الإخوان سامحهم الله..
الصعود إلى الجبل يتطلب بعض الإنحناء، لذلك لم أكن راض على الإقامة في دار الطالب ولا على ظروفها البتة، لكن من أجل طلب العلم والوصول إلى القمة و الحصول على وظيفة ككل الناس، وحلم الزواج بتلك الجارة التي تروي عطشي وذاك ما أملته على الظرفية حينها ، كلها أشياء جعلتني أنحني حتى تقوس ظهري و كدت ألمس الأرض وأصمت وأصبر في آن واحد حتى أصبح الصمت بالنسبة إلى شريعة ولا أخفيكم فحتى صفعة السيد المدير كان لها دور فعال، أجل فعال جدا لدرجة أني لم أستطع طلب أي شيء منذ تلك الصفعة المباركة طوال مدة إقامتي هناك والتي تجاوزت فترة دراستي الإعدادية والثانوية. أه كم كانت قوية أخرستني خمس سنوات بالتمام والكمال وفي سنتي الأخيرة قررت بمعية بعض التلاميذ أن نحتج على ذلك الوضع المزري وقررنا الذهاب إلى القيادة، كان معنا شخص ظريف يدعى “فتح الله” ولم نكن ندري ماذا سنقول للسيد القائد فالمشاكل بالجملة وليس فينا رجل فصيح خبر النضال بعد، لذلك أمرنا فتح الله علينا لكبر سنه لا لشيء أخر وسألناه ماذا ستقول له فرد” بغينا الجرة تعمر والخبزة تكبر” لقد كانت مطالبنا صغيرة بحجم رؤوسنا وأجسادنا أيضا، وهكذا إنطلقت اللجنة المكلفة والتي كان لي الشرف بأن كنت أحد أعضاءها ، قبل أن تسقط عني العضوية بمجرد ما إلتقيت عمي عبد الكريم في طريقنا وكأن لديه حس بوليسي ، حاولت أن أتجنب رؤيته لكنه توقف ونادى علي من وسط الجمع وأسمعني وعظا ووعيدا بعد أن أخبرته بوجهتي وهدفي وررد قبل الإنصراف “المخزن راه ما يقد عليه حد” عبارته تلك جعلتني أكمل طريقي نحو البيت وأفكر في معنى المخزن قبل أن أكتشف في المساء أن أيا من أعضاء اللجنة لم يجرؤ على مقابلة القائد لقد كان الجميع خائفا وقتها من المخزن.وفشلت معركتنا في نيل المراد واستمرت إدارة الخيرية الإسلامية التي لاخير فيها في تجوعينا، وفي المقابل كانت معركة الإخوان في العدالة والتنمية قد كللت بالنجاح بعد أن عرضوا على المرحوم” الخطيب” إعادة إحياء الحزب بشروط ثلاثة الإسلام و الإعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف، وعقدوا مؤتمرهم التأسيسي الإستثنائي ومنحت العضوية للقيادات الإسلامية، أدركت طبعا ذلك بعدما كبرت واطلعت على التاريخ السياسي المغربي المعاصر، وهكذا ربح الحزب معركته مع المخزن فيما خسرت معركتنا من أجل الخبز، ولأن المنطقة معروفة ببرودتها في فصل الشتاء كانت تلك الوجبات المقدمة في دار الطالب لا تفي بالغرض لذلك كنا نكمل بقية الليل الشتوي الطويل بالضحك وكنا نؤمن أن إغتياب الناس كمن يأكل لحم أخيه ميتا ونفسرها تفسيرا سطحيا لذلك نختار وليمتنا كل ليلة على أن يكون واحدا فظا غليظا سمينا لعل وعسى يكون طعاما لنا ونستأنس به في مجلس نميمتنا الصغير ،قبل أن يستسلم الجميع للنوم.إلى أن أتى يوم أخبرني فيه أحد الزملاء عن إكتشاف عظيم إذ أخبرني عن مكان يقدم فيه الطعام والخبز مجانا يومين في الأسبوع لقد وازى إكتشافه ذاك أكتشاف كولومبوس لأمريكا بالنسبة لنا، لذلك لم أتردد في الذهاب معه في اليوم الأخر ، وذلك ما تم بالفعل وعند وصولنا إلى زقاق لا يتوفر على إنارة عمومية وأمام البيت الذي يجتمعون فيه سرا يوجد شخص ملتح، لحيته غير كثيفة الشعر يستقبل الناس فرادى ، في بهو المنزل وجدت أعداد كبيرة من الجرائد تحمل عنوانا واحدا “التجديد” وفي إحدى غرف البيت يجلس تلاميذ صغار ومنهم من يدرس بالبكالوريا ،وعاكسني الحظ هذه المرة كسابقتها فهذه المرة لا وجود للطعام كما حكى لي صديقي وكان علينا أن نصغي لمحاضرة طويلة زاد من طولها خيبة الأمل، لم أذكر عما تدور ولا عنوانها فيما عبد الرحيم صديقي استسلم للنوم وكأنه ينتقم منهم لعدم وجود الطعام فلم يصغ لهم هو الأخر، وهكذا انتهت المحاضرة وختم الجمع أستاذ أنيق حليق الذقن يدرس مادة اللغة العربية في الثانوية يدعى “الطاهري” ،بالدعاء وقال أن الحصة الثانية سيكون هناك فطور جماعي لمن أحب الحضور ومحاضرة أيضا وسجلت اسمي ضمن الراغبين في الإستفادة وأخبرونا نحن الملتحقين الجدد أن الأمر ليس سوى مبادرة شخصية لهؤلاء الأساتذة الكرام من أجل تكوين جيل واع وقادر على تحمل المسؤولية لقد صدقناهم مادامت نيتنا للحضور أيضا غير سليمة. وعندما تأتي الولائم فإنها تأتي دفعة واحدة وكان الحظ يحالفني مرات قليلة ويعاديني بعدها فلقد أخبرني أستاذ التربية الإسلامية” شعيب” هو الأخر أنه إختارني وبعض الزملاء لنشاركه مائدة الإفطار وكان له ما أراد ونزولا عند رغبته وفي اليوم الموعود ولجنا بيته كنا أربعة أو خمسة أشخاص على الأقل لم أعد اذكر العدد جيدا، وبعد تناول طعام عصري وجميل ليس كطعامنا في تلك الدار المشؤومة صلينا ما تيسر من الركعات، وفتح الدرس هذه المرة أذكره جيدا عنوانه “التوبة” وكأننا نحن المدعوين كنا نعصي الله جهرا ولا نتوقف عن شرب الخمر، المهم لا أعتقد أن أيا منا سيشق عصا الطاعة أو يرتد بعد تناول تلك الوجبة، وحدد لنا حصة ثانية على أساس أن تستمر تلك الجلسات النورانية، وهنا كان لدي تعقيب ليس في مضمون الدرس الذي ألقاه جزاه الله عنا خير الجزاء ولكن تدخلي كان بشأن التوقيت فأنا ملتزم مع فريق أخر ، ومن شأن البرمجة الجديدة أن يذهب فطور الأخرين سدى لذا فمسألة التوقيت والبرمجة ضرورية وملحة في بعض الأحيان، بررت الأمر على أن لدي إلتزامات لذلك وافق دون شرط بعد أن استشار الزملاء وهكذا بدأت أستفيد يومين مع “سي الطاهري” ونفره واليومين المتبقيين مع سي شعيب ورهطه، الإستفادة المادية طبعا أما الفكرية فلا أعتقد فالبطنة تذهب الفطنة ، تبقى الجمعة أتسلى فيها بمشاهدة التلفاز في دار الطالب وأشاهد فيلما مصريا بالأبيض والأسود وأحاول أن أحفظ منه كلام العشق وأظل أثبت نفسي وأعقد العزم على قوله للجارة لكن أنساه إذا لقيتها،وبقينا على حالنا تلك وتحسنت الأوضاع وسألنا السي شعيب يوما من يذهب لمجالس مثل هذه. سألنا بعد أن أتم حديثه عن الكذب وأثامه وكيف توعده الله بالعقاب لذلك فكرت في قول الصراحة فلا مفر بعد الوعيد ، واعترفت له دون مقاومة وبدون مفدمات، وقال لي: بعد إعترافي من الأحسن أن تلتزم معنا أو معهم وزاد ، “فالإخوان سامحهم الله”، وبدأ في عد رؤيتهم للإصلاح ووجهة نظرهم وكان يستدل بما يقوله الشيخ ياسن الذي اعتبرته أحد رواة الحديث لصغري، قبل أن أكتشف أنه المرشد العام لأكبر جماعة معارضة للنظام. هنا أدركت أن نداء البطن الذي أسلك طريقه لا تسلم جرته فمن الصفعة قد يجرني إلى السجن ووجب أن أستمع لنداء العقل. لذا قررت أن أبقى جائعا وأن لا أستغل في أهداف سياسة لذلك عندما ارى سياسة الحكومة الحالية وأنا الذي شريت حريرة التوحيد والإصلاح الجمعية المرجعية للحزب أجد نقاط تقاطع كثير بين تلك الحريرة وسياستهم في تدبير الشأن العام وأتذكر نكتة ذلك الشيخ الذي لا يصلي فاقترح عليه أبناءه أجرا مقابل الصلاة فنفذ ما أتفقوا عليه ولما أجمعوا أمرهم ذات ضجر وقالوا قد تعود أبونا على الصلاة فلا ندفع له أجرا مقابل صلاته فتوقف هو الأخر عن الصلاة فلما أخبروه أن الأمر ليس سوى حيلة ليتعود على عماد الدين وركنه المتين أجابهم أنه كان يصلي بدون وضوء طوال تلك المدة ، أو ليس الحق سبحانه من يقول إنك لاتهد من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، إنني أومن بحقيقة هي أن الله واحد والإيمان به تعدد بتعدد أنفس الخلائق، فلا داعي لإستغلال طفولة المغرب العميق في قضايا أكبر من عمرها وينسونها بمجرد ما يجلسون في مراكز القرار ومنهم من يموت بردا وجوعا .لكم مودتي أحبتي الكراموللأخرين سخطي أولائك الذين ينظرون إلينا شزرا وحقدا وبغضا واحتقارا.
خالد بلحاج