من الأسباب، فعليك الانتقال إلى التسبيح بحمد نشراتنا الإخبارية التلفزية المدوية خاصة المسائية منها، ومن تمة ترجي الفرصة المستقبلية.
نصف الساعة المذكورة أعلاه، قد تشكل ملعقة من ذهب عندما تستحضر آخرين يؤثثون دواوير مثل : أيت الربع، ركاكة، تابوريت، خسوان، بني هنيت.هكذا،يغدو الماء الشروب أسطورة تنحدر من الزمان اليوناني نظرا لنقصه، فتتضاعف مأساة صحراويي تاكونيت.
يضاف إليه، غياب الضعف المهول لشبكة الطرق المعبدة، والزحف الدؤوب للرمال على ماوجد من المباني، ثم ترهل مصابيح الإنارة المصاحبة للشارع….
من جهة ثانية ،يعتبر تلاميذ المنطقة و بسبب ظروف فقرهم المدقع، أكثر الناس حاجة لمنح جامعية، تيسر لهم على الأقل الحد الأدنى من شروط حياة معرفية مستساغة.
فهل من آذان صاغية؟؟؟.
سعيـد بوخليـط / تاكونيت- إقليم زاكورة
شكرا صاحب المقال
لقد أصبت في وصفك لي تاكونيت “القشلة=== التكنة”
🙂
يواصل الباحث المغربي سعيد بوخليط مغامرته الفكرية وإبحاره في عوالم الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، بإصداره كتابه الجديد “غاستون باشلار: مفاهيم النظرية الجمالية” الصادر عن دار “عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع” بالأردن.
يعد الكتاب الجديد للباحث الشاب سعيد بوخليط خامس مؤلف ضمن سلسلة المؤلفات التي خصصها لغاستون باشلار، حتى أضحى بفضلها من أشهر الأسماء العربية المتخصصة في المتن الفلسفي والنقدي لهذا الفيلسوف الفرنسي الذي بصم عددا من المباحث الفكرية، خاصة في مجال الابستمولوجيا والنقد الأدبي والجمالي.
وجاء كتاب “غاستون باشلار: مفاهيم النظرية الجمالية” مصدرا بتقديم للناقدة السعودية رانية الشريف العرضاوي، أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك عبد العزيز، والمرشحة حاليا للحصول على دكتوراه من جامعة “درم” في المملكة المتحدة، بموضوع، مكتوب باللغة الانجليزية، حاولت فيه تطبيق استنتاجات باشلار، على بعض النصوص الشعرية العربية القديمة، وكذلك رصد الخلفيات الفلسفية والأنطولوجية، لحضور تيمة الماء، عند شعراء فترتي الجاهلية والأندلسية.
ويسعى الباحث سعيد بوخليط بكتابه الجديد هذا إلى الاشتغال على واحد من أهم الأسماء الفلسفية الفرنسية في القرن العشرين، ساعيا إلى محاولة سبر أغوار مختلف مضامين وتجليات مشروع غاستون باشلار الأديب وفيلسوف الجماليات.
وفي هذا السياق يكتب سعيد بوخليط “نلاحظ إذن جسامة المهام، فكم يحتم الأمر من نشاط دؤوب ومتابعة دقيقة لمتن مفهومي ضخم يحلينا، شئنا أم أبينا، على حقول معرفية متعددة ومتباينة كي نحيط عن قرب بالتطورات النوعية التي عرفها تاريخ الشعريات الحديثة”.
ويضيف “يكفي أن نستحضر مع تضمينات كتابات باشلار لرؤى تاريخ العلم والكيمياء والأسطورة والفلسفة والتاريخ والشعر والأدب والفلسفة والانثربولوجيا (…) فلا شك أن التأويل المفهومي للخطاب النقدي الحديث، ليس أمرا هينا، نظرا للتعدد مصادره ومرجعياته وكذا البعد المعرفي” مؤكدا في موضع آخر من الكتاب أنه “أصبح بديهيا اليوم الاعتراف بأن جل النقاد ولجوا بوابة الأدب وهم يفكرون في الفلسفة”.
أما الدكتورة رانية شريف العرضاوي فتقول في تقديمها لكتاب “غاستون باشلار: مفاهيم النظرية الجمالية” “إن مشروع باشلاريات الفرائي الذي يطرحه الدكتور سعيد بوخليط بين يدي القارئ العربي يمكن عده نقلة فكرية جريئة، تقود إلى عوالم فلسفية ونقدية ومعرفية مختلفة تماما كما عهد من كل الطروحات الفكرية المعاصرة (…) عبر قنوات الروح المعرفية العالية عند باشلار استطاع بوخليط الانتقال بين المؤلفات الباشلارية المتنوعة مسلطا الضوء على معالجتها لعدد من الشعراء الغربيين، هذه المؤلفات التي طبق فيها باشلار أسلوبه النقدي العلمي الجديد الذي أفشى بعمق تلبس المنهج الفينومينولوجي”.
وقسم الباحث سعيد بوخليط كتابه الجديد، الواقع في 183 صفحة من القطع المتوسط، إلى أحد عشر فصلا تناولت مواضيع شتى، منها فصل تطرق إلى العناصر الكوسمولوجية للكون (الماء والنار والهواء والتراب) كما تناولها غاستون باشلار، فيما تناول فصل آخر المنهج الظاهراتي عند باشلار، إضافة إلى فصل ثالث عن مفهوم الصورة عند الفيلسوف الفرنسي، فضلا عن فصل خصصه لتناول “ثنائية العلم والحلم عند باشلار”.
ويشار إلى أن الباحث سعيد بوخليط قدم إلى المتن الفلسفي لغاستون باشلار من مجال “النقد الأدبي الحديث” الحاصل فيه على شهادة الدكتوراه في موضوع “الخطاب النقدي والأدبي عند غاستون باشلار”، وهو كذلك عضو اتحاد كتاب المغرب وجمعية أصدقاء غاستون باشلار بمدينة ديجون الفرنسية.
وصدر لسعيد بوخليط العديد من المؤلفات منها “غاستون باشلار: عقلانية حالمة” صادر عن منشورات الآفاق المغربية (2002) وكتاب “غاستون باشلار: نحو أفق للحلم” عن دار أبي رقراق للنشر (2005) و”غاستون باشلار: بين ذكاء العلم وجمالية القصيدة” عن منشورات فكر (2009) إضافة إلى كتاب “العقلانية النقدية عند كارل بوبر” عبارة عن تقديم وترجمة صادر عن منشورات إفريقيا الشرق بالبيضاء، فضلا عن كتاب “غاستون باشلار: نحو نظرية في الأدب” دار الفارابي لبنان (2011).
جريدة الصباح 13 مارس 2012 عزيز جيلالو باحث زاكورة
a3anak llah ya ostadana alkadir