الجهوية الموسعة بالمغرب، إشاعة للامركزية أو تكريس للهامشية

1 433

أسالت مسألة الجهوية المرتقبة بالمغرب مداد العديد من الباحثين، تراوحت ألوانه ما بين من يتصورها كتجربة لا مناص من الدخول فيها لتحصيل التقدم على اعتبار أن الجهوية أصبحت تشكل احدى أهم المعايير التى تقاس وتصنف بها الدول في سلم التقدم، وذلك بحسب تقدم جهويتها أو اخفاقها أو تراجعها، وبين من يرى فيها ترسانة نظرية علمية للتغيير غير مضمونة النتائج عمليا، شأنها في ذلك شأن بعض المخططات التي دأبت الدولة على النزول بها بين الفينة و الأخرى وهي في غالبيتها مقتبسة من دول أوربية قطعت أشواطا في مستويات عدة كالديموقراطية وحقوق الإنسان وعلى سبيل المثال لا الحصر تلك التي جاءت على شاكلة مدونات بدءا بالأسرة ومرورا بمدونة الشغل ثم مدونة السير من دول اسكندنافيا وقس على ذلك.

عبد الكبير بران –

ولما كان لمخطط الجهوي من القضايا التي عليها مدار النقاش في دواليب الحكومة -في الوقت الراهن – رأينا بوجوب تقديم وجهة نظرنا من أجل الاسهام في بلورة خيارات تنسجم مع خصوصية المغرب الجيوسياسية والسوسيواقتصادية، من خلال ملامسة هذا المشروع ومقاربة الاشكالات التي يطرحها والتي تفرض نفسها بإلحاح على أي مهتم بمثل هكذا قضايا من قبيل إلى أي حد يمكن اعتبار مقترح الجهوية الموسعة طرحا مؤهلا لتقدم الدولة في مجال التنمية؟ ثم ألا يطرح هذا المقترح سؤال المعايير والمقاييس المعتمدة في هذا التقسيم؟ وما مدى انسجامه مع خصوصيات المناطق وإمكانياتها ؟
وقبل خوض غمار الاجابة عن هذا و ذاك من الاسئلة ، دعونا نقف عند بعض النماذج الجهوية، التي عرفتها بلدان أخرى حتى يتسنى لنا رصد المغرب من زاويتها، علما أن الطرح الجهوي كما روج له في الصفقات الإعلامية استفاد منها الكثير، وحسبنا أن نشير إلى أن أوربا لم تعرف انطلاق جهوية حديثة إلا مع السبعينيات من القرن العشرين في خضم التطورات والحوارات السياسية التى أبرزت تمظهرات أزمة الدولة الأمة الموروثة عن القرن التاسع عشر، والتى كانت فرنسا نموذجها الأمثل.
وما يعبر أكثر عن الوضعية هي إيطاليا بتجربة 1970 وبلجيكا في نفس السنة، وفرنسا في 1972، واسبانيا بتجربة 1978، وكذا المملكة المتحدة في 1979.
ذلك أن فرنسا طرحت الجهوية في 1972 كخيار و رد فعل عن فشل المشروع الديغولي لسنة 1969 وبعد احداث 1968 الدامية، بهدف إدماج النخب المحلية في المشروع الحدثي للدولة وتعزز ذلك مع إصلاح 1982.غير أن الأمر لا يعدو أن يكون إلا إطارا جغرافيا محددا لتطبيق سياسة التنمية الجهوية للحكومة المركزية، وكان على فرنسا انتظار 1991 لتعرف تقدم في مستوى جهويتها عندما أعلنت عن نظم كورسيكا وهو عبارة عن حكم ذاتي لوحدة ترابية بمؤسسات مختلفة واختصاصات واسعة.
واستمر مسلسل التجديد منذ 2002 حتى 2005 بموجب دستور 28 مارس 2003. فيما يتعلق بالتنظيم للامركزي والجهوي بوضع قانون مبدأ الاستقلال المالي للوحدات الترابية واتخاذ خطوة باتجاه تقليص عدد الجهات من 22 إلى 15 جهةّ.
أما في المغرب فيرى بعض المهتمين أن 1971 شكلت سنة انطلاق اللامركزية الجهوية بالإعلان عن تقسيم البلاد إلى سبع جهات اقتصادية (ضهير 16يونيو1971 رقم17177). بتعريف الجهة كإطار اقتصادي سيتم ضمنه القيام بالدراسات وإنجاز البرامج من أجل تحقيق تنمية منسجمة قبل أن تتم مراجعة هذا التقسيم. ويتبدى لهم أن دستور 1992، هو بمثابة نص حاسم عندما اعتبر الجماعات المحلية بالمملكة و حصرها في العمالات و الأقاليم و الجماعات الحضرية، وأعاد تأكيدها دستور 1996. و جاء بعد ذلك ما يسمى بجهوية 1997،والتي على ضوء مراجعتها ستبدأ فكرة الجهوية المقبلة في التبلور.
ولا يسعنا هنا بسط رؤية تحليلية لنمودج المغربي بقدرما نهدف إلى إثارة زوبعة قلق ذهنية حول بعض نواقص و سلبياته، فبغض النظر عن حضور هاجس المقاربة الامنية بتمفصل مع مشروع الحكم الذاتي، فالقول بأن الجهوية قادرة على إعادة تأطير الهوامش وتنظيم علاقتهم بالمركز في سياق التنازل والتوافق هو ضرب من ضروب الوهم، إذ يكشف هذا الشروع عن تتناقض صريح على مستوى النظري قبل التطبيقي ويتجلى ذلك في سعيه إلى إشاعة السلطة بينما يصطدم مع طبيعة النظام السياسي ببنيته القائمة على الملكية الفردية لوسائل الانتاج واحتكار حقل السلطة .
والجدير بالذكر أن التقسيم المجالي الجديد غير عادل إذ عمدت الدولة إلى عزل المجالات الواحية – درعة تافيلالت فيكيك – مما من شأنه أن يساعد على تحديد نسب عوزها بغية تركيز الدعم المخصص لها، لكن هذه التبريرات لا تفي بالمطلوب في إقناعنا لأن النقيض من ذلك -والاقرب إلى الصواب- هو أن الطرح الجهوي لا يزيد إلا تكريس الهامشية و حرمان جهات بعينها من الاستفادة من الثروة الوطنية في إطار التكامل و التكافل الاستراتيجي الوطني.
كما أن الدولة هنا أسست لمفارقة غريبة بين الرغبة في تنازلها عن صلاحيات سلطوية في ميدان تدبير الشأن السياسي لهذه الجهات من ناحية بينما تجردها من الدعم الاقتصادي من ناحية أخرى، فإذا أخدنا النموذج الكونفدرالي الاقليمي الذي أتينا على ذكره فإن هذه المناطق -درعة تافيلالت فيكيك – لا تحتاج إلى الرمزي بقدر ما هي في حاجة ماسة للمادي، والحاجة إلى المادي لا تعني بالضرورة عدم توفرها على امكانيات ومؤهلات سواء تعلق الأمر بالمنتوج السياحي أو المنتجات المحلية أو ببعض الثروات الطبيعية كالنحاس والفضة غير أنها لا تستفيد منها في شيء، دون أن ننسى إسهامات رأسمالها البشري في تغطية حاجة البلاد من اليد العاملة في العديد من المجالات الصناعية والحرفية التي تنسجم مع بنية الانسان المتأثرة بجغرافية ومناخ تلك الرقع .
وعندما أوردنا الدعم فذلك في سياق التكامل بين الجهات، وليس على النسق الذي قالت به الجهات الرسمية، وحتى على مستوى طرح هذه الاخيرة، فنحن نعرف و نعي كيف يقدم الدعم وطبيعته ومن المسؤول عليه و لفهم هذه المعادلة يمكن ان نعرج في هذا السياق عند مثال بسيط، ففي حدود السنتين الاخيرتين من القرن الماضي أقدمت الدولة على الاستيلاء على أدنه النقل الجامعي التي يستفيد منها طلبة الجنوب الشرقي واستبدالها بمبلغ نقدي يوازي حجم التذاكر الممنوحة لهم حسب الرحلات، ومع مرور الزمن أخذت قيمة المبلغ في الانخفاض إلى أن وصلت إلى مائتي درهم فقط للطالب سنويا، ويعزى ذلك إلى الأيادي المسؤولة عن توزيع هذه القيمة النقدية وما تتميز به من خصائص وبراعة في التزوير واحترافية في الاختلاس ، مستفيدة من صمت الرأي العام المحلي بما في ذلك الشريحة المعنية بالمكتسب.
وهناك نماذج أخرى تؤسس لما ذهبنا إليه بشان المسؤولين ،من قبيل دقيق المعروف في الاوساط الشعبية ب “البون ” الذي يفترض أن يستفيد منه المعوزين ودوي الدخل المحدود و الفقراء في حين يخضع في توزيعه إلى منطق الاحتكار ويتم بيعه بأثمنة خيالية في السوق السوداء بسب مروره عبر قنطرة دوي النفود والسلطة المتحكمين في قنوات الامداد.
وبالعودة الى مستهل النقاش ،فيما يتعلق بالاقتباس من الأخر تراهن الحكومة المغربية على ما حققته الجهوية من نجاحات في البلدان الغربية أكثر مما تهتم بما سيسفر عنه إقرار النموذج في المغرب، خاصة الأم فرنسا كأرقى هذه التجارب والبراديغم بالنسبة لنا والنموذج الفرنسي لا غيره في إطار الطاعة التي فرضها الإرث التاريخي المشترك والتبعية الكولونيالية والارتباط العضوي الذي تم نسج خيوطه عبر اتفاقيات “اتفاقية 20 مايو 1956” وغيرها والتي لم تكن وفقط إطارا موجه ومتحكم في مكنزمات العلاقات الفرنسية المغربية في ذلك الوقت بقدر ما رسمت في الافق معالم هذه العلاقات و اطارها المرجعي في مرحلة ما بعد الاستقلال المترابط و في اتجاه مصالح فرنسا.
حتى أننا نلمس نوعا من الازدواجية في تبني التجربة الفرنسية، إذ أن الحكومة لم تكتفي بشرح ما ألت إليه فرنسا بعد اعتمادها الجهوية لإقناع المغاربة بضرورة تبني هذا الخيار الديموقرطي التشاركي على حد قولها بل أرسلت بعثة علمية إلى فرنسا للتكوين والتتلمذ على يد خبراء ومختصين في هذا الشأن الجهوي وسبل تنزيله وإنجاحه، وهنا نتساءل ماذا بعد عودة هذه الاطر هل ستعمل بأليات وأجهزة نظرية فرنسية أو ستعمل على تكييفها و تبيئة مفاهيمها، وإذا كان الأمر كذلك فما محل االخصوصية المغربية من الإعراب ثم أننا لا يجب أن نغفل بأن الدول الأوربية انخرطت في إطار المشروع الوحدوي مند مدة وما الجهوية إلا مقاربة جديدة فرضت نفسها لأجل خدمة هذا المشروع أكثر من خدمة الاجندة المحلية لكل بلد على حدة.
وعموما فالمزيد من استنطاق مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب في ارتباطه بالأخر الفرنسي سيجعلنا نصطدم ونصطدم بفرضيات تجعل من ما سلف ليس إلا بعثا للروح في مقاربة ليوطي حول الازدواجية المغربية بين مغرب نافع ومغرب غير نافع.
وكيفما كان الحال فقراءة معكوسة لخطاب الحكومة تتيح فرص جديدة للشعب ذلك أن استمرارها على نهج سابقتها في تمرير مخططات المخزن لا يمكن أن نفهم منه إلا أنه رسالة مشفرة لمن يقوى على فك رموز الرسائل من هذا النوع لاستدراك ما فات في ربيع الثورات والخروج من دائرة الاستثناء وما يعضد ذلك هو الوثيرة التي تسعى بها إلى أجرأة هذه المخططات وكذلك أعدادها فمن صندوق المقاصة إلى الجهوية ومن الجهوية إلى …فإلى أين بالمغرب يا ساسة .

تعليق 1
  1. المغرب غير النافع يقول

    مقال جيد فمربط الفرس والحل يبتدئ من فك رموز الرسالة المشفرة ” فبغض النظر عن حضور هاجس المقاربة الامنية بتمفصل مع مشروع الحكم الذاتي، فالقول بأن الجهوية قادرة على إعادة تأطير الهوامش وتنظيم علاقتهم بالمركز في سياق التنازل والتوافق هو ضرب من ضروب الوهم، إذ يكشف هذا الشروع عن تناقض صريح على مستوى النظري قبل التطبيقي ويتجلى ذلك في سعيه إلى إشاعة السلطة بينما يصطدم مع طبيعة النظام السياسي ببنيته القائمة على الملكية الفردية لوسائل الانتاج واحتكار حقل السلطة .”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.