ملاحظات حول المجلس الوطني لحقوق الإنسان

0 333

لقد أصبح من مسلمات التحليل و من نوافل الدراسة للواقع الحالي ، و السياق الذي تمر به المنطقة العربية منذ سنتين تقريبا ، ارتفاع سقف مطالب الشعوب على جميع المستويات ، و تحررها من عقدة الخوف و انعتاقها من قبضة الاستبداد التي جثمت على رقابها عقودا طويلة  ، فضيقت الأرزاق و كممت الأفواه و خنقت الأنفاس.
   فعلى المستوى السياسي و المؤسساتي : لم تعد الشعوب تقبل بصنع الخرائط السياسية و الانتخابية و طبخها في مختبرات الداخلية و دهاليزها ، و لا بأحزاب و مؤسسات تنعدم فيها الديمقراطية الداخلية و التداول الحر على المسؤولية ، لم تعد تطيق رؤساء و مسؤولين يتربعون على رأس الهيئات و المناصب مدى الحياة .
    و على المستوى الاقتصادي لن تقبل هذه الشعوب مستقبلا العبث بثرواتها و احتكار مقدراتها و نهب أموالها دون حساب و لا عقاب ، لن تقبل أيضا نظام الامتيازات و ثقافة الريع و الفساد الذي امتص عرقها لردح من الزمن ، و خلف من ورائه الملايين من أحزمة البؤس و الفاقة و الضياع .
    و على المستوى الاجتماعي لن تقبل بتعليم يفتقد لرؤية واضحة يولد و يفرخ الأزمات أكثر مما يحل المعضلات ( البطالة ـ الأمية …) و لا بمستشفيات و مرافق ضعيفة الخدمات، قليلة الأطر، و سيئة التعامل مع المواطن .و لا بقضاء غير نزيه يفتقد للشفافية و الاستقلالية، يعاقب الحقير لفقره و يبرئ الغني لغناه ، يشفق على ذوي السلطة و الجاه و يدين ذي الحاجة الذي لا مال له .
    إن شعوب اليوم ليست كمثل شعوب الأمس و على جميع المسؤولين المدنيين و السياسيين و غيرهم أن يدركوا هذه الحقيقة جيدا ، فشعوب الربيع الديمقراطي تريد و تتطلع إلى مؤسسات تمثيلية  و ذات مصداقية سواء من حيث طريقة إنشائها أو من حيث أدائها و تفاعلها مع قضايا الناس ، و سنقتصر في هذه الإطلالة السريعة على إحدى هذه المؤسسات و هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفروعه الجهوية.
     ينص الدستور في فصله 161على أن: ” المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية و مستقلة ”
  و هنا لابد من الوقوف على بعض الأسئلة و الملاحظات :
1- أولى الملاحظات هي مسألة التركيبة أو تشكيلة المجلس (وطنيا و جهويا) : إذ يسجل أن هذه المجالس لم تحترم روح الدستور الذي يؤكد على التعددية ، و معلوم أن المجلس بتركيبته الحالية ينحدر من عائلة و احدة – تقريبا- ترضع من نفس الثدي و هو ثدي اليسار ، في حين تم إقصاء مكونات أخرى لها وزنها و ثقلها في المجتمع. ومن ثمة نقول بأن المجلس أخفق في الإجابة عن سؤال التعددية من خلال بنيته.
2- ثاني تلك الملاحظات تتعلق بطريقة التأسيس التي تمت على حد  علمنا بالتعيين لا الانتخاب ، و رغم أن النص الدستوري لم يشرح كيفية إنشاء هذا المجلس ، لكن منطق اللحظة و السياق الذي نعيشه اليوم – و هو سياق ديمقراطي و مؤسساتي- يقتضي تغليب النفس الديمقراطي القائم على الانتخاب و الاقتراع السري في تشكيل مثل هكذا مؤسسة لها من الحساسية و الأهمية ما لا يخفى على عاقل متبصر. و إلا كيف يخول لهذه المؤسسة كل هذه الصلاحيات الواسعة و هي تعاني خللا عميقا في بنيتها و طريقة تأسيسها ؟ و بأي منطق و تحت أي عنوان و معيار يتم – مثلا – تعيين هذا الشخص دون ذاك في عضوية المجلس ؟
3- الملاحظة الثالثة تتصل بمسألة الاستقلالية و هو سؤال أساسي ستكشف الأيام القادمة عن ماهيته و حقيقته ، أقصد ستتم الإجابة عنه من خلال الممارسة و معالجة الملفات و القضايا ، و الأكيد أن هذا المبدأ هو من الشروط الأساسية لضمان نجاح هذه المؤسسة في عملها ، و هنا يبرز سؤال آخر مشروع و ملحاح وهو هل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتشكيلته الحالية قادر على العمل باستقلالية و بالتزام تام بالموضوعية مع جميع الملفات المطروحة؟
4-    بقيت ملاحظة جوهرية تتعلق بتعامل الإعلام و بعض الجهات السياسية و الجمعوية مع هذه المؤسسة بحيث طالما أثارت هذه الجهات زوابع و معارك إعلامية و سياسية ضارية و طاحنة في قضايا ميكروسكوبية – جزئية جدا فتم تضخيمها و النفخ فيها ، و هي لا تساوي في ميزان الأحداث شيئا كتصريح وزير معين أو زلة لسان مسؤول أو حادثة معزولة هناك ، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل قضايا مهمة و شائكة مثل هذه التي نحن بصددها .لا أذكر أن أحدا حرك ساكنا – إلا قليلا و نادرا- في هذا الأمر الحساس جدا ، و لا عقب على هذه المسائل الرئيسة – خاصة – في هذا السياق الخاص الذي تمر به بلادنا . إن الأمر أيها السادة يخص مسألة معقدة و جوهرية وهي حقوق الإنسان في المغرب .و لا أفهم كيف يتم تدبير ملف من هذا الحجم بطريقة غير تشاركية و لا تعددية تخالف طولا و عرضا التنزيل الديمقراطي للدستور ، وتقام الدنيا و لا تقعد  بالصراخ و الضجيج حول ما يسميه البعض احتكار بعض المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا تدبير الشأن العام واتهامها بإقصاء المعارضة . ولعمري إنه لمنطق عجيب و غريب حين نزايد ونستكثر على طرف و نسكت و ” نضر ب الطم ” عن الآخر .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.