المرأة : ذكاء أم جمال؟

1 409

لقد قتل إدغار بوEdgar poe، تماما شهرزاد في عمله عن “ألف ليلة وليلة” ، وبطريقة مرعبة. الأسوأ أيضا، أنه أبدى نوعا من الابتهاج، حيال موتها الذاتي :((كلما اشتد الوثاق عليها، أحست أكثر بالمتعة)). فماذا فعلت شهرزاد، كي تتعرض لعقاب من هذا النوع؟. لقد وصفت طويلا للملك، آخر الاكتشافات العلمية الجارية في الغرب : المنظار الفلكي، و الإبراق الكهربائي وكذا التصوير الدكري.
لكن من أين استمدت معلوماتها، وهي تعيش في شبه عزلة ؟. بواسطة سندباد، الذي قادته أسفاره إلى اكتشاف التطور التكنولوجي، الذي تنعم فيه أوروبا. غير أن شهريار، اعتبر أحاديثها غير قابلة للتصديق، واصفا إياها بالكذب :((توقفي ! ، يصرخ في وجهها. لا أريد، ولا يمكنني أن أتحمل أكثر، لقد أصابتني أكاذيبك بصداع رأسي فظيع… ، هل تعتقدين أني أبله؟.بعد التفكيرمليا، أصدر في حقك قرار الموت خنقا)).
ردة فعل، رجل جاهل، فاجأه العلم. مما يِؤكد العنوان الفرعي الشهير للحكاية :الحقيقة أكثرغرابة من الخيال. مع ذلك، فالفكرة التي انطلق منها إدغارآلان بو، تجعل من شهرزاد امرأة تنتمي إلى القرن التاسع عشرة، متأهبة علميا، واستطاعت الالمام بالفتوحات التكنولوجية للغربيين، المجسدة لهيمنتهم العسكرية. كان يمكن أن تساعد شهريار على سرقة أسرارهم، لو أرخى السمع إلى زوجته الشابة، مما سيجنب العالم الاسلامي الاستعمار.لكن في هذه الحالة، سيتحتم على إدغار آلان بو، إعطاء شهرزاد دور بطلة ومقاومة، حالت اعتمادا على معارفها العلمية، دون تعرض البلدان الاسلامية للاحتلال.

سعيـد بوخليـط – باحث مغربي

التفوق التكنولوجي، من منح حقا الغرب إمكانية اجتياح أراضي الشرق، طيلة القرن19. نابليون، نجح في حملته الخاطفة على مصر سنة 1801 ، بفضل علمائه أكثر من جنوده. إذن، لو أنصت شهريار لمخبرته الشابة، فليس فقط أن الأخيرة ستتمكن من البقاء، ولكن خاصة، لاستطاعت معها الامبراطورية الاسلامية مواجهة الغزو.هذا السيناريو، كان سيعيد لشهرزاد دورها باعتبارها صاحبة رؤية استراتجية. غير أن إدغار بو، اتبع مسارا آخر، مفضلا خيانة شهرزاد، بأن ربطها بميكيافيلي بل الأكثر فظاعة، حواء.
حواء المغوية، غير موجودة في الإسلام. لقد قدم القرآن، حقا رواية عن السقوط، أقل بغضا للنساء. الثعبان مثلا، لا أثر له كليا. ولكي يحذر إدغاربو جيدا القارئ، من”الأميرة السياسية”، أخبره أنها ليست فقط قارئة لمكيافيلي، بل أيضا :(( تنحدر من حواء مباشرة، بالتالي ربما ورثت السلل السبعة للأقاويل والتي كما نعلم، اقتطفتها السيدة الأولى في التاريخ، من أشجارحديقة عدن)). شهرزاد إدغاربو، جد شيطانية، لن تصيرحواء إلى جوارها غير تلميذة مبتدئة :((أضيف بهذا الخصوص، أنها تدرك كيفية تخصيب وتنمية هذه السلل إلى غاية العدد77)).
الوعي، تسكنه مجموعة خطايا أصيلة. فكيف، بوسع شهرزاد النجاة من الإدانة؟ لكن، ما صدمني أكثر، استكانة شهرزاد إدغار بو، إلى مصيرها بحيث لم تبحث أبدا عن منفذ للخلاص، ولم تحاول قط معارضة الجملة التي تلفظ بها زوجها المشؤوم. لا ! لقد قبلت الموت باستسلام : ((تميز، الملك بصرامته المفرطة، ولايتراجع أبدا عن مايلتزم به من أقوال. شهرزاد، قبلت طواعية مصيرها)).
هذا الامتثال، خلخل كياني إلى درجة إزعاج إقامتي في باريس. فلا يمكنني، منع نفسي من التعاطف مع شهرزاد، هاته المنهزمة. في الواقع، المرأة المسلمة المعاصرة، تشبهها : لاتملك سلاحا ضد العنف غير كلماتها.الرجل المسلم، قد يجيز لنفسه، أن يصير قدريا، بينما المرأة فلا ينبغي لها أن تكون كذلك، بل تناضل وتناضل كي تغير وضعها،هذا ماتنم عنه رسالة شهرزاد.
جدتي ياسمينة، كررت لي هذا القول باستمرار، وبقيت أقاويلها محفورة بعمق في دواخلي . لاحظوا، إيران فترة الثورة الاسلامية : صارت النسوة مقاتلات شرسات في الشارع.الأستاذة الجامعية الايرانية”هاليه إيسفاندياردي”، التي نفيت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عادت إلى بلدها كصحافية، وتمكنت من إثبات التالي : ((لقد اكتسب النساء، وعيا جديدا بدورهن،لأنهن رفضن الاستسلام لخوفهن من قهر البوليس، وكذا نضالهن اليومي قصد الحصول على حقهن في العمل، وبحثهن عن وسيلة لتغيير النظام المتعلق باللباس، وكذا دفاعهن داخل ردهات المحاكم عن حقهن في الطلاق)).
لذلك، انزعجت من النهاية ، التي هيأها إدغاربو لشهرزاد. ينبغي علي التوقف عن التفكير، وأكتفي بتملي البريق الهادئ لنهر السين : ((أظن،هذا مايثير الخوف،إنها تخفي جمال العالم)).
قررت إذن، اتباع علاج نفسي على الطريقة العربية، التي ترتكز على أن يتكلم الشخص عن مشاكله لكل العالم، دون مبالاة بحنق المستمعين. لكن ذات يوم، سيلامس أحد ما، شيئا جوهريا لعلاجك، ينتشلك من الهاجس، كما يوفر لك المصاريف التي تتطلبها استشارة مختص. المنهجية فعالة لكنها سلبية : ستفقدك عددا مهما من أصدقائك. لذلك، كنت على وشك تضييع صداقتي مع كريستين ، الناشرة الفرنسية المكلفة بأعمالي، والتي أحترم جدا آراءها. لقد حذرتني من مسألة، أنني أجازف بتبديد جولتي التي تستهدف الرفع من المبيعات، إذا واصلت دون توقف، الكلام عن إدغار بو. قالت لي :(( إذا لم تتكلمي عن نفسك أثناء لقاءاتك الصحافية، فلا تنتظري من الآخرين،القيام بذلك. سيكتبون عن إدغاربو،ولن يلتفتوا إليك)).
خلال كل مرة، أعد كريستين أني سأحرس على هذا الأمر، لكن على الفور أسقط في نفس المطب، مستعيدة استمارة الأسئلة حول الحريم العربي وكذا إدغاربو، إلى غاية اليوم الذي التقيت فيه جاك. هذا الأخير، سيلقي بأوراقه على الطاولة : (( لنركز أولا على كتاباتك، كي أستجمع شيئا بوسعي الكتابة عنه في جريدتي. بعد ذلك، يمكننا بحث تاريخ الحريم هذا)). رغم اقتناعي، بجوهر الجواب لم أستطع كبت نفسي عن الرد :(( إنك تتكلم مثل خليفة. ستساعدني إذا قبلت شروطك.هل يمكنك صياغة الجملة بطريقة أقل استبدادية، وأن تكون واضحا بخصوص مايطويه رأسك من حيثيات؟
-يمكنني بالفعل، أن أكون أكثر وضوحا… ، سترتكز مساعدتي،على استدراجك إلى حريمي الخاص.أولا، سأعيرك أحد كتبي، ثم أصطحبك إلى متحف حيث ستلتقين جواري المفضلات. لكن، مقابل مساهمتي الثمينة، ستعملين بدورك على استضافتي إلى حريم هارون الرشيد. أنا متيقن، أن مقارنة بين حريمي وحريمك، سيكون خصبا، سواء بالنسبة إليك أو إلي)).
استحسنت الاقتراح، وأنا أحدس سهولة إدخال جاك إلى حريم هارون الرشيد. فمثل كثير من العرب، انجذبت خاصة إلى الرشيد أو “الفاتن المستبد” حسب تعبير صديقي كمال. لقد قرأت بنهم، كل ماكتب عن مغامراته داخل حريمه الخاص أو خارجه.أعرف كل التفاصيل عنه، أطعمته المفضلة وملابسه وطبعا حكاياته الغرامية. يكفي، أن أنعش ذكرياتي وأنا أستعيد واحدة من زياراتي للمكتبة الوطنية، حيث توجد مخطوطات عربية نفيسة، سرق جلها من قبل ضباط الاستعمار.وبينما حلق تفكيري، نحو تمثل هذه الصلة العجيبة التي تجمع بين الاستعمار والعلم، أعادني جاك إلى الحقيقة قائلا :(( أما فيما يخص صياغة ملتمساتي بطريقة أقل استبدادية-يتحدث وهو يداعب ربطة عنقه الأنيقة من نوع كينزو- فاجتنبي عدم توقيفي عن الكلام بطريقة فجائية، مهما كان مبررك بهذا الخصوص.لأن من شأن ذلك، إفساد المتعة. قيمة هذا النوع من التعاون، بالنسبة لفرنسي شقي كما الحال معي، سحقته الأعباء الاجتماعية والضرائب، تكمن في قدرتي على أن أتقمص مختلف أدوار هارون الرشيد.
-ماذا يعني هذا؟ تساءلت بنبرة ملؤها الشك.
-هذا يعني، أنه لا ينبغي عليك مقاطعة كلامي، حتى ولو أدليت ببلاهة. دوني ملاحظاتك في ورقة، وحاولي أن تدسيها إلي سرا، عند الحاجة)).
لم أستطع تمالك نفسي عن الضحك، وأنا أتبين هذا المنطق مألوفا لدي. فقد دأب المغاربة بدورهم على استغلال التساهل النسائي، بكيفية جيدة . إذن، فهل تعتبر سمة مشتركة لدى ساكنة البحر البيض المتوسط؟
تفحصت وجه جاك، وأنا أبحث بين ملامحه عن مايبدو متوسطيا. لم، أعثر على شيء. هو رجل أنيق، في الخمسينات من عمره، طويل القامة أو بالأحرى نحيف بالرغم من بداية أعراض سمنة، لا يخفيها أبدا، شعر أشيب مرتب بعناية، وعينان زرقاوان ساحران، يضفيان عليه ملامح جن. لكن ، مثلما سيشرح لي فيما بعد، فلاصلة تجمعه بعائلة الجن.
الزرقة الشديدة لعينيه، مردها انحداره من منطقة “بروتان”. أما اتصافه بالسخرية، فبسبب :((تجربتي طلاق،عاشهما سابقا، وما ترتب عنهما من انكسارات)). لقد اعترف لي، بهذه المناسبة أن كريستين ، مثلت جاريته المفضلة، لو لم تميزها تلك الثقة المفرطة في ذاتها. حينما، طلبت منه توضيحات أكثر، أكد لي بأن كل الرجال، يأسرهم جمالها :((جميعهم ، يعشقونها تقريبا. ونحن الصحافيون نتكلم عن مؤلفاتها فقط، كي تتاح لنا فرصة أن نشرب إلى جانبها كأس شامبانيا. هذا يمنحك فكرة عن مستوى حريمها)).
حتما، في باريس ينجذب الرجال نحو النساء اللواتي حققن نجاحا في مهنهن. لكن، جاك يقر رفضه للمنافسة، وأنه إذا تأتى له أن يعيش مع كريستين، فسيكون في جزيرة مهجورة. ثم أخرج كتابا ل أوفيد ovide “فن الحب”، وقد أحاطني علما،أن هذا المؤلف وحدهم الباريسيون المثقفون، يواظبون على قراءته مستشهدا بهذه القصيدة الجميلة :
سعيد،الرجل المغامر،دفاعا عن محبوبته.
سعيد،الرجل الذي تخبره بقولها : “لم أحياه قبلكَ ! “”(إذا كانت صادقة حقا).
فاقد الإحساس أو مجنون أو يتلذذ بالألم، من يلاحق دليلا فيما وراء الشك.
لكني رأيتك،يقول .ولم أسكر.
حتى ولو أدركتُ ماتفكرين فيه، بأني كنت ثملا ثم نمت.
لقد رأيتكما معا،والتقطت لعبة حاجبيكِ.
أعلم ماتخفين ،عندما تهزين رأسكِ.
وعيناك لم تكونا صامتتين ولا الرسالة التي خربشتيها على الطاولة.
إسقي أصابعكِ بالنبيذ،فكل رسالة بمثابة إشارة.
آه،خطاب مزدوج خلف كلمات بريئة.
القوانين السرية،لا تعتقدين بأني سأبقى أعمى.
أدهشتني هذه المقاطع الشعرية، خاصة وأنها تقدم مظهرا عربيا جدا.
فجاك مثل كمال، كان منكسرا ومع ذلك يقاوم. قصيدة أوفيد ذكرتني بقصيدة أخرى، أنشدها المغني المصري عبد الوهاب سنوات 1980. قصيدة، تشغل رأس كل عربي، عندما تتأخر عليه صديقته الصغيرة :((لا تكذبي! إني رأيتكما معا)). غنيت هذه المقاطع لجاك، الذي أبدى ملاحظة مفادها أن الأشياء لم تتغير كثيرا منذ فترة الشاعر أوفيد الذي ولد سنة 43 قبل المسيح. ثم،عدت إلى الحريم.
جاك، متخصص في تاريخ الفن، لذا احترقت شوقا كي يصطحبني إلى حريمه المفضل. اهتمامه بالمشرق، سمح له كي :(( يأخذ المسافات الضرورية،بغية تشكيل ملاحظة متجردة عن معطيات الحياة الباريسية، وأيضا يسرع إلى الارتماء في أحضان طائرة تقلع صوب مراكش، ما إن تسوء أحوال الطقس)).ويفسر تعلقه الخاص جدا بنساء الحريم، بتاريخ طفولته: فقد كانت له أختان،مع غياب إخوة ذكور.
شكلت، الدعابة سلاحا لدى جاك ، وكذا مختلف الأشخاص الذين تميزهم حساسية مفرطة.بل هذا السحر نفسه، من يمنح المثقفين العرب قدرة كبيرة على الانفلات : فليس بمقدورك أبدا، إدراك هل يمزحون أم العكس. يتركون لكِ وحدك، أمر تقييمهم، وإذا اعتقدتي بشكل متسرع جدا،أنهم يتكلمون بجد، فلا شك أنكِ تجازفين نحو الأسوأ.فليس استثناء،أن معجبا عربيا يكرر أمامك،أنكِ رائعة إلى مستوى أن تكتشفين نفسك تتفتحين مثل وردة جميلة. لكن، إياك والظن أنه عاشق هائم ،مادام سينسى كل شيء عنكِ، قبل انقضاء نصف ساعة.
هذا النموذج من الرجال، يحبط عزيمة النساء، كي لا يفرطن في الوفاء. اللهم، إلا المازوشيين منهن طبعا.
حين، تحدثت إلى كريستين،عن وسامة جاك،حذرتني قائلة :((بناء على مهنته كصحافي، فهو ممتاز.ما إن يقول كلاما حسنا عن كتاب من الكتب، حتى يسرع آلاف الفرنسيين نحو المكتبات لاقتنائه. لكن كشخص ، فلا أكن له كثيرا من الثقة)). حينما التمست منها تفسيرا -دون أن أخبرها طبعا، أن الرجل كان ينوي الرحيل بها ويعيش معا في جزيرة يباب- ستوضح طبيعة العلاقة القائمة بين الناشرين والصحافيين :(( إننا مثل حريم، يسكن قلب باريس)). ودون رغبة، في مزيد من الاستطراد ، خلصت إلى أن جاك شخص غيور،عجز عن تدبر أمره مع نساء حقبته :(( إنه صاحب نزعة ذكورية، من وراء مظهره المثير)). كخلاصة نهائية.
سأنجح، في جعلها تضحك، حينما عقبت على كلامها بالقول،أنه في مدينة الرباط أقدر بشكل خاص الذكوريين ، أولئك من يظهرون كل شيء، ولا يموهون عن لعبتهم.
بعد هذا النقاش، قررت الخضوع إلى الشروط التي وضعها جاك. تركته، يساجل كتابي، وأنا أترقب صدور مقالته. ثم، بعد ذلك شرع في تفعيل منظوره.
تمثلت الخطوة الأولى، في أن أقترح علي قراءة كتاب عجيب، حمله معه إلى مقهى شارع ريفولي،المتواجد أمام متحف اللوفر،حيث حددنا موعد لقائنا : ((أخبرني،أنه الفضاء النموذجي بالنسبة للمثقفين،الذين يعانون.تؤثث المكان مقاعد من الجلد الأحمر وأسقف عالية تتلف الضجيج وكذا آلات لتهيئ القهوة متطورة جدا. سأعود إليك بعد ساعتين، كي أقدم إليك أول جارية تنتمي إلى حريمي. ساعتان، هي بالضبط المدة التي تكفيك قصد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب)).
الكتاب المقصود، لمؤلفه إيمانويل كانط وعنوانه: ملاحظات حول الإحساس بالجميل والعظيم. إن الطريقة الوحيدة، لفهم الغربيين كما نبهني جاك، تكمن في قراءة فلاسفتهم. وبما أني لا أخفي أبدا جهلي-كي لا أضيع فرصة تمنحني إمكانية التعلم- اعترفت له بأني لم أقرأ كانط أبدا.أعلم، فقط أنه فيلسوف ألماني، ومثقفوا أوروبا يسعدهم الاستشهاد به. اندهش جاك، ثم بادرني بالسؤال عن ماقرأته خلال حقبة دراساتي. أخبرته، أني حفظت أولا القرآن عن ظهر قلب في المدرسة الابتدائية، ثم الشعر الجاهلي في المدرسة الثانوية، لذلك انعدمت ممكنات لقائي ب كانط خلال فترة تواجدي بمدينة فاس.
ضاحكا، سيعلق جاك على جوابي، مستحسنا عدم معرفتي ب كانط، لأنه لم يكن بتاتا لطيفا مع النساء . مع أن هذا الفيلسوف يمنح مفتاحا عن دواعي اغتيال شهرزاد من طرف إدغار بو.
هكذا، يؤكد كانط أن دماغ امرأة ” عادية”، مبرمج ل ” الحساسية الأكثر نعومة””، بالتالي عليها التخلي عن : (( التنظيرات والمفاهيم المجردة. هي، مفيدة لكنها جافة)). وأن تترك هذه الميادين المعرفية للرجال : (( لأن المرأة، عندما تثابر على الدراسة المتعبة أو التفكير الذي لا يبهج المزاج، فإن من شأن ذلك إنهاك مايميز جنسها من خصائص، وقد لا تشكل موضوع تقدير لافت، بسبب ندرة النساء في هذا المجال .كما أنها ستقضي على المفاتن التي بواسطتها تمارس تأثيرا على الرجل)).
لقد انتابني شعور بالهلع، وأنا أطلع على التمييز الذي أقامه كانط بين الذهني والإغواء. كم، هذا الاختيار مرعب : الجمال أو الذكاء! أفق يأخذ رنينا، كالآتي: “المال أو الحياة! “.أيضا، انتقاء مخيف، ذاك الذي يفرضه البوليس الإيراني: إما ترتدين الحجاب ثم تنقذين نفسك، أو ترفضين ارتداءه فتهاجمين.
خلال فترة من الفترات، رغبت في إغلاق الكتاب و أتمتع بهدوء فضاء هذا المقهى الباريسي، دون اكتراث بالصعوبات التي تعترض طريق الرجال والنساء، كي يعيشوا بكيفية مشتركة. لكني ، تذكرت قولة ياسمينة: أننا لا نسافر أبدا من أجل التسلية، بل قصد التعلم. لقد وجهني كانط، نحو منظور آخر. وأنا جالسة في هذه المقهى بشارع ريفولي خلال هذا اليوم المشهود، تواترت إلى ذهني تساؤلات وتأملات سأتقاسمها فيما بعد مع مرشدي الباريسيين: جاك وكريستين.
رسالة كانط قاعدية : الأنوثة هي الجمال، بينما الذكورة سمو. الأخير يشير طبعا، إلى القدرة على التفكير، والارتقاء عن المستوى الحيواني و المادي. وكان حريصا، على احترام هذا التمايز،لأن امرأة لما تلامس السمو، تنعت على الفور بالبشاعة.
آراء كانط، التي تعتبر :(( الأكثر استنارة، لدى ألمان عصر الأنوار)) ، هي أيضا قطعية مثل قرارات آيات الله. الاختلاف الوحيد بينهما، أن آيات الله يطرحون فاصلا بين الخاص (العالم النسوي) وكذا العام (العالم الذكوري) ، بينما يتجلى عند كانط بين الجمال( ميزة النساء) والذكاء ( خاصية الذكور).
على النقيض من هارون الرشيد، الذي بقدر مايستهويه جمال النساء، يلح كذلك على ذكائهن، وأدى في سبيل تحقيق رغبته ، مبالغ مالية ضخمة كي يستقطب إلى حريمه أكثر الجواري نباهة. سيعشق كانط ، النساء الصامتات. لأنه، إذا أدى اكتساب المعرفة بالمرأة إلى فقدانها فتنتها، فتلك التي ستظهر هذه المعرفة قد تصل حد قضائها على أنوثتها :(( إن امرأة يزخر رأسها، بفكر الإغريق كما الحال مع السيدة داسيي، أو تتكلم عن الميكانيكا مثل لاماركيز دو شاتلي، فبوسعها أيضا أن تنبت لحية)).
السيدة داسيي(1654-1720 ) ، كانت قد ترجمت الإلياذة والأوديسا.أما، لاماركيز دو شاتلي، صديقة فولتير، فقد فازت سنة 1738 بجائزة تتويجا لأبحاثها حول طبيعة النار. إذن، هكذا عصر الأنوار والتقدم.
أعتقد، أن هذا الانشطار القاسي بين الجمال والذكاء، يشكل اختلافا جوهريا بين الشرق والغرب. وكلما، عدت بذاكرتي بعيدا، أستعيد دائما صدى كلام، سواء مباشرة حين ارتكابي لحماقة، أو بطريقة غير مباشرة بين طيات كتاباتي،حينما لاتصل طبعا امرأة بلهاء إلى تحقيق أي شيء. دأبت ياسمينة، على أن تكرر أمامي”جمالك هنا”، هكذا تكرر لي مشيرة إلى رأسها الذي تلفه عمامة.
أتذكر”تودد”. ذلك، أن ياسمينة التي لا تعرف القراءة و الكتابة، كانت تطلب من أبناء عمي الأكبر سنا، كي يقرؤوا لي ويعيدوا قراءة تاريخ تودد إحدى بطلات “ألف ليلة وليلة” ، كي أستوعب الدرس جيدا:
((سأل الخليفة، تودد :
-ما اسمك؟
أجابته
-اسمي تودد
ثم سألها بعد ذلك:
-ياتودد، ماهي المجالات التي تتفوقين فيها؟
أجابته :
-سيدي، أنا متضلعة في النحو والشعر والقضاء والتفسير والفلسفة.أعرف الموسيقى والشعائر المقدسة والحساب وعلم مساحة الأرض والهندسة وحكايات القدامى… . كما درست العلوم الدقيقة والهندسة والطب والمنطق والبلاغة و التركيب. لقد حفظت أشياء كثيرة عن ظهر قلب وأنا شغوفة بالشعر.أتقن العزف على آلة العود بحيث أعرف سلم الأنغام والعلامات الموسيقية والتدوينات الموسيقية، وكذا كيفية زيادة الصوت الموسيقي أو تخفيضه. إذا شذوت ورقصت فإني أغوي. وإذا، لبست وتعطرت، فإني أصعق. إجمالا، لقد بلغت قمة الكمال، بحيث الأغنى ثقافة من بوسعه حقا تقديري)).
في هذا المشهد، تعرض تودد وهي أمَة، نفسها للبيع. لذلك، فالدقائق القليلة التي منحها إياها الخليفة، قدمت لها حظا استثنائيا كي تفتن مولاها، و يختارها للعمل على تسليته. ثم تتفوق ليس فقط على باقي نساء الحريم، ولكن أيضا جل الرجال من العلماء والفنانين، الذين كانوا يترددون على القصر.
نلاحظ جيدا، أن امرأة تنتمي لنساء الحريم، ليس لها من أمل إذا أرادت إثارة الانتباه، غير تثقيف نفسها.لذلك، لو آمنت برأي كانط، وبقيت جاهلة، فسيكون الأمر انتحارا من طرفها. مادام الفيلسوف الألماني، يعتقد أنه لا ينبغي على النساء دراسة الهندسة والفلك والتاريخ، وهي معارف أساسية لنساء الحريم المتميزات بحد أدنى من الطموح. يكتب كانط :((لن يفقد جمالهن شيئا من قوته، إذا لم يدركن ماتخيله ألغاروتي Algarotti بالنسبة إليهن بخصوص موضوع الجاذبية عند نيوتن)).
وألغاروتي، كان من نبلاء ايطاليا، كتب سنة 1736 ، ملخصا تبسيطيا لمفاهيم نيوتن. مؤلفه: Newtonianismo per le dame. يتوجه إلى النساء، مؤكدا عجزهن عن تمثل النظرية في نصها الأصلي.
التاريخ والجغرافيا، كالرياضيات معارف أيضا يمكنها تبديد جمال الفتيات : ((إنهن لن يملأن الرأس بتاريخ المعارك، وجغرافية التحصينات.لأنه يجدر بهن أيضا، الإحساس ببارود المدفع، مثل تذوق الرجال لعطر المسك)). وإذا أراد لهن كانط، الإلمام بما يكفي، قصد تبلور قدرتهن على نسج أحاديث، فينصحهن ، بضرورة تجنب كل استعراض للمعارف الموسوعية :(( جيد أن النساء بوسعهن التسلية، وهن يتأملن خريطة العالم بأكمله أو أكثر أجزائه أهمية. لكن ليس من الضروري أبدا، أن يعرفن فروع الأقاليم وصناعاتها وحكامها وكذا قوتها. أيضا، من غير المجدي توفرهن على معرفة واسعة حول الكون، إذا لم يخول لهن ذلك إمكانية تقييم بهاء جمال ليلة صيفية و كنا قادرات على إدراك أنه في السماء توجد أيضا عوالم ومخلوقات أكثر جمالا)).
أليس غريبا، فيما أظن ونحن نقرأ هذا، أن الشرق القروسطي ضم مستبدين مثل هارون الرشيد يبحثون عن جواري متعلمات، بينما فلاسفة مثل كانط في أوروبا الأنوار، يحلمون بنساء جاهلات؟ أي عائق غريب انتصب بطريقة مصطنعة بين الجمال والذكاء! فالفضاء الكانطي، لايسكنه فقط نوع إنساني واحد، بل اثنان: واحد، موهوب بملكة التفكير والثاني بملكة الإحساس ولاسيما الاستسلام للنظر.
وأنا جالسة في المقهى الباريسي، تساءلت عن جميع هذه الألغاز المتوالية.هل توجد صلة بين اغتيال إدغاربو لشهرزاد، وكذا الفصل الذي أقامه كانط بين الذكاء والجمال؟. ولكي نعود إلى إدغاربو، فصحيح أن الأمريكي يخص شهرزاد بدماغ متطور جدا، ليس كما الشأن مع “تيوفيل غوتيي”.
ثلاث سنوات، قبل صدور كتاب إدغاربو، سيقتل بدوره الكاتب الفرنسي شهرزاد في نسخته عن ألف ليلة وليلة، لكن هذه المرة ، كان المبرر حقا مخزيا ويفتقد للإلهام. فإذا قتل إدغار بو، شهرزاد لأنها تعرف كثيرا، فهي عند تيوفيل غوتيي لاتعرف كفاية.
ما الذي يجعل الرجال، يحلمون بجمال مثالي مختلف، سواء انتموا إلى الغرب أو الشرق، الشمال أو الجنوب؟ وماذا يمكن لهذا الاختلاف، أن يعلمنا حول الثقافتين؟ لماذا رجل متنور جدا من صنف كانط، المنشغل كثيرا برؤية الحضارة تتطور، يتمنى رفيقة ينتزع دماغها كي تؤدي دور البلهاء، حتى ولو كانت أكثر اطلاعا منه؟.هل العنف المفروض على نساء الشرق، مصدره أن الإقرار لهن بملكة التفكير سيجعلهن على قدم المساواة. بينما في الغرب، تتميز الأشياء أكثر بطابع الليونة ، مادام مسرح السلطة يدبر الالتباس بين الذكورة والذكاء؟.
هكذا شعرت، بعياء جسدي وبرجفة. بدأت أترقب عودة جاك، لكني تذكرت أنه دائم التأخر مثل مغربي. مع ذلك تشير ساعتي ، أنه لازالت أمامي خمسة عشر دقيقة على الموعد المحدد :((أهمس إلى نفسي ، سبب مرضي.من جهة، قراءة كانط. ومن جهة ثانية، نتيجة أكواب القهوة الثلاث التي تناولتها)). لقد، غاب عني،أنه في الغرب كل شيء قوي، ابتداء من القهوة.
جيد، تلزمني زيارة الطبيب كي يهدئ من خفقاني. وسيكون من الحمق أن أموت في فرنسا، بسبب أزمة قلبية بينما رغبتي المطلقة أن أدفن في تمارة بيتش بالقرب من الرباط. تقول ياسمينة :(( ينبغي على المرأة أن تعمل على تسوية ماهو سهل تسويته. يعني تلك التفاصيل الصغيرة)). لذلك، طلبت عصير برتقال وشرعت في تذوقه إلى أن وصل جاك.
توجهت زيارتنا الأولى لمتحف اللوفر، حيث يتواجد أقدم مرقد للجواري.أما الثانية فكانت لمركز جورج بومبيدو، وهو أكثر حداثة :(( لاأملك نصيبا من حظ خلفائكم، توجه إلي مرشدي مخاطبا،وهو يعبر بخطى صاحب المكان عتبة المتحف. هؤلاء الخلفاء، كان بوسعهم حشد كل نسائهم في مكان واحد)).

بقلم : فاطمة المرنيسي.
ترجمـة : سعيـد بوخليـط.

تعليق 1
  1. achraf bouzaroual يقول

    🙂

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.