أمير المؤمنين يترأس الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445 هـ
ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، و صاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، السبت 23 مارس الجاري، بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445 هـ.
و ألقى الدرس بين يدي أمير المؤمنين، السيد مصطفى البحياوي، أستاذ كرسي التفسير بالكراسي العلمية، متناولا بالدرس و التحليل موضوع “عرض الأمانة بين ميثاق الفطرة و كمال الشرعة”.
و أبرز المحاضر في مستهل هذا الدرس أن “آية الأمانة”، من حيث موضوعها، “تعرف بأنباء غيب موغل في القدم متصل بتاريخ الدين و وحدته منوهة من خلال ذلك بعرض الأمانة على العوالم الماثلة، و ضمنها العوالم العاقلة، للفت النظر إلى وصفين متأصلين في الإنسان، و اللذين شكلا عائقا في طريق تحمله و إئتمانه : ظلمه اللصيق و جهله العميق”.
و أشار السيد البحياوي إلى وجود ثلاث نظائر لآية الأمانة في الكتاب الحكيم، و هي آية الأعراف (و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى…)، و آية الإستخلاف (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة…)، و آية الأمانة، أو “آية سورة تآمر الأحلاف على قيم الإستخلاف”.
و أوضح أن وضع آية الأمانة من الناحية البيانية يشكل بلاغا كاملا يجعل من النص الكريم كوثر معان لا يتناهى، مشيرا في هذا الصدد إلى أن النص الكريم تخي ر الأسنى من الألفاظ الجامعة كلفظ العرض و لفظ الأمانة و لفظ الحمل.
و من الناحية المصحفية، أشار المحاضر إلى أن آية الأمانة توجد ضمن سورة الأحزاب الثالثة و الثلاثين في ترتيب التلاوة بين سورتي السجدة و سبأ، و هي سورة ندائية مدنية.
و أبرز أن المراد من آية الأمانة “التنبيه إلى قدم العرض، و تقرير أصالة الإستخلاف و شرف المستخلف و أهليته بالتلقي المزدوج، و التعريض المثنى بالمتلقي- التعريض به و التعريض له، أي لفت نظره إلى ما فيه مما يفتأ يقطعه أو يصرعه و التنبه بالمقابل إلى أسرار عروجه عبر مدارج العلم و العدل ضدا على الظلم و الجهل”.
و أكد أن الرسالة المستصحبة من تدبر “آية الأمانة” هي أن الأمانة أودعت في جذر قلوب الناس حيث جذر الإيمان، فهي بذلك نزوع فطري لدى الانسان، و بمقتضاها كان متدينا أصالة، فهو ينزع إلى التوحيد بدل التعديد، و إلى الحق عوض الباطل، و إلى القصد ضدا عن التطرف و الشذوذ، و إلى النظام رفضا للفوضى و العبث.
و أبرز المحاضر أن “هذا الجذر ككل جذر مستنبت في عالم الشهادة بحاجة إلى أن ي تعهد، و تعهده هنا بما هو مناسب له بالذكر علما و تزكية مددا و سندا، و إلا ظل مهملا أو مفتوحا على الخارج المضاد بفتنته، فضاع أو كاد و سبب ضياعه عموم الفساد”، مضيفا أن الإنسان متمدن بطبيعته، و من ثم فهو قابل للتخلق بالأخلاق الفاضلة، ذلك أنه أخلاقي بالفطرة.
و أشار السيد البحياوي إلى أنه ينبغي للإنسان أن يرى أن الوجود المؤتمن بالتسخير ممثلا بالعوالم المائلة إنما نصب ليدل على الله بآياته و ليصل الموصول منه بمدده و آلائه، كما ينبغي عليه أن يرى الوجود المؤتمن عليه إئتمان بالتخيير، فيشعر بثقل الأمانة التي حملها و شرف المسؤولية التي و كلت إليه فيخشى من أن تغلب حريته أمانته، أو تصادر أنانيته غيريته، فيقطع عن سر الوصل و مدده المنبه عليه في آية الإستخلاف بالفعلين علم و تلقى.
وخلص إلى أنه ينبغي أن ينظر الإنسان بعين الإكبار لهذا القرار الممثل بالإنتداب برسم العرض الأسنى في حضرة العوالم ذات المعنى ليطلع منه الإنسان على أنه هو “هو”، منتدب من قبل ربه الذي هو “هو”، منتدب لأمر كبر على الأكوان أن تحمله، و ليشهد رحمة ربه به إذ دله على مكامن ضعفه، كما دله على ثنائي معراجيته بالتنبيه بضد وصفيه علما و عدلا، و ختم رسالته إليه بسر الحب لديه، حيث قابل نعتي عبده ظلوما جهولا بوصفيه تعالى غفورا رحيما.
و في ختام هذا الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأستاذ الشيخ محمد أحمد محمد حسين المفتي العام للقدس و الديار الفلسطينية بفلسطين، و الأستاذ إسماعيل لطفي جافاكيا رئيس جامعة فطاني بجنوب التايلاند، و الأستاذ رافع إبن عاشور أستاذ بجامعة قرطاج و قاضي بالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان بتونس، و الأستاذ الحاج عبد الله المشري من علماء موريتانيا، و الأستاذ يوغو بوبكار رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية بوركينا فاسو، و الأستاذ داود دينيس كريل أستاذ باحث في معهد الدراسات حول العالم العربي و الاسلامي بفرنسا.
كما تقدم للسلام على أمير المؤمنين الأستاذ الشيخ مصطفى دياترا مستشار الخليفة العام للطريقة المريدية بجمهورية السنغال، و الأستاذ عبد الكريم ديوباتي رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غينيا، و الأستاذ الشيخ إبراهيم ناصر نياس الأمين العام للإتحاد الإسلامي الإفريقي بجمهورية السنغال، و الأستاذ علمي عبد الله عطر رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية جيبوتي، و الأستاذ أحمد سعيد ولد أباه رئيس جامعة شنقيط العصرية بنواكشوط.
إثر ذلك، قدم وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة، حفظه الله، حاملا إلكترونيا يتضمن قراءة جماعية للقرآن الكريم (60 حزبا) بالصوت و الصورة لمرشدات معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين و المرشدات.
وكالات