حج بيت الله الحرام: أما آن لهذه القرعة أن تتطور؟
بقلم عبد الرحمان المتقي
ستشرع وزارة الأوقاف و الشؤون الاسلاميةخلال شهر مارس المقبل في تسجيل المرشحين للمشاركة في قرعة الحج لاختيار ضيوف الرحمن لموسم الحج ما بعد المقبل على غرار ما جرى به العمل في مواسم ماضية. و بهذه المناسبة، يسعدنا أن نستعرض بعض الأفكار حول هذه القرعة آملين أن تحظى بالمناقشة الهادئة من طرف القراء، و أن تجد من مسؤولينا من يوليها من الاهتمام ما تستحق تفهما و مبادرة.
لا بد من التذكير أن الوزارة اتخذت قرار اختيار حجاج كل موسم عن طريق القرعة منذ 2006 استنادا إلى فتوى من المجلس العلمي الأعلى. و قد كان ذلك ضروريا لكون عدد الحجاج المخصص لكل البلاد الاسلامية محدودا من جهة ، و لكون الطريقة التي كان معمولا بها من قبل في بلادنا كانت مثار تحفظات من جهة ثانية. و كان أن أظهرت التجربة عدة سلبياتفي الطريقة الجديدة تستوجب التصحيح ،أو الاستدراك على الأقل:
1) ما زال يسمح لمن سبق له الحج أن يجدد ترشيحه بعد عشر سنوات من أدائه الفريضة، على الرغم من أن الحج فرض مرة في العمر كما هو معلوم من الدين، و على الرغم من كون عددالمسجلين سنويا ممن لم يسبق لهم أداؤها يقدر بالآلاف، و عددالفائزين في القرعة سنويا لا يتجاوز عشرة من المائة فما دونها من المرشحين. فمهما يكن تطلع من سبق له الحج إلى تكرار الزيارة تطوعا و نافلة، فلن يكون كتطلع من لم يسبق له أن أدى الفريضة شوقا إلى تلك البقاع التي جعل الله الأنفس المومنة تهفو إلى زيارتها. وقد كان من باب الايثار ترك من استفاد الفرصة لمن لميستفد بعد.
2) عدد الحجاج المخصص لكل عمالة وكل قيادة غير مصرح به ولا معلن عنه للعموم على نطاق واسع. و المفروض و الحالة هذه أن يصل كل المعنيين إلى هذه المعلومة. بل إن المفروض أن تصل هذه المعلومة إلى كل الناس ضمانا للشفافية و النزاهة، و تحقيقا للأهداف التي من أجلها كانت القرعة، كأن تنشر للعموممع المذكرة التي تفتح باب الترشيح. ولم لا تكون رهن إشارة كل راغب في معرفتها على موقع الوزارة؟
3) تتساوى كل سنة حظوظ كل المترشحين بغض النظر عما في تلك المساواة من إجحاف يلحق من سبق ترشحهلسنوات. و قد يحدث أن يستفيد من رشح للمرة ألأولى ،و لا يستفيد من رشح للمرة الرابعة أو الخامسة مثلا. و غير مقنع تماما في نظرنا القول بأن القرعة تساوي بين الناس، والحالة أن منهم من يترشح منذ كانت القرعة، و لم يستفد إلى اليوم. غيرمقنع ما يقال من أن القرعة جزء من الاستطاعة المشروطة شرعا. و لن تكون كذلك إلا بإجراء منصف لمن سبق ترشيحه مرات.
4) فتحت القرعة أبواب البحث عن سبل أخرى للتوجه إلى الديار المقدسة كشراء فيزات المجاملة بأثمنة مرتفعة ـ و لايصل إليها أو يستطيعها إلا الميسورون من أبناء شعبنا ـ أو التوجه إلى العمرة خلال شهر رمضان، والبقاء هناك إلى موسم الحج مع ما في ذلك من تصرف قد لا يقبل شرعا، او التوجه إلىالأراضي المقدسة عبر بوابة أوروبا… الخ .هذا يعنى أن الهدف من تحديد عدد الحجاج لا يتحقق بوجود حجاج خارج التحديد الرسمي،الشيء الذي يحمل بالضرورة على إعادة النظر في نظام القرعة بشكل يصرف من حرمته القرعة عن البحث عنطريق توصله إلى مبتغاه مهما كان حكمها الشرعي. و قد حدث أن سمعت من قال في قوله تعالى: (و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: وردت كلمة سبيلا نكرة لفسح المجال لكل السبل. و عندي أن ما فسح المجال لمثل هذا القول سوى نتائج هذه الطريقة.
5 ) يروج بين الناس ما يعتري عملية القرعة ، و الله وحده أعلم بحقيقة ما يقال. فقد قيل ما قيل إن صدقا و إن كذبا. غير أنهذا الكلام يفرض التغيير ، والعمل على الحد مما يقال إن كان موجودا ، أو يبعد عن التفكير فيه إن لم يكن موجودا إلا في أذهان بعض الناس فحسب.
و يبدو أن هذه الملاحظات و غيرها مما لم نذكره تطرح أسئلة ملحة و مؤرقة. و واجب في تقديرنا أن تجيب عنها وزارة الأوقاف لإرضاء تطلعات المواطنين الملحة و المشروعة إلى زيارة الديار المقدسة،و لتحقيق الحكامة التي كثر الحديث عنها هذه الأيام. و هي باختصار:
1) هل لدى وزارة الأوقاف إحصاء للمغاربة الذين يرشحون أنفسهم منذ بداية القرعة بانتظام دون أن يتمكنوا من الاستفادة إلى تاريخ اليوم؟ و بالتالي، هل لديها أرقام للحجاج الذين استفادوا من القرعة للحج مرة ثانية أو ثالثة فما فوق؟ و كم تمثلهذه الشريحة من عدد الحجاج كل موسم؟ ألا تشعرها هذهالوضعية بضرورة مراجعة و تطوير نظام القرعة؟
2) ألا تفكر الوزارة في ضرورة الحد من ترشيحات من سبق لهمالحج، و لا تسمح لهم بالمعاودة تطوعا إلا أن يكون ذلك مع وكالة سياحية معينه لحج هذه الشريحة في حدود ضيقة جدا عندالاقتضاء؟ و ترك الفرصة لمن لم يؤد الفريضة بعد.
3) لماذا لا تنشر المناصب المخصصة لكل عمالة و لكل قيادة ضماناللشفافية، وتفاديا لما يمكن أن يترتب عن عدم وصولها لكل الناسمن تجاوزات أو حتى أوهام؟
4) ألا تشعر الوزارة بأنه قد بات لزاما و بالضرورة إدخال تعديلات على نظام القرعة بشكل يضمن إنصاف من سبق لهم الترشيح مرات متكررة؟
5) لماذا لا تأخذ الوزارة بتجربة نظام القرعة بشكل أكثر إنصافا. و ذلك بالسماح بتعدد الأغلفة داخل الصندوق بتعدد مرات الترشيح لكل مرشح، فيكون غلاف واحد لمن رشح للمرة الأولى، و غلافان لمن رشح للمرة الثانية و ستة أغلفة لمن رشح للمرة السادسة و هكذا….و يبدو لنا و الله أعلم أن في هذا الاجراء إنصافا للجميع:فلا يحرم من استطاع أن يرشح نفسه للمرة الأولى، وتعطى حظوظ إضافية لمن سبق ترشيحه بعدد المرات التي ترشح فيها.وساعتها سيكون راضيا و لو مكرها من لم يستفد و لو رشح للمرة العاشرة. ومتى استفاد تقصى باقي ترشيحاته إن عثر عليها مرة أخرى.
6) ألا يمكن أن تفكر الوزارة يوما في إجراء القرعة عن طريق النظام المعلومياتي كما يجرى به العمل في قرعة المسنين؟
فهل ننتظر من وزارة الأوقاف و و الشؤون الاسلامية و مناللجنة الملكية للحج و من كل الجهات المعنية تقدير ما يحس بهمن حرمته القرعة من حج البيت مرات عديدة متوالية من غبن، وأن تعمل الوزارة على مراجعة قراراتها الادارية بين الحين والآخر ضمانا للشفافية والحكامة والإنصاف. فما القرارات الادارية إلا عمل بشري يتخذ بعد اجتهاد، ولكنه قد لا يخلو من قصور ـ طبيعة العمل البشري ـ و لا يستعصي على المراجعة كلما كانتضرورية، وما نراها إلا ضرورية الآن. فالكمال لله وحده، و لا خشية من المراجعة.فهل نطمح أن يأتي التسجيل القادم بالجديد؟ذلك ما نرجوه مخلصين، و يرجوه معنا كل المعنيين بهذه القرعةفي هذه البلاد، فقد آن لها أن تتطور.
مواطن مغربي من الجنوب