الجمعيات المدنية بواحة مزكيطة فاعل حديث باليات تقليدية
شهد المجال الواحي في العقدين الأخيرين تناسلا كبيرا للجمعيات المدنية. شأنه في ذلك شأن العديد من المجالات المغربية، وذلك راجع إلى قصور المقاربات التنموية السابقة، الوطنية منها والجهوية في تحقيق التنمية المجالية. خاصة في المناطق الداخلية، الشيء الذي جعل الدولة تتبنى مقاربة تنموية جديدة، جعلت من التراب المحلي أساسا لتحقيق تنمية شاملة.
ولقد عرف المشهد الواحي إثر هذه السياسة، تناسلا كبيرا للجمعيات المدنية كفاعل في التنمية في واحة درعة. ليتراجع بذلك دور “جماعة والقبيلة” في التنمية، هذه الأخيرة، كانت بمثابة الفاعل التقليدي المؤطر للساكنة المحلية ولتوجهاتها التنموية. في إطار من التعاون والتضامن بين مختلف ساكنة الدوار. فإلى أي حد ساهم تنامي هذه الجمعيات في مسلسل التنمية المحلية بواحة درعة الأوسط بشكل عام، وبواحة مزكيطة على الخصوص؟.
تكتسي الجمعيات المدنية أهمية كبرى في مقاربة التنمية المحلية، ذلك أنها تعد أهم فاعل إلى جانب الجماعات المحلية في كسب رهان التنمية المحلية، لكونها الإطار الأقرب إلى الساكنة المحلية وهمومها وانتظارتها التنموية. ونهدف من خلال هذه المقالة إلى تسليط الضوء على واقع حال هذا الفاعل المحلي، ومدى مساهمته في الدينامية الترابية واستجابته لتطلعات الساكنة المحلية.
مما لاشك فيه أن المجال الواحي إلى الماضي القريب يعرف هيمنة النظام القبلي في تدبير شؤون الساكنة المحلية في مختلف جوانب الحياة المختلفة، الاجتماعية منها والاقتصادية. وكانت العلاقات الاجتماعية بين سكان القبيلة، تحكمها روح التعاون والتضامن بمختلف أشكالها، وبالرغم من كون ذلك النمط تقليديا. إلا أننا لاننسى الدور الايجابي الذي كان يلعبه في تدبير شؤون الساكنة المحلية اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا…غير أن هذا التنظيم التقليدي، سرعان ما بدأ يتهاوى بتغير توجه الدولة نحو عصرنة التنظيم الترابي، وإدماج الفاعل المحلي في السياسات العمومية، من خلال تشجيع الساكنة على تأسيس الجمعيات المدنية وجعلها شريكا في العملية التنموية.
إن هذا التحول الذي طال تدبير شؤون الساكنة المحلية في التراب الواحي منذ تسعينات القرن الماضي، غير الكثير من معالم التنظيم الترابي بالواحات المغربية، وقلص من دور الأفراد داخل الجماعة والقبيلة لصالح التنظيمات الجمعوية ، هذه الأخيرة ارتفع صقف المنتظر منها عن كل الإمكانيات المتاحة لها.
فمن خلال البحث الميداني الذي أجريناه بواحة مزكيطة، تبين لنا أن كل جماعة من الجماعات الخمسة المكونة للواحة، تتوفر على ما يزيد عن خمسة عشر جمعية. بمعدل جمعية إلى اثنتين في كل دوار. كما أن %80 منها تهتم في ميدان نشاطها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، في حين نجد أن نسبة الجمعيات الثقافية والرياضية تصل الى %15. أما النسبة المتبقية فهي عبارة عن جمعيات الماء الصالح للشرب.
إن غلبة نسبة الجمعيات المهتمة بالشأن التنموي سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. يفسر تراجع وتردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للساكنة المحلية بالواحة. وما تأسيس الجمعيات المهتمة بهذه الميادين من طرف شباب المنطقة إلا رغبة منهم في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للساكنة المحلية. وتكثيف جهود الساكنة المحلية في إطار العمل الجمعوي، ليساهم كل من موقعه بالقدر المستطاع في مسلسل التنمية المحلية.غير أن الملاحظ في الواقع، هو ضعف تأثير هذا الفاعل المحلي في الدينامية الترابية المحلية مقارنة بالكم المتوفر من الجمعيات، وذلك لعوامل متعددة.
ونظرا لأهمية العنصر البشري في تسيير هذا الزخم الكبير من الجمعيات فإننا نجد أن أغلبية المسيرين للجمعيات المدنية، يتوفرون على مستوى تعليمي عالي بنسبة %30. في حين تأتي نسبة المتوفرين على مستوى التعليم الإعدادي في المرتبة الثانية بنسبة %23. متبوعة بنسبة المتوفرين على مستوى التعليم الثانوي بنسبة %19. وأخيرا المتوفرون على مستوى التعليم الابتدائي بنسبة %24. في حين لا تتعدى نسبة المتوفرين على مستوى المسيد %4.
إن هيمنة نسبة الحاصلين على التعليم العالي في المكاتب المسيرة للجمعيات، راجع إلى كون ابرز المؤسسين لهذه الجمعيات من أبناء المنطقة، المدركون لأهمية العمل الجماعي ودوره في تحقيق التنمية. إذ نجد هؤلاء على رؤوس الجمعيات.في مختلف الدواوير. فهم يتحملون مشاق العمل الجمعوي، وأحيانا يتقلدون مناصب عدة داخل الجمعية لضمان صيرورة عملها. خاصة في ظل ضعف درجة وعي بعض الأعضاء بمهامهم داخل الجمعية. كما أن أغلبيتهم إما طلبة أو أساتذة بالمنطقة.
ويمارس هؤلاء الأعضاء مهنا مختلفة. وإن كان أغلبيتهم يمثلون الأسرة التعليمية. حيث نجد الاساتدة بنسبة %27. متبوعين بفئة الطلبة الجامعيين بنسبة و% 13. كما نجذ طبقة العمال والفلاحون تمثل بنسب متوسطة داخل المجالس المسيرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه باستثناء الأعضاء المزاولين لمهن التعليم، وكذا الأعضاء الفلاحين. فإن فئة الطلبة وبعض المهنيين يهاجرون طيلة السنة. اللهم في بعض المناسبات والعطل .. وبالتالي فإن نشاطهم داخل الجمعيات يقتصر في كثير من الأحيان على الجموع العامة السنوية التي يتم عقدها. مما ينعكس سلبا على دينامية الجمعيات المدنية بالجماعتين بالرغم من وجود طاقات مؤهلة لذلك.
إن توفر الإمكانيات البشرية للعمل الجمعوي لوحده غير كاف لدينامية الجمعية والقيام بمشاريع تنموية. بل تلعب الإمكانيات المالية دورا أساسيا في تحريك الجمعيات لعجلة التنمية في مجال معين.
فقد تبين لنا جليا من خلال البحث في هذا المجال، أن الإمكانيات المادية للجمعيات التنموية تبقى محدودة جدا. بحيث لا تتجاوز في كثير من الأحيان واجب الانخراط الذي لا يتعدى 50 درهما في السنة للفرد الواحد. وتمثل نسبة الجمعيات المعتمدة على الانخراط كمصدر وحيد للتمويل في واحة مزكيطة %60. هذا في الوقت الذي تقل فيه مساعدات الدولة والجماعة الترابية للجمعيات. بحيث لا يتعدى عدد الجمعيات المستفيدة من الدعم المادي من طرف المجلس الجماعي ثلاثة جمعيات في كل جماعة. فيما نجذ الجمعيات الأخرى تعتمد في مصادر التمويل على عقد شراكات مع مختلف الفاعلين التنمويين. والبحث عن تمويلات خارجية.
و لقد كان لاختلاف الإمكانات البشرية والمالية لجمعيات المجتمع المدني بالواحة، انعكاسا ملحوظا على مستوى ديناميتها ومساهمتها في مسلسل التنمية المحلية بواحة مزكيطة. حيث يمكن أن نميز حسب دينامية عمل الجمعيات بين ثلاث أنواع من الجمعيات.
الجمعيات الأكثر دينامية:
وهي الجمعيات الأكثر نشاطا والأكثر تأثيرا في دينامية مجالاتها الترابية، من خلال إنجازها لعدة مشاريع تنموية مهمة، ساهمت في تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية أساسية للساكنة المحلية. كما تربطها علاقة شراكة وتواصل مع الجماعة المحلية، و فاعلين تنمويين أخريين. ويصل عدد هذه الجمعيات حوالي جمعيتين في كل جماعة. وقد ساهمت بشكل واضح في إنجاز عدة مشاريع اجتماعية، عن طريق عقد شراكات مع العديد من الفاعلين التنمويين، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي او الدولي. من خلال المنظمات الدولية..
جمعيات شكلية ضعيفة الدينامية:
في مقابل نشاط الجمعيات السابقة، نجذ أغلبية الجمعيات المدنية بواحة مزكيطة ضعيفة الدينامية. نظرا لوجود عدة إكراهات تحول دون تحقيقها للأهداف التي وجدت من أجلها. ويقتصر نشاطها فقط في القيام ببعض الأنشطة الثقافية في نهاية الموسم الدراسي. وصيانة الشبكة المائية، وبعض مشاريع في إطار محاربة الأمية، وكذا إنشاء روض للأطفال. كما تفتقد لأي شراكة مع أي فاعل. اللهم البعض منها الذي استفاد في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.من بعض المشاريع الصغرى.
فمن خلال المعاينة الميدانية. تبين لنا أن %60 من هذه الجمعيات يعتبرون العائق المادي هو أكبر معيق لدينامية جمعياتهم التنموية. كما أن %40 من الجمعيات الضعيفة الدينامية المتبقية تضيف إلى جانب العائق المادي عائقا أخر. يتجلى في هجرة أعضاء الجمعيات، وكذا ضعف وعي الساكنة المحلية بأهمية الجمعية كإطار قانوني في التنمية، الشيء الذي يؤدي في الكثير من الأحيان إلى صراعات بين الفخدات والعظام داخل الدواوير حول تسيير الجمعية. حيث يرى كل طرف بأنه الأحق لذلك…
هذه المشاكل هي الأكبر إعاقة لدينامية الجمعيات ولمسلسل مساهمتها في التنمية المحلية. لتبقى أغلبية الجمعيات بنسبة %70 عبارة عن جمعيات شكلية.لا تقدم آية إضافة للعمل التنموي بواحة مزكيطة .
جمعيات نسوية حديثة النشأة تحتاج إلى مزيد من الدعم:
بالرغم من قلة عدد الجمعيات النسوية بمزكيطة. تبقى اهتمامات أغلبيتها تصب في الحقل الاجتماعي والاقتصادي. من خلال بعض الحرف التقليدية كصناعة الزرابي، والاتات المنزلي التقليدي…غير أن ضعف دعم هذه الجمعيات وغياب التأطير والتكوين لها، جعل أنشطتها وديناميتها تبقى محدودة جدا.
إن التنمية المحلية تنبني في مقوماتها على إشراك الفاعل المحلي في العملية التنموية، وبما أن جمعيات المجتمع المدني تمثل الإطار القانوني المحلي. فإن مشاركتها في العملية التنموية أساسي في تحقيق الهدف التنموي المنشود. ولتحقيق ذلك يحتاج الأمر من الجماعات المحلية منح المزيد من الدعم لعمل الجمعيات التنموية النشيطة في مجالها الترابي. والتعامل مع مختلف الجمعيات بمنطق موحد، بعيدا عن كل الأشكال الأخرى التي لا يمكنها إلا أن تزيد الأوضاع سوء. وفي ذات الوقت يتوجب على الجمعيات وأعضائها البحث عن مصادر للتمويل وعقد شراكات مع مختلف الفاعلين قصد تجاوز إشكالية العائق المالي.
كما أن الجمعيات النسوية التي رأت النور أخيرا بالجماعتين تحتاج إلى مزيد من التأطير والدعم لتساهم هي الأخرى في مسلسل التنمية المحلية.
عموما يمكن القول ا أن مساهمة النسيج الجمعوي بواحة مزكيطة في العملية التنموية لازال محدودا، بالرغم من التطور العددي الذي عرفته الجمعيات في السنوات الأخيرة. وذلك لعدة مشاكل داخلية وخارجية. كما أن هذا التطور في أغلب مظاهره يبقى كميا وظاهريا فقط. خاصة وأننا نجد معظم هذه الجمعيات لازالت تدبر شؤونها بأليات تقليدية قبلية بعيدة كل البعد عن التدبير الحديث للجمعيات التنموية. مما جعل حجم مساهمتها في الحقل التنموي بالواحة يبقى محدودا جدا، الشيء الذي يستوجب على الدولة ضرورة تشجيع ودعم هذه الجمعيات كإطار اقرب إلى الساكنة المحلية والعالمة بهمومها ومنتظراتها، وبالتالي الإطار المناسب للتدخل والمساهمة في الاستجابة لحاجيات الساكنة المحلية.
سلام اخواني أشكركم على هده المعلومات فقط أريد منكم مساعدة ،أنا بصدد انجاز بحت عن واحة مزكيطة وأعاني من شح المعطيات فهل أجد عندكم شئ كمنوغرافية الواحة … المرمجو لمن لديه معلومات أن يمدني بها وله مني جزيل الشكر هدا امايلي:redas0101@gmail.com