أهل القاع و الفساد والمعابر
يوم عن يوم يشدد الخناق على اهل القاع,شح في الدقيق,مياه مالحة تستحيي الحيوانات شربها,مسؤولون اداريون يزدادون ثراء على حساب بؤسهم,مشاكل مصطنعة واخرى مفبركة للحفاظ على الوضع,اثرياء يتكاثرون كالفطر بفعل الانحلال القانوني و ضعف الرقابة على مال الامة,مسؤولون كبار ينتظرون انتهاء مهامهم بسلام و كلهم خوف و رعب من ان يكون كصاحب اليد الخاطئة التي امتدت الي وجه البوعزيزي لينفجر نارا احرقت الظالمين ولازالت كرة النار تدور عبر الاصقاع لتشتعل كلما وجدت هشيما وقوده الفساد.فالفساد في مدينة اهل القاع هو رديف الاستقرار,فكلما همس الناس مستنكرين الفساد الا ويواجهون بما يؤرق عيشهم,فعليهم العيش مع الفساد وعليه التطبيع مع اهله,وألا يحاولوا في يوم من الايام التفكير في محاربته فهو مواطن كامل الحقوق وليس عليه واجبات,والدليل على ذلك انه كل من تمسك بالفساد صار ثريا وصاحب نفوذفي مدينة اهل القاع,وكل من حاول الاخلاص بقي اولاده بدون قوت وبقيت جيوبه فارغة بفعل الديون.
لكن اهل القاع يؤمنون بأن الحال لن يبقى على ماهو عليه,فيوما عن يوم تنفض عرى التماسك ويطرح التساؤل:الى متى يبقى هذا الفساد جاثما على الصدور كاتما للانفاس؟اليست الدولة بكل مؤسساتها هي التزام اخلاقي في اول امره وعندما ينحل هذا الالتزام تنحل معه التعاقدات؟
والملاحظ لحركية المؤسسات وخصوصا التابعة للداخلية وتحديدا العمالة ومع قدوم العامل الجديد سيستنتج ان هناك استقراء مفاده ان الامور لم تعد كما كانت عليه:اوباش وجردان يسكنها الخوف و الفوبيا من المخزن,فالجوع والحرمان مدرستان صارمتان تعلمان الفرد بأن صوت البطن اكبر من صوت العقل وان كل واحد منا مهما خاف فهو يخفي بين جنباته غولا يتحين الخروج.فلم تعد العمالة تلك المؤسسة العمومية التي يلجها البسطاء من الشعب والذين يشكلون وقود الحراك الاجتماعي,بل اصبحت تشبه معقلا من معاقل الرومان وكأنها تخفي اسرارا يخشى عليها من التسرب,او غرفة عمليات سرية تدار بكامل التكتم.فالاسوار العالية المعتمة في زمن المكاتب الزجاجية والمعبرين الذين يذكران الناس بمعابر الضفة والقطاع وسيارات الشرطة الرابضة يوميا على مداخل المعابر وتلك الحركية للقوات المساعدة ومكافحة الشعب والتي هي في كامل الاهبة و كأنها تتوجس من القادم من الايام.
فأهل القاع ضحايا لجلادين كثر, منهم الاداريون ومنهم مرتزقة المجتمع المدني والذي فاحت رائحة بعض المنتسبين اليه لتحالفهم مع المخابرات وقوى الظلم,فمنهم من يشرب الجعة والويسكي ويرقص طربا بخيانته العظمى في فنادق اربابها فحول فساد,ومنهم من اخذ مالا من المبادرة واغتنى به و منهم من يمارس الوشاية ومنهم من همه معرفة العامل والقايد و…فساد ومفسدون في كل زمان ومكان,انكمش القانون وترك مكانه للتسلط واستغلال النفوذ,فلن يستطيع اي قانون في مدينة اهل القاع ان يحاسب المفسدين,ففساد مدينتهم هو ابن فساد اكبر,ففساد العمالة والبلدية والجماعات هو وجه آخر لفساد اعظم,وفساد المجتمع المدني بمافيه النقابات والجمعيات والاحزاب نتيجة حتمية لبنية فاسدة منذ تأسيسها.
لكن التاريخ ليست كل احداثه منظمة, فهناك العفوية وهناك الارتجالية التي تصنع فارقا بين الامس واليوم وهناك محاكم الشعب التي لاتسامح ابدا.
العربي