الحكومة المغربية وسياسة افتعال الصراعات الوهمية لتجنب الاشكالات الحقيقية‎

0 412

نتتبع ما يقع في المغرب بمرارة و نصفق لكوادر المشهد الحزبي بحرارة ،هذه الكائنات السياسية التي تعرف متى تنام و متى تستفيق ونومها لا يعني بالضرورة دخولها ضروب اللاوعي، بقدرما يفسر دخولها عالم المثول و البحث عن أحلام تستطيع من خلالها أن تبيع الوهم للشعب عند عودتها لعالمها المادي لتصطدم بعكسية نتائج ممارستها وما تمثلته في أحلامها.
هي إذا دورة تبتغي منها ضمان الاستمرارية على نطاق واسع ،دورة بنيت أساسا على الهروب لفضاء الأحلام لتسويق الأوهام في تناقض حدي مع مجريات الواقع.

عبد الكبير بران –

لا نحتاج كثيرا من الأدوات لتشريح خطاب بن كيران و قاموسه المفاهيمي كل شيء يبدو مفهوما فالسيد رئيس الحكومة الذي يعتبر لغته بنية حزبية و تابت لما لها من ايجابيات خاصة على مستوى شعبية وصيت الحزب في المجتمع المغربي، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن اغلب المتعاطفين و طاقات الحزب أسسوا تصورهم له بناءا على طبيعة الخطاب الذي ينسجه كوادر الحزب بلغة مغربية شعبية تراثية تخاطب الكبير و تسلبه، وتحرج الصغير و المثقف و تلزمه بتجاوز الرمزيات في فهمه ،خطاب من السهل الممتنع لا يحمل ألغام قد تنفجر لكنه لا يخلوا مما قلنا عنه سالفا مؤشرات الهروب إلى الأمام و السفر عبر جسور الخطابة إلى عوالم أخرى غير عوالمنا.
ففي جميع خرجات رئيس الحكومة العادية و الاستثنائية منها، سواء في مخاطبته للنخبة أوالعامية يحرص السيد بن كيران على ترميم مضان الخطاب و تلقيحها بما يمكن أن يثير حفيظة البعض و يستلهم البعض الاخر. و بين هذا وذاك نقف و لا نكاد نفرق بين رئيس حكومة و ممثل مسرحي حتى أن بعض الفكاهيين المغاربة أصبحوا يخشون على مكانتهم من النجومية المتصاعدة له، وكلمة حق للتاريخ فهو يستحق جائزة من جوائز فن المسرح الوطنية إن لم نقل دولية نظرا لازدواجية خلقه للحدث الفكاهي على المسرحين معا الدولي و المحلي.
و كونه بطل جميع المسرحيات لا يجب أن ينسينا الفاعلين الاخرين بما في ذلك الجمهور المغربي الذي يتابع إنتاجات استهلكت في ما مضى، لأن القاعدة تقول بأن كل ما لا يحضى من برامج بمتابعة الجمهور فهو غير ناجح. فعندما يتحدث السيد عن صندوق المقاصة و استراتيجيته الجديدة في القضاء عليه دون المس بالفقراء ممن يستفيدون منه، على اعتبار أن المستفيد الاكبر من الصندوق هم الميسورين و لنقل البرجوازية و أنه يكلف ضعف ما يمكن تخصيصه للدعم ،فإنه يخيرنا بين شيئين أحلاهما مر فإما أن نلزم الصمت و نترك كل شيء إلى يوم الحساب أو نثور و نخلق لأنفسنا متنفس جديد يعيد الكل الى نقطة الصفر و لا انطلاقة بتعبئة رصيد البعض دون اخر.
والاستاد لم يفكر في حلول أخرى من قبيل زيادة الضريبة على دخل هذه الفئة التي لا تحتاج للدعم و تستفيد منه، هذا إذا كانت أصلا تؤدي ضرائب، وإذا كانت لغة إنصاف الفقراء و المحتاجين هي الأنسب لبعث الروح في المجتمع المغربي، فالأجدر بالحكومة أن تنظر إلى مسار شبابه قبل شيوخه،إذ أن حل أزمة البطالة بتشغيل حشود المعطلين من خريجي الجامعات و المعاهد الوطنية من شأنه أن يساعد على رفع مستوى دخل الأسر المغربية الفقيرة والمعوزة و لا سيما أن جنيالوجية هؤلاء الخريجين من هذه الأسر.
ولنتساءل من المستفيد الأكبر من مشروع الحكومة إذا افترضنا جدلا أنها نجحت في تطبيق مخططاته ،أعتقد لا حاجة لنا بالتذكير بالشبكة الاخطبوطية لهيمنة الهوليدينغ الملكي على جميع شركات المواد الاساسية .
وتجسيدا لميزة التناقض والارتجالية كطبيعة في تشريعات و قرارات الحكومة بين النظرية و الممارسة ،حاول السيد نجيب بوليف أن يخفف من كارثية ما سيسفر عنه تعويض الصندوق بالدعم المباشر ،قائلا بإجبارية القرار لا اختياريته و إلزامية تنزيله و لو مرحليا عبر الزيادة التدريجية في الأسعار، معللا ذلك بازدياد نفقات الصندوق بحيث ارتفعت الى أكثر من خمسين مليار دهم في هذه السنة مقارنة مع السنتين الماضيتين التي كانت منحصرة في أربعين مليار درهم.
في الحقيقة إن مفهوم الاستهداف للفقراء التي جاءت به الحكومة و تنتظر شارة الضوء الاخضر من القصر لأجرأته بما هو مفهوم ،فهو كذلك علميا لكنه عمليا استهداف القدرة الشرائية و مكتسبات كادحي و فقراء الوطن.
فبمجرد ما قامت الحكومة بجس نبض للشارع أول من تفاعل و انفعل هم أصحاب الشركات التي تحتكر المواد الاساسية،فغابت قنينات الغاز في العديد من المدن بما في ذلك العاصمة الاقتصادية، وأخد العديد من التجار الكبار و أصحاب المحلات في التهافت على المواد المعنية بأمر الزيادة لاحتكارها استعدادا لفتح رواج السوق السوداء .
نتدكر جميعا ما حدث في تسعينيات القرن الماضي عندما هددت شركة جرما التى تقوم بتوزيع منتوج الخميرة هددت بحضر منتوجاتها في السوق المغربية ما لم توافق الدولة على طلبها القاضي بالبرفع من أسعار هذه المادة من ناحية و كذا في حالة ما لم تستفد من تخفيضات ضريبية من ناحية أخرى، فعم السخط بين مختلف شرائح المجتمع و هنا جاء تدخل الحسن الثاني بإقناع الشركة بالاستمرار في تموين السوق مع الابقاء على نفس الأثمان شريطة أن تعمل على نقص كمية إحدى المواد المهمة التي تتشكل منها الخميرة .
و إذا قمنا بمقاربة بسيطة فإن ما يحدث هذه الايام في قنينة الغاز لا يختلف عن حادثة الخميرة، ذلك أن الدولة تدخلت لتمنع من الزيادة في أسعارها غير أنها لم تمنع من تقليص كمية الغاز فيها و على الرغم من الاختلاف الكبير لا من حيت السياق أو الواقعتين إلا أن الاطراف المستفيدة واحدة بين الدولة و الباطرونا في إطار صلة الروابط الشخصية التي تقضي بأن تحفظ الدولة مصالح الرأسماليون بسلطتها بينما يتكلف هم بضمان حصة الساسة من أرباح الشركات و التي تعد نتاج موضوعي لسياستهم .
أيها المغاربة انتبهوا …بموازاة مع المستجدات الحكومية في مجال السياسات العامة و تدبير الشأن العام ،تلفت انتباهنا أجواء ائتلافها الذي يظهر أحد مكوناته في حركة مد و جزر في مواقفه اتجاه مقررات تدبر بإسمه وأمام انظاره كتابيا ويتنكر لها شفهيا.
فقبل شهور معدودة خلق السيد حميد شباط المفاجأة بوصوله لأقصى هرم سلطة أقدم حزب سياسي في المغرب و منذ ذلك الحين انتصر للشق النقابي على السياسي في شخصه و شن حربا كلامية على حلفاءه مما جعل الجميع يتنبأ بسقوط مدوي لهذه الحكومة، لكن لا شيء من ذلك حدث بل العكس من ذلك أصبح كل من بالحكومة يقول أن كل ما حدث بين قيادتي التحالف أمر عاد و هو صحي لهذا التحالف و في تراثنا الشعبي و أمثاله ما يكفي لفهم هذه الحالات الشاذة إذ يسقط على الامين العام لحزب الاستقلال المثل المغربي القائل (كيدق الباب و يقول شكون ) يصادق حزبه على المقترحات الحكومية جماعيا و يتبرأ منها إعلاميا .
ونحن ندرجه ضمن نطاق التحصيل الحاصل لا لشيء إلا لإدراكنا بأن النفاق السياسي تيمة و أس من أسس المشهد الحزبي بالمغرب و كذلك اعتبارا لكون هذه حرب وهمية افتعلوها من أجل تجنب الصراع الحقيقي، ويحاولون تمويه الرأي العام بأن حكومتهم تضم أغلبية و معارضة (افتراضية ) بما يفسر إخضاع كل المقترحات للنقد العلمي قبل أي تطبيق عملي من جانب و استغناءهم عن نقد المعارضة (الحقيقية ) من جانب أخر و عندما اكتشفوا بأن كل ما يحاك في دواليبهم لا صدى له عند القواعد الشعبية عادوا ليتحدوا.
قد يقول قائل أننا اقتصرنا على قصف الحكومة في اغلبيتها دون معارضتها لكن حتما هذا سؤال في طياته جواب لاعتبارين أولها أننا نتاول الحكومة كوحدة لا تتجزأ و ثانيهما أن أطياف المعارضة اليوم لا تعدو أن تكون إلا ترسانة بشرية سياسية استهلكت حمولتها الاديولوجية وانتهت مدة صلاحيتها فمعارضو اليوم هم فرقاء في أغلبية الامس على أن الثابت يبقى المخزن بهياكله و آليات عمله بينما تظل الحكومة متغيرا يجعل منها اداة و ألية من أدوات خدمة هذا الثابت و تدبير أزماته.
لذلك فحتى و إن اختلقوا لأنفسهم صراعات فهي تبقى غير ذي جدوى ما دامت معالم اطراف الصراع الحقيقي قد اتضحت للعيان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.