مراكش :شرف مدنس
تطوي السيارة، شارع ممر النخيل، ساعة الظهيرة. فترة فاحشة بالنسبة لمراكش، حيث لازال البعض يختمر كحول، سهرة البارحة. يستنشق الهواء الياسمين، وكذا فساد الوضع، حسب عبورنا لبيوت فخمة أو تلك الأكواخ الحقيرة الممتدة على أرض يابسة، تمسح محيطها بالبراز، الذي تزحف فوقه النساء نحو بئر. شمس حارة، توحد السكينة والعطور والروائح النتنة. إقامات، فنادق، قصور صغيرة بأسوارها العالية وسباها المتربص. جميعها، يعمم صمتا مرعبا.
داخل هذه الفضاءات، تتوالد الإشاعة، تلك التي جعلت من مراكش، فناء خلفيا متعفنا للمطابخ السياسية الباريسية. منذ الصوت الراعد، والهجومات التلفزية المبهمة، للمتمدن جدا لوك فيريLUC Ferry ضد “وزير سابق”. سيقول، الفيلسوف عنه بلباقة : ((كان ينبغي إلقاء القبض عليه في مراكش مخمورا، أثناء جلسة مجون مع أطفال صغار)). فإن، مستوى سجالات نخبة الجهاز الإعلامي ـ السياسي، الملوث قبل ذلك، بقوة فضيحة “ستراوس كان”، يعيش وضعية انحدار، أعمق بكثير من منبع الفرشة المائية الجوفية لمنطقة ممر النخيل، التي تشرب بلهفة، كي تدخل السرور بما يكفي على قلوب لاعبي الغولف ومالكي الصهاريج الواسعة، المخصصة ل “جيت سكي” Jet Ski. بين باريس ومراكش، تنسج الحكايات ونقائضها، في ظل الصلة التقليدية ين العاصمة الفرنسية والمدينة الحمراء.
حقا، لم تنتظر مراكش “القضية” التي أثارها لوك فيري، كي تصير بطريقة ما الدائرة الباريسية الواحدة والعشرين. تلك، التي يسرع إليها عليّة القوم يوم 14 يوليوز ـ لقضاء ليلة واحة لا غير، لأنه ليس الموسم ـ مدفوعين برغبة أن يستعيدوا ثانية في حدائق القنصلية بمراكش، أجواء اللقاءات الاحتفالية بقصر الإليزي، الملغاة، حاليا تحت وطأة تقنين المصاريف. الجميع، سافر إلى مراكش، خلال العقد الأخير ؟ أسرع إليها كل اليسار البورجوازي والبوهيمي، وبالضبط، صوب دور الضيافة، المتواجدة بين جنبات أسوار إقامة محمد السادس. وأيضا، مختلف مكونات يمين ساركوزي، التي فضلت فندق “السعدي” الفخم، المعشوق كثيرا من طرف “بريس أورتفو” « Brice Hortefeux ». دون أن ننسى طبعا، أسمى زوج لدينا “كارلا” و”الرئيس”، الذي يحل بانتظام ضيفا سريا، على إحدى الإقامات الملكية، مع احتفالات كل سنة جديدة. نتقدم بالخطى رويدا ، ثم نكتشف أنفسنا أمام مصنف ذهبي، إنه فندق المامومية، وقد مر منه الجميع. فغدا قاسما مشترك، لكبار وزراء جمهوريتنا. “فيليب دوست بليزي” Philippe Douste- Blazy، الوزير السابق للشؤون الخارجية، والتي غادرها آخر سنة 2004، شخصية مهذبة، تحاصرها ذكريات صاخبة ذات مشهد ملغز إلى جانب مرافقته. أما، “إييف بيرتران” Yeves Bertrand ، الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية، فقد اتضح له من خلال وشاية، أن إحدى شخصيات اليسار، ربما مارس داخل هذا الفضاء الحريري مجموعة سلوكات ماجنة.
1 ـ شرف مدنس :
يعني، الحديث عن السحب، التي خيمت بكثافة خلال هذه السنة على عشاءات المدينة، ونميمة ضيوف يترنحون، يتقززون و يبتهجون بالاغتياب …. كيف يتم المساس بشرف هؤلاء وأولئك ؟ فرنسيون، تصاحبهم الريبة في كل مكان، مغاربة يرسمون تواطؤات، وأطفال لطختهم هذه اللعنة المحلية، القديمة : الاستغلال الجنسي للصغار، كيف نخفي نسبيا ؟ صورة مدينة يسبح داخلها بنفس القدر، التماسيح والأبرياء وكذا المجازفون. مراكش التي أودى داخلها الإرهاب الجهادي إلى مقتل 17 سبعة عشر شخصا، يوم 28 أبريل بمقهى أركانة في قلب ساحة جامع الفنا، تتقاذفها من جهة أموال المضاربات العقارية، ثم السلفية المتعطشة كي تستعيد لصالحها “الفاسق الغربي”. شعار، لا يتوقف الإسلاميون عن ترديده.
هكذا، ومنذ فترة طويلة، تتحسس مراكش بالذهب والتراب القاتم، جسدها الذي لينته الملذات. فترة الحماية، كان باشاها الكلاوي، الفيودالي الكبير، يستخلص بعض موارده من بيوت دعارة، تتوزع داخل أسوار المدينة. يعرض القوادون، على الزبائن راقصات في سن الثانية عشر، مثلما تبين ذلك صورة “طفل عار، رشيق، وصاحب وجه حزين”، كما عرضها سنة 1930، الرسام والكاتب المنسي “جول بوريلي” « Jules Borély »، الذي يشغل مديرا للمفنون الجميلة بالرباط، ويتحول في مراكش إلى شخص ثمل. إذن، منذ الأزمنة المتوارية، وإلى غاية صيف 2011 تقذف طائرات تشارتر Charters، على الميناء الجوي، قطعانا من الناسكين، يبحثون عن ارتواء جنسي : نساء، عشاق المثلية الجنسية، وكذا الأطفال الصغار. ستنقاذ مدينة النخيل، والبهجة والثعابين، بلا مبالاة، تخفي معها كثيرا من المعاناة، كما لو أنها قدر كل روح وجسد عربيين. على الملصقات الاستعمارية، فيما سلف، والشوارع الحالية، أنهار الأجساد ووديان الدعوات اللبقة. جلود تلمع كالصَدَف، داكنة، متحدبة، ومتملقة باسمرار. شيوخ يبعثون من جديد وصغار يُكتسحون. فتية وفتيات، يتدفقون من أقصى الحفر المظلمة لأحياء مراكش ـ حيث نسبة الأمية الأكثر ارتفاعا في المملكة ـ القائمة بجوار دور الضيافة (الرياضات) الفرنسية. أجسام طرية، تتدحرج من منحدرات الأطلس، فيصطادها المتربصون، وجهة شباك تختنق في عمقها العائلة. لذة، وبؤس. لذلك، تتقلب الإشاعة، وسط القدح المعدني المخصص لحفلة كوكتيل.
2 ـ في عمق المستنقع :
الساعة الرابعة، بعد الظهر. خلف ساعة جامع الفنا. رائحة العرق، وجملة تخمينات. بالرغم من مكتبه المتواضع الذي يفتقد للنوافذ والتجهيزات الأساسية، فإن السيد مصطفى الراشيدي، صار وجها محليا مشهورا، منذ شكايته ضد مجهول التي وضعها في باريس بداية شهر يونيو، باسم الجمعية المغربية لمحاربة اللواطيين “لاتلمس ولدي” “ماتقيش ولدي”، باعتباره محاميها، مباشرة بعد التصريحات التي أدلى بها “لوك فيري”. الراشيدي أيضا، مناضل في صفوف اليسار الجديد المغربي، كما تمثله حركة 20 فبراير، التعبير المغربي عن الربيع العربي، والتي أخافت القصر كثيرا. يصرح الراشيدي : ((لقد شعرت بالإهانة، حين سماعي حديث لوك فيري عن الأطفال المغاربة. شعرت، كأنه أحيا ثانية الاستعمار، ونفخ الحياة مرة أخرى في الإذلال ! فرنسا التي تستحوذ على %60 من اقتصادنا، بوسعها إذن الحصول على ما تريد وبشروطها الخاصة !)).
إن الخطاب الإيديولوجي والصريح، لا يتوقف أثناء اجتماع للخلية، أو حين الصعود فوق منصة حزبية. لكننا في مكتب للمحاماة، والحديث عن المعطيات والوقائع ؟ بالتالي، مختلف تضمينات الضجة ؟
هكذا، تحدد لقاؤنا الثاني مع الراشيدي. الأول، حدث ثلاثة أيام قبل ذلك، في مناخ حار بمقهى “فرانس” بساحة جامع الفنا. أخبرنا، بأنه يمتلك بفضل رسالة إليكترونية، بعثتها “جمعية فرنسية” على دلائل حاسمة ومعينة، ضد بارون فرنسي من اليسار. ثم أظهرت لنا، نجاة أنور، رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي”، الرسالة المقصودة. تكشف “الجمعية الفرنسية” عن اشمئزاز لليمين المتطرف، وبالضبط محترف “الدفاع عن المواطنين”، الذي يلقي على موقعه الإليكتروني، كل الشتائم المعتادة ضد حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أسلوب نمطي عند “الجبهة الوطنية”، واستنساخ لإشارة، أوردها المدير العام السابق للمخابرات، مع تعزيزها بسيل من الأقوال الفضفاضة، حول موضوعات عامة جدا، ضد مختلف شخصيات اليسار وكذا الوسط. ها نحن، عمق الورطة.
أرسل، الملف بأكمله، إلى النائب العام للجمهورية بباريس، “جون كلود مارين”، مرفقة بشكاية وكذا رسالة إلى نيكولا ساركوزي ولوك فيري. في نفس الوقت، يضمن “الدفاع عن المواطنين”، للجمعية المغربية ـ التي لا تتوفر على درهم واحد ـ تحمله لكل مصاريف العدالة : شريطة انضمام “ماتقيش ولدي”، إلى هذا المكتب الغريب…
لم يعلق الراشيدي، على الرسالة الزاحفة، ويفسر بعصبية : (إجمالا، ليس لدي أي دليل بخصوص القضية الواردة في مذكرات بيرتران. لقد تفحصت كل سجلات محكمة مراكش بين سنوات 1999 -2002، ولا شيء. بعد تدخل الحكومة المغربية غداة تصريحات لوك فيري، استدعى عبد الإله المستاري الوكيل العام بمراكش كل المصالح، ثم، لا شيء أيضا. بحث عن الوسطاء المحتملين، لكن بدون نتيجة حتى اللحظة. نجاة أنور وباسم “ماتقيش ولدي”، وجهت نداء، إلى كل ضحايا هذه القضية، ولم تتلق أية استجابة)). إشارة ساخطة، بعدها تحول المحامي، صراحة وبغير مقدمات إلى مناضل شجاع، كأفضل دور له، جعله يحظى حقا، باحترام مواطنيه : ((تتجلى كل قضيتنا في الصراع ضد الاستغلال الجنسي لأطفالنا. إذا كان %20 من الملفات تتعلق فعلا بأجانب، فإن %80 من الجرائم تعزى لمغاربة. يتمثل السبب الأول في الفقر. لقد صار مستقبلنا، بسبب مافيات المخزن، عماء مطلقا !لكنها تعيش لحظة مفصلية : هذه المافيات تواجه حركة 20 فبراير، مثلما تقف ضد الشكاية المقيدة باسم مجهول، التي وضعناها عقب تصريحات لوك فيري )).
كم غريب، مسار ضجة. غموضها، بمثابة سلاح. إنها تستهوي شخصيات وأوضاع وشدائد وطموحات متداخلة، بحيث لم يكن بوسع أي شيء قبلها تجميعها. ما أثاره لوك فيري في مراكش، بعد عجز الفيلسوف المتسرع عن ضبط انفعالاته، تجمع بين الاضطرابات الاجتماعية داخل مغرب يعيش غليانا. ثم، منظومة أحقاد بل تعصبات تسود فرنسا، وقد صارت غارقة في وقائع ترسم بفظاعة أفقها السياسي.
بخصوص المشهد السياسي المغربي، تمثل الإشاعة، حافزا إيجابيا سواء بالنسبة لفاعلين مخلصين للتغيير الديمقراطي، مثل جمعيات حقوق الإنسان، كجمعية “ماتقيش ولدي”، والسيد الراشيدي الذي يعبر بصراحة عن علمانيته، وسواء أنصار حزب العدالة والتنمية، الممثل في البرلمان : ((إن شاء الله سيتوقف البغاء ! لا نستغل أطفالنا، لا نبيع أطفالنا !)). هكذا، يصرح أحمد مصدق، الكاتب الإقليمي للحزب الديني، في مقر الحزب بحي باب دكالة، نقطة التقاء تظاهرات المعارضين، ثم يستطرد : ((يجب على الحكومة المغربية، أن تبادر للقيام بشيء ما. ولاشك أن الفرنسيين، سينتابهم الخوف، بسبب احتمال ضياع حياتهم الجميلة في مراكش)). أن تبادر، يعني الإشارة إلى عمل الوكيل العام بمراكش، السيد عبد الإله المستاري الذي يشغل هذا المنصب منذ 1993، أي خلال عهدي الحسن الثاني ومحمد السادس. ولا يمكن أن يستمر الوضع لفترة طويلة دون معرفة مغربلة وتمكّنٍ دقيق من أسرار الآلهة ولعبها. كل ما يدور، يقطّر من قبل أجهزة الاستخبارات. التي لم تعد كما السابق منذ رحيل الحسن الثاني، وكذا روحه الوفية، المرعب إدريس البصري، يحكي أحد الشهود : ((فيما مضى، توفر إدريس البصري على ملفات، بخصوص كل الساسة الفرنسيين الذين يعبرون المغرب، هل تتخيل للحظة، أنه سيسمح بتداول أخبار حول قضايا أخلاقية، إذا كانت تسيء للمملكة. مع العلم، أن البصري أحب هذا النوع من الأشياء)). كي يخفي بشكل أفضل، انحرافات محتملة، أو يوظفها عند الاقتضاء من أجل ممارسة ضغوطات على فرنسا، بتوظيف أسرار مضجعها؟ شيء من الاثنين. لكن إدريس البصري، اختفى وكان محمد السادس في كل الأحوال على أهبة، كي يبعد وجها كهذا، ما إن تولى مقاليد الحكم سنة 1999، ثم تغير المغرب قليلا.
القضية التي تغطّ في مستنقع مراكش، تعود وقائعها إلى أواخر سنة 2001. لنجتاز ثانية البحر الأبيض المتوسط : حتى القاعدة الفرنسية للصمت، سيتعذر شرحها. إننا في خضم التعايش : جاك شيراك في الإليزي وليونيل جوسبان في ماتينيون Matignon، على بعد شهور، من الانتخابات الرئاسية لسنة 2002. كيف لا يمكننا، تصور بأن اليمين استغل، معلومة كهذه، من أجل زعزعة بارون اليسار ؟ ديبلوماسيون فرنسيون، شغلوا مراكز خلال تلك الحقبة، استمع إليهم مؤخرا القضاء الفرنسي. وقد استطعنا في مجلة “ماريان” التحدث إلى القنصل العام الفرنسي في مراكش، بين سنة 2001-2002. فأكد لنا، بأنه لم يتم الاتصال به قط : ((إجمالا، لم أتبين أي صدى، بخصوص قضية كهذه في مراكش، خلال تلك الفترة)). مقابل هذا الموقف، استمع المحققون إلى السفير الفرنسي “ميشيل دوبو نيكورس” أثناء نفس الحقبة، يقول : ((لقد وضحت لهم، أنه بالرغم من العتمة التي تميز النظام المغربي، فلا شك فضيحة كهاته، ستمتد إلي، لكني لم أسمع شيئا…))، ثم يستنتج الدبلوماسي : ((حاليا، لا يملك المحققون الفرنسيون، أي دليل)). المثير للاضطراب أكثر، أن المحامي الآخر لجمعية “ماتقيش ولدي”، الفرنسي “جان شوفي” Jean Chevais، أوضح لنا، بأن شبه معلومات تتناوب هنا وهناك، على صفحات الصحافة، تستند فقط على مجرد تلقيها مكالمة مجهولة، يصعب التحقق منها.
أما فيما يتعلق بمعطيات البوليس المغربي، نقف حقيقة على قضايا اللواطة في الأرشيفات، منسوبة إلى فرنسيين. لكننا، لا نعثر على أي وزير بين طياتها. سنة 2006، حُكم على مدير المسرح الباريسي، بستة أشهر سجنا، موقوفة التنفيذ: استحال فعله إلى جرم شذوذ جنسي، فعشيقه الشاب، كان على شهور معدودة من بلوغه سن الرشد القانوني داخل المملكة. قبله، اعتُقل سنة 2005، فرنسي، يعمل وسيطا عقاريا بعد أن وجهت إليه تهمة تنظيم ليالي، لعشاق الأجساد الفتية جدا. وبدافع الحاجة إلى المال، عمل على جلب قاصرين إلى شخصيات. هكذا، وضعه رجال الشرطة تحت المراقبة، فاكتشفوا بأنه على صلة بأغلب مالكي المنشآت الفندقية المراكشية. حينما باغثه البوليس، وجد لديه صورا بورنوغرافية، كما وضع أياديه على شبكة واسعة من الشواذ. إذن، كل الظنون، اتجهت بشكل جدي نحو إخضاعه للمحاكمة، فالتهمة ثقيلة. بيد أنه، سيحظى بعفو ملكي ، في غضون سنة من اعتقاله.
3 ـ دعاية سيئة :
ربما تعتبر، السلطات المغربية الإنذار كافيا ؟ نقول ذلك، ما دامت جرائم بهذا الحجم، لا يمكن أن تبقى دون عقاب. هكذا شرع المجتمع المدني، ينظم نفسه، أفرز جمعية “ماتقيش ولدي”، ثم تضاعفت، التحقيقات الصحافية حول الشذوذ الجنسي. عند الطرف المغربي، نصادف الصفحات الجريئة لأسبوعية “تيل كيل”. أما نظيره الفرنسي، فنجد القنوات التلفزية : ((آه، هذه الكاميرات، وإشهارها السيء، نميمة تضاف إلى الإرهاب !. إنهم، يلحقون الضرر بنا)). الساعة الثامنة ليلا، يحكي بحزن “فيليب دورانتان” Philippe Duranton، متأملا مطعمه العصري، وقد أضحت ثلاثة أرباعه فارغة. تسببت حادثة مقهى أركانة، في افتقاد مراكش لنصف عدد زبائنها : ((وحكايات البغاء، حاليا ! إنها لا تتوانى عن القدح في مدينة نحبها جميعا، فرنسيون ومغاربة، فجعلت منها فضاء جديدا لجماعة اللواطيين والسحاقيات ؟)).
يكرر تعبيره، عن خشيته من اختفاء السعادة والرفاهية. فقاعة العقار، التي هيمنت بين سنوات 2008 و 2008، وحوّلت المدينة إلى “إلدورادو”، هي أيضا بصدد التشظي. لقد تغيرت معها مراكش على جميع المستويات، بما في ذلك، السبل المحظورة : إنه الفساد الجامح لممثلي الشعب، والذين ظلوا على امتداد الشهور الأخيرة، موضوع سخرية من قبل متظاهري حركة 20 فبراير. قبل خمسة وعشرين سنة، بيع هكتار من الأرض في ممر النخيل بمليون درهم تقريبا، لكنه وصل فجأة إلى رقم 80 مليون أي ما يعادل 10 ملايين دولار للهكتار. هكذا، صار بوسع أصحاب دكاكين امتلاك الملايير. المثلث الذهبي، المتواجد ين منطقة جيليز والحي الشتوي، أضحى قطعة ألْماس، بقدر تحول أنظار الفنانين عن طنجة الفاتنة : ((موعدنا في مراكش))، هي الكلمة السحرية الجديدة الرائجة عند المثقفين والأغنياء البوهيمين وأعضاء النوادي السياسية، على خطى “إيف سان لوران” Yves Saint Laurent، و”بيير بيرجي” Pierre Bergé ، اللذان دشنا المسار سنوات 1980، لكن في إطار سرية وأسلوب حياة مشاهير مصممي الأزياء. كما، يتعقبون أثار الباحثين عن الجمال وعشاق الليل مثل “مارسيل شيش” Marcel Chiche أحد رواد الحانات الليلية، المترابطة داخل المدينة الحمراء، وقبل ذلك، استثمر أمواله على الصعيد الباريسي، في مواد التطهير المُعطّرة، ثم أحب مراكش. مطعمه المسمى « Comptoir »، الذي افتتحه منذ عشر سنوات، يحبس أنفاس زائر، سيفقد أولا صوابه، أمام العيون الواسعة والصدور المنتفخة لزبونات حسناوات جدا، وكذا فن للزخرفة، تذوقي وشبقي. الجميع، تخدمه وترقص له، فتيات ببطن كالشهد وسواعد برونزية.
حين الانصراف، وعلى الرصيف، فما بقي، غير مشبع بالنسبة لجسد المتجول في مراكش، سيستند، على كل ما يسقطه هباء مدينة تحت القمر، من أجل إرضاء خاطره. داخل الكازينو، وقبالة آلة الموسيقى الإفريقية “البلافون” والعازف الإفريقي الماهر، حيث أحدهما ملتصق بالآخر مثل توأمان خائفان، جلست شرذمة من المراهقات، يترقبن مضاجعة مأجورة ومأزقا. سعودي ذابل، يفاوض إحداهن في عمر الورد. يميزون، ويقوّمون ويساومون ويشتمون، ثم تلقى الأجساد المتسكعة في جوف السيارات. كل شيء على مرأى، الاستلام، التجادل ثم العرض. فأين بوسع الجنس أن يكون حقا، سرا في مراكش.
4 ـ دور ضيافة، نشاز :
الساعة منتصف الليل، موعد تناول الشاي، داخل دار الضيافة. ضيوف أنيقين، حكماء وعاقلين، يتجاذبون بعنف أطراف الكلام، فالإشاعة تسكن قعر الكأس. كل هذه “الثرثرة”، تعبير عن علاقة مشوهة بين الشمال والجنوب، المهيمن والمقهور. إنها تسّمم إلى حد ما التعايش المراكشي بين الفرنسيين والمغاربة، كيف، يمكن تحمل أن عالمين مختلفين يلتحمان داخل زقاق، لا يزيد عرضه عن مترين ؟ مُلاك جدد، يثيرون حنق مؤذن المسجد. تمتعض العائلات المغربية، حين رؤيتها للسائح المقيم، يتملى الجميع من أعلى سطح، على إيقاع موسيقاه، في يده كأس نبيذ ومرتديا فقط لباسا بحريا. هذه الأسطح، ظلت إبان قرون عدة، متنفسا وحيدا للنساء، وفضاء رحبا استأثر به المعتزلون، لكن حاليا امتنع المغاربة عن الاقتراب منها، بعد أن ضاقوا ذرعا بنظرات الجار الغربي، وهي تتفحصهم : ((إنه خطأكم، أيها الفرنسيون، أنتم لا تحترمون قوانين المدينة !
ـ بل، خطأكم، أيها المغاربة، فأنتم لا تريدون الإقرار، بأننا عملنا على ترميم كل شيء، ووفرنا مهنا صغيرة، وأقنعنا البلدية بالإضاءة وإعادة الطلاء والنظافة !
ـ هكذا إذن، تتشدقون أيها الفرنسيون، لكن نصف أرباب الرياضات، لا يؤدون الضرائب للدولة المغربية ! والكلاب، كلابكم ؟ تعيش مع أطفالنا ! مع، أننا نقول هنا، بأن الكلاب تطرد الملائكة !)).
صخب، يكسر صمت الليل. صيحات. جسم، سقط من الشجرة الجميلة التي تكسوأريجا، صحن المنزل بطرازه الشرقي الرائع. فرنسيون ومغاربة، أصدقاء وخصوم، يتفحصون المكان، يظهر عليهم جميعا نفس التقزز : إنها عقرب، تحتضر. ينبغي حقا القضاء عليها، كالإشاعة تماما.
5 ـ عندما يقبل الليل :
حينما يرخى الليل ستائره، تستيقظ مراكش. قضى المعربدون قسطا، من الظهيرة سباحة، وسط أمواج البحر الأحمر الاصطناعي، أو”نيكي بيتش” : ((واحة في قلب ممر النخيل، تذكرنا ب “سان تروبيز” Saint Tropez)). حوض سباحة، حانات متحركة، شامبانيا متدفقة وبالطبع شطحات “دي جي” DJ. إنها ساعة تناول جرعة نبيذ، في ركن بإحدى حانات حي ليفيرناج المتصلة. حي، يشكل مثلثا ذهبيا، نظرا لانتشار الفنادق الكبيرة، إلى جانب الكازينو والمطاعم الفخمة والخمارات الليلية. وأي مكان اخترته، فتمة الجنس. إن خمارة بدون فتيات وحانة تغيب عنها “مؤنسات”، ومطعما يفتقد ل “جميلات”، مشاريع لن يسعفها الحظ كي تصمد طويلا. حراس الأبواب يدركون الأمر جيدا، ماداموا يقتطعون ضريبتهم مع كل عبور. أزوج مطلّقون، ومقيمون هنا دائما، أو على سبيل الاستجمام. أفراد، يوزعون الضحك فيما بينهم، يتباهون بشهرتهم في المدينة، عند جل الفتيات الجميلات، اللواتي لا يتوقفن عن مدحهم. طيلة السهرة، ستقول مرشحة الليلة، للمنفردين بها، أنها ظنتهم انبثقوا من رواية ل “مشيل هوليبيك” Michel Houellebecq ، فهم أكثر وسامة. ثمن الأمسية : 200 أورو، أي ما يعادل أجرة شهر من الكدح، بالنسبة للأغلبية الساحقة من المراكشيين. بعض الفرنسيين، تسلب أموالهم بين الألبسة والمجوهرات. آخرين، يتمكنن منهم كليا، فيتزوجون، ويضعون كل ممتلكاتهم باسم الفتاة، بما في ذلك دار الضيافة : ((يعرفن جيدا ما تريد سماعه، يعترف أحد المستهلكين المجربين. إنهن ساخنات أكثر من التايلانديات، ويصنعن منك باشا. لقد أتين من محيط فقير، وصار بإمكانهن تحقيق ربح شهري يتراوح بين7000 و 15000 أورو . بالتالي، توفيرهن حاجيات أسرهن. هكذا، يغيرن الوضع، يمتلكن بقعة أرضية ومنزلا عصريا … . الأوروبيون هنا من أجل دفع المال !)).يناهز عددهن، ما يقارب 22 ألف فتاة، يتراوح عمرهن بين 17 و 27 سنة، لا تتوقف ألسنتهن عن ترديد كلمة “واخا” (متى تريد، والمكان الذي تختاره)، من أجل البقاء. يأتي أغلبهن من الدار البيضاء بواسطة القطار، يصاحبهن أيضا مراهقون ينتمون إلى دوائر المثليين.
لكن في قمة السلم الجسدي الغريب، يشعر صناع الليل المراكشي بالاكتئاب، بحيث يسود الرعب جراء اعتداء مقهى أركانة والضجة التي خلقها لوك فيري : ((ستفقد مراكش قسطا من زوارها، إنه آخر صيف للتسلية)) يشير بتهكم، رجل أعمال فرنسي ـ مغربي.
6 ـ الجميع، يخبر عن الجميع :
في مراكش، الآذان الكبيرة للشرطة، تلاحق الجميع : الملاهي الليلية، الفنادق، حراس المباني، سائقي سيارات الأجرة والمومسات. الكل، يعرض تقاريره، “الجميع، يراقب الجميع” يصرح شرطي فرنسي متقاعد. بدورهم، صحافيو مجلة ماريان، لم يفلتوا من الأمر، وخضعوا لحراسة لصيقة، طيلة فترة هذا التحقيق، فما إن يغادروا باب الفندق حتى يلاحقهم عن كثب وبشكل سري تقريبا، مخبران يرتديان زيا مدنيا. مما يظهر، بأن المملكة لازال يستعصي عليها التخلي عن عاداتها القديمة، رغم تبجحها بأنها بصدد تفعيل “ثورة هادئة”، تمارس لها الدعاية الصحافية الفرنسية بكل النبرات.
7 ـ ما يعرفه المدير السابق للمخابرات العامة :
هي كلمات، وردت بسرعة من قبل “إييف بيرتران” المدير العام السابق للمخابرات الفرنسية، مع إشارة اسمية لوزير يساري سابق، وذلك في مذكرته الصغيرة، بتاريخ 12 فبراير 2002 : ((السيد × في فندق المامومنية، شهر نوفمبر، مارس الجنس على أطفال صغار)) ثم أورد اسم الصحافي، الذي همس في أذنه بالمعلومة. وثيقة الشرطي، أعطت حيزا لأكثر الإشاعات استمرارية داخل الجمهورية الفرنسية. الصحافي المذكور، يشتغل لصالح شركة للإنتاج التليفزيوني، ويعرف عنه إطلاعه الدقيق على أوضاع المغرب. لكن، نظرا لغياب الدلائل، لم يبد “إيف بيرتران” أهمية لهذا الحكي، بالرغم من إذاعته للسر بين صفوف متحدثيه، بغاية استيضاح الحقيقة. مستندا على مبدأ، أن منبع الخبر صحافي، مقرب من القصر، بالتالي، تنهض إمكانية لصحته. بيد، أنه يبقى احتمالا، ما دام الصحافيون، يخبرون الرجل بما يسعده سماعه، كي يبتزونه من وراء ذلك عند الحاجة. قام “بيرتران”، بالمألوف مع الاستعلامات بخصوص العادات الجنسية للأقوياء : لقد نقل الأمر شفويا إلى رؤسائه، لكنه حرس جيدا على أن يدس في الدائرة، إحدى ملاحظاته البيضاء، التي لم نتمكن قط من معرفة صيرورتها. أظهر البعض، كأنه لم يسمع شيئا بينما البعض الآخر، روج للإشاعة، فتضخمت وانتعشت نتيجة أصداء، تتأتى من هذا الجنوب المغربي الماجن. قفزت أسماء مختلفة، نحو الواجهة. بين منفذين : يجزم “لوك فيري”، أنه لم يقصد الوزير المعين في مذكرة “بيرتران”، ربما آخر، وربما لا شخص… . في الواقع، لا يعلم شيئا بالمطلق، غير زملاء ذوي نيات سيئة أضافوا أسماء أخرى، ويخلطون بجرة قلم، بين المثلية الجنسية واللواطة ولا يتمثلون المعطى، إلا على طريقة بعض المغاربة الذين لا يفرقون بين الأمرين. “لوك فيري”، جثم ذلك على صدره منذ فترة بعيدة، ولم يرغب في الاحتفاظ “بأسراره” لنفسه. ربما، غاب عن ذهنه تماما، أن النيابة العامة الباريسية، ستأخذ أقواله على محمل الجد، وشروعها في إجراء تحقيق تمهيدي، وكذا استدعائه من قبل فرقة حماية القاصرين التابعة للشرطة القضائية.
استمعت إلى “لوك فيري”، بهدف تمييز الحقيقي عن المتخيل. أقر، بأن معلوماته بهذا الخصوص، لاترقى إلى ما يوجد في جعبة المدير السابق للمخابرات. أما، الأخير، أي “إييف بيرتران”، فكشف عن عدم سماعه أبدا، باسم الفيلسوف، بل ويعرف أقل منه.
فأين، نحن إذن من السياق. النتيجة : لا شيء.
انا مدير مالى فى شركة مقاولات بالرياض و أعانى بشدة من نظام الكفالة و يوم ماسمعت بمجرد إن فكرة إلغاء الكفالة سجدت لله شكرا و يارب كل مسئول ممكن يساعد على إنهاء هذه المهانة التى لاترضى الله و لا العباد ربنا يكرمه و يوفقه يارب و ياريت كل كفيل يخاف ربنا