إنها نخبتنا، كما يقال؟

0 410

مشهد من المشاهد :

طبيب مشهور، أوقفته آلة مراقبة عند تأهبه للخروج من سوق تجاري بمراكش. السبب : انتشل قلما، لا تتعدى قيمته دولارين. حينما، استفسرته عناصر الحراسة بدأ يلعن الجميع يمينا وشمالا، جاهرا بنسبه الشريف، وإنه من عائلة تنتسب إلى آل الفيلة، وجاب العالم، وقرأ هناك، وصاحب ذاك… و،  و … . بالتالي، سيبعث بالجميع إلى غياهب الجحيم.

مشهد من المشاهد :

طبيب مشهور، وبروفيسور أيضا، كما الألقاب والتسميات عندنا مطروحة في الطريق، حاد الطبع، سريع الغضب، منفوخ الريش دائما، يزبد ويرغي لأي سبب. ذات مرة، خاض معركة حامية الوطيس، مع صاحب دكان في الحي. تطور الجدال، حينما ألحّ هذا الأخير بتأدية ما عليه من دين. أزال البروفيسور ملابسه مستعرضا عضلاته مثل أي صعلوك، كما أشهر سكينا على طريقة قطاع الطرق.

مشهد من المشاهد :

طبيب بروفيسور، ليس ذائع الصيت، لكن الناس يتداولون مهنيته. اللوحة، المنتصبة عند مدخل عيادته، مليئة حتى التخمة، بمحطاته العلمية : ستراسبورغ، بوردو، المستشفى العسكري، كندا، كليات الطب، خبير، أستاذ مبرّز،… . سقطت فقط إشارة واحدة، ولعلها الأهم : جمّاع للمال وعاشق للقرش. لذلك، يقضي يومياته يجوب مصحات مراكش، بحثا عن الوكلاء والسماسرة. حدث، أن وقعتُ بين مخالبه، لإجراء عملية جراحية، بسيطة لأمي، تتعلق بإزالة الحويصلة الصفراء. شرع يساومني بالدرهم وأخيه وابن عمه،  وأن أصب أمامه لا غير، المبلغ الذي أراده عدّا ونقدا قبل شروعه في العمل وإلا فأرض الله واسعة. أظهر بطولة نادرة، على وقع صرخات مريضة تئنّ ألما. أين نحن، من قداسة الدكتور أبو قراط وشفايتزر وجورج حبش وغيفارا وطبيب القلب مايكل  دبغي… ؟.

مشهد من المشاهد :

كلية، يتبجح أهلها بالدعوة للأخلاق الحميدة، ومبدأ تربّى قبل تعلم، وتراثنا، والتصوف، والوطنية الصادقة وهلم جرا. أعلن السيد عميدها، عن إجراء مباراة، لتوظيف مترشح واحد. بعدما، انتقى علاّمة زمانه، وفريد عصره، الملفات المعروضة حسب شهادة الدكتوراه والسيرة العلمية وموسوعية المترشحين، استدعى خمسة مساكين، وقع عليهم الاختيار من مختلف أنحاء المغرب، وخلال عز قيظ مراكش، شرع واثنين من زبانيته، يقذفون كل مترشح بأسئلة هلامية كأنهم سيوظفونه في الاستخبارات الأمريكية. أدى، الرجل دوره السينمائي بإتقان مفرط، واحترم مختلف الإجراءات الروتينية، التي تبيّن فيما بعد، بأنها كانت ضحكا على الذقون، لأن المنصب الشاغر، اختلقه كرما لابنته المصونة، والمباراة مجرد تأثيث للوهم.

 

 

مشهد من المشاهد :

واحد من هؤلاء الخمسة، الذين اكتووا بنار تلك الحقارة، التي لا يقدم عليها، حتى شارون سيئ الذكر، على الأقل مع أبناء جلدته، وإلا لما بنوا وطنا قويا، متراصا. أقول، من شدة وقع المكيدة عليه، استرسل في شكواه، عبر الهاتف لاسم، يعتبر نفسه مثقفا بارزا، متشبعا حتى أظافره، بمتون بياجي وفوكو ودريدا … . لذلك، احتج وبدأ يصرخ عبر الهاتف، بأن المغرب رحمة الله عليه، وقد أضحت جامعاته مرتعا للبيع والشراء، وأهلها برعوا في إنتاج أنواع الخسّة والنذالة، بينما في عهده عمل الجميع، كي تبقى الجامعة حصنا حصينا لتطوير الإنسان وتشذيب الحجر، و … و…، و … . لكنه، قبل أن ينهي مرافعته ، فاجأ الضحية المعطل، بطلب سلفة مالية تبلغ مئتا دولار، لأن، الديون تحيط به من كل جانب. لم يتمالك الشاب أعصابه، ألقى بسماعة الهاتف،  بكل قواه إلى أن تمزق بطنها إربا إربا.

مشهد من المشاهد :

وزير سابق، عضو بارز في حزب سياسي، يدعي أبوته الشرعية على جميع الأحزاب المغربية، وظل ينظر إلى كل المختلفين، كما يفعل الأب مع أبنائه المنحرفين الضالين. أتذكر، جيدا قدرة هذا الوزير على فبركة اللغة وتليينها وتلوينها وتسويغها، دون فرملة ولا كابح، حينما كان رئيسا لفريقه الحزبي في البرلمان سنوات التسعينات. لكن، إلى جانب مهاراته الشفوية، اشتهر عند الناس أكثر بأمواج لعاب تحول شفتيه حين خطبته إلى طبقة من البَرَد، تثير التقزز لدى المشاهدين، الذين كانوا على أية حال ينتظرون بفارغ الصبر الجلسات البرلمانية، مثلما يترقبون اليوم مباريات البارسا. المهم، أن الوزير يدير مكتبا كبيرا للمحاماة، يستدرج إليه شبابا حاصلا على ديبلومات في القانون، كي يسحقهم استغلالا إلى أن يسترجعوا آخر قطرة من حليب أثداء أمهاتهم : استقطاب الزبناء، الانكباب على الملفات، الترفيه على الوزير بتهيء الليالي الحمراء، ثم الهتاف له في الانتخابات، وتجييش الحشود… . هكذا تتآكل أحذيتهم، صبرا لثلاث أو أربع سنوات كأدنى تقدير، ولا يقتنصون منه قرشا مثقوبا. فقط، يجدون سلواهم، في أن فخامة الوزير المناضل لن يخون وعده لهم بتعبيده السبل كي يلتحقوا رسميا بمهنة المحاماة. لم يتحقق الأمر، مع جل عناصر الأفواج، التي أتعبها الوزير بجشعه اللامحدود. أما، ابنه المدلّل، فلا يعرف سره كيف تحول بقدرة قادر إلى صيدلاني، باسم شهادة مكتوبة باللغة السنسكريتية، ادعى دائما انتسابه لمؤسسة رومانية. لهذا، كلما تصادف واستفسره أحدهم عن المكونات الكيماوية لدواء من الأدوية، تبنى جهله للعربية والفرنسية والإنجليزية. ومن كثرة الحرج، وخوفا من التورط، انقطع كليا عن الذهاب إلى الصيدلية، كي يقدم نفسه إلى الزبائن، باعتباره الدكتور. لذلك، فالوزير يملأ روزنامة برنامج جيئة وذهابا، من وإلى صيدلية ابنه، كي يتجسس على ما يقع، ويبعث بالأخبار ضازجة إلى ابنه، وبين الفينة والأخرى، يعلل حضوره برغبته في اقتناء مهيج جنسي من باب الخير والإحسان لصديقه. مع  تكراره للمقولة ذاتها. أصبح، عمال الصيدلة  يستبقونه بالقول : قل ! يا سعادة الوزير، لصديقك أن لا يفرط، وإلا سقط قبل موعده.

مشهد من المشاهد :

نجل الوزير، الدكتور الصيدلاني، كما يشهد بذلك الرومانيون، لا يجمعه مع الخلطات البيولوجية، إلا الوقار والقطيعة. عفوا، تلك العلبة الحديدية، التي تمده بأرزاق العباد، يغيب عن الصيدلية لشهور طويلة، وإذا حدث وحضر، يلتحق به أعضاء الشلة، ممن سقطوا إلى هذا العالم بمظلات من ذهب، فهذا ابن الجنرال، والثاني أبوه برلماني، وذاك سليل عائلة مقاولين تحولوا هكذا إلى مقاومين، تعدت مشاريعهم المغرب… . هكذا تصطف سيارات آخر موديل، ويتحلقون حول طاولة يقضون ساعات طويلة في لعب الورق.

مشهد من المشاهد :

مدرس جامعي، يدرس كل شيء، الأنثروبولوجيا، الإتنولوجيا، البلاغة، الديونطولوجيا، السيميائيات، الفن، تاريخ السينما، إلخ. حينما رأى جنازة الجابري، التفت إلى زوجته، وهو يقول مزهوا : أف ! لقد انتهينا من هذا الرجل، والعقبى لأمثاله. هذا المدرس كان يلعن اللحظات التي أضاعها في ندوة من الندوات ، إذا انعدمت أطباق الحلوى، وغابت ملاحم الولائم.

مشهد من المشاهد :

المدرس “المبرّز” في كل تلك المعارف المشار إليها أعلاه، قد يمضي ظهيرة بأكملها في سوق الأغنام، ينقب عن كبش فحل، سمين، أقرن،  وإلا فلا طعم للعيد، كما يخبر زملاءه باستمرار، وسيتعكر مزاجه لأسابيع، إذا أخفق في تحقيق هذه الأمنية التاريخية.

مشهد من المشاهد :

مسؤول كبير في جامعة العلم، باغثوه ذات يوم داخل مكتبه، ممتطيا مؤخرة إحدى عاملات التنظيف، المغلوب على أمرها. لم يجد مبررا لفعلته الشنيعة، غير تأكيده، بأن المرأة هي من تعمدت قصدا الالتصاق بجسده، بالتالي سيتدبر سلوكها مع اللجنة التأديبية، كي تطردها شر طردة وإلى غير رجعة.

مشهد من المشاهد

سياسوي نافذ، يمارس السياسة بنفس منطق الخردة التي ولج بواسطتها عالم المال والأعمال، يتاجر في كل شيء، من الأحزاب إلى البيرة والمواد الغذائية، فالقوادة، ورخص البناء، وهلم ما خطر على بالك. يقضي النهار كله في مقهى من مقاهيه المتعددة، يفرق المهام ويوزعها، على جيوش غوغاء القوم. المفارقة، أنه كلما أراد تلبية نزواته ، يشير إلى فتاة بدوية تشتغل لديه في المقهى نفسها. إلى الآن، لا يعلم البغل، الخبر الذي يتناقله الناس همسا، بحيث اشتكت الفتاة المسكينة لإحداهن من رائحته الكريهة والعفنة، فانفضح الأمر. صاحبنا، لا يغسل جسده إلا فيما ندر، فما بالك بعقله السياسي !

مشهد من المشاهد :

سعيـد بوخليـط – باحث مغربي

صديق من أصدقاء الطفولة، هاجر نحو صقلية، واختفى هناك حتى إشعار آخر. حكاية غريبة، عاشها هذا الفندقي الشاب مع ضابط للشرطة. فخلال، إحدى مناسبات عيد الأضحى، تزامن وأن كان يؤدي عمله بالفندق، واقتربت منه فرنسية شمطاء من نزلاء الفندق، قادها فضولها كي يطلعها على حيثيات جنائز الأكباش. وبعد أخذ ورد، انتهى الكلام عند ثمن اللحوم في المغرب، ومستوى استهلاك المغاربة، وكذا درجات السعرات الحرارية التي تخزنها أجسامهم. أخبرها، الصديق، بأن قوافل طويلة من المغاربة، ليست لهم المقدرة على استيفاء غرامات من اللحم، بسبب غلاء أثمنتها.  أصيبت الفرنسية بفزع شديد، ففاجأته، باستفسار تهكمي : ((أحقا، يستحيل عليكم الظفر بالغنم في بلد الأغنام ؟ !)). أدرك الشاب خبايا كلامها، فرد بكل قواه في وجهها، بأن المغاربة هم من قاتلوا النازيين نيابة عن الفرنسيين، وأنجبوا رموزا من عيار عبد الكريم الخطابي والمهدي بن بركة وسعيدة المنبهي وعمر بن جلون، وغيرهم كثير. الشمطاء، اعتبرت جوابه سلوكا عدوانيا، فأسرعت مشتكية إلى مدير الفندق، الذي أحضر الشرطة على وجه السرعة. تسمر الضابط، يستنطقهما، صعدت الفرنسية إلى أعالي السماء، حاول الصديق التدخل، وجه له الضابط، لكمتان متتاليتان من الوزن الثقيل : ((أي شأن لجدّ أمك، بالغنم، ولا القْلا…؟؟، أنت تفهم أفضل من الجميع، نكونوا أغنام ولا حمير، شغول القْحْـ… ؟؟ امّوك، الهِِمَاج (يقصد الهمج) … !!). ثم، ألقوا به إلى الشارع. منذئذ، كلما سمعهم أو رآهم، يتشدقون نفاقا وبهتانا بالوطن، ضحك حتى خارت قواه.

مشاهد من مشهد لا غير :

مرض المغرب، من تعفن نخبته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.