المغرب الكبير: التجزئة والتهميش
يمثل ، نزاع الصحراء الغربية أحد العوائق الجوهرية أمام قيام تعاون مغربي-جزائري.ويكبح أيضا ، مسار التبادلات الذي يمكن تطويره مع تونس. مع أن إرساء دعائم تعاون سياسي و اقتصادي ، سيساعد على حسم لقضايا تهم الضفة الجنوبية للمتوسط.
على بعد كيلوميترات من مدينة وجدة ، عاصمة المنطقة الشرقية للمغرب ، ستصدم الزائر وضعية عبثية : الطريق نحو الجزائر ،مقفل بأدوات الأشغال العمومية . شخصيات أمنية تتسكع ، و صمت رهيب يسود المكان الذي يفترض أن يكون نقطة عبور مزدحمة ، بين البلدين الأكثر كثافة سكانية ، المنتميان إلى أفريقيا الشمالية .صمت ، يعكس خلافا بين الرباط و الجزائر ، امتد لجيل من الزمان.في المقابل ، ونحن ننحدر نحو الجنوب ، صوب مدينة فكيك ، نجد الجنود الجزائريين ، يعبرون الحدود بهدوء كي يتناولوا قهوة داخل تراب المملكة.أيضا ينتقل ، المغاربة إلى الجهة الأخرى ،قصد وصل الرحم بأبناء عمومتهم الجمهوريين ،دون أن يحس أي شخص بعيب في تبادل هذه الزيارات العائلية.
تكلفة غياب الوحدة المغاربية ، قد تعكسها مجالات مختلفة : طاقة ،
أبناك ، مواصلات ، صناعات غدائية ، تعليم ، ثقافة أو سياحة. إن التعامل التجاري بين دول شمال أفريقيا ، يساوي% 1،3 من مجموع مبادلاتهم الخارجية ، و هي النسبة الإ قليمية الأضعف في العالم.
محاضرتان ، معنونتان ب”” من تكلفة انعدام وحدة مغاربية إلى النمرالأ فريقي الشمالي”” ثم تقرير لمعهد “بيترسون” ، أوضحتا بإ سهاب الا متيازات التي ستعود بالخير على شعوب أ فريقيا الشمالية ، في حالة فتح الحدود . حينما ، يلتقي رؤساء المقاولات المغاربيين ، يكشف جلهم عن رغبة وحيدة ، تلك المتعلقة بالا نتشار وسط فضاء يتسامى عن كل طابع للتجزئة بين دول المنطقة.
يؤدي الفقراء مثل الأغنياء ،ثمن عجز النخب عن بلورة مشروع مشترك.في حين ، يعيش العالم هزات غير مسبوقة منذ 1945 ،يظل المغرب الكبير غائبا عن صانعي القرار. بحيث ، لم تتقدم بلدانه باقتراحات ،إلى المجموعة الأوروبية ، بخصوص و ضعيتها في ما يعرف بمسلسل برشلونة.فهل ستكون فعالة بالنسبة للأخير ،أو كذا الاتحاد من أجل المتوسط؟ يجدر بنا ،التشكيك في الأمر.
يزخر المغرب الكبير، بموارد شتى : البيترول ،الغاز ،والفوسفاط بوفرة و إنتاج فلاحي متنوع يتصف غالبا بالجودة-مقابل عجز متزايد على مستوى إنتاج الحبوب-ومناظر طبيعية رائعة ،تجذب إليها عشرات الملايين من السياح الأجانب كل سنة. تتصف مكونات ساكنة المنطقة بأنها شابة نسبيا ، تملك مهارات ،تطورت بقوة منذ استقلالات هذه البلدان.التحول الديمغرافي جلي-ارتفاع نسبة الولادات ، و انحدار خط الوفيات إلى مستويات أكثر ضعفا- فا ستمر ولوج ملايين الشباب إلى سوق الشغل ، غير أن أكثر من 50% منهم قد مستهم البطالة.بالتالي ،
تدارك هذا التدفق ،اقتضى منذ عقدين إيقاعا للنمو يتجاوز كثيرا ماتعرفه الصين.بناء عليه ،فضياع نقطتين من النمو بسبب بقاء الحدود مغلقة يشكل تحديا.
طيلة سنوات ، ألقى آلاف الأشخاص بأنفسهم في البحر الأبيض المتوسط ،سعيا للحصول على عمل في أوروبا.أيضا ، يهاجر أصحاب الشواهد العليا-أحيانا ما يعادل نصف فوج من خريجي مدرسة للمهندسين-لأنهم ،نادرا ما يعثرون على و ظائف داخل بلدانهم ، مادامت الأوليغارشيات تستأثر غالبا بأهم المناصب لأبنائها.
ثمان ملياردولار ،كثروة خاصة تهرب من المنطقة كل سنة ، و تضاف إلى المخزون الموجود ، الذي يقدر ب200 مليار دولار.لذا ، سنشاهد تشكل ما سماه عبد الرحمن الحاج ناصر ،المحافظ السابق للبنك الجزائري ،ب”بورجوازية حديثة” خارج حدود المغرب الكبير.
منذ تأسيس قرطاجة ، سبعة قرون قبل العهد المسيحي ،أدركت
أفريقياالشمالية ، كيفية لعب دور استراتجي و التأثير في شؤون العالم :
خلال القرن السابع عشرة ،حازت أساطيل سلا و الجزائر و تونس على شهادات التقدير بحيث لا حظنا آنذاك ، و بالضبط سنة 1660 حضورا أكبر للانجليز في المغرب و الجزائر ، قياسا بمستعمرات العالم الجديد كما تعامل رِؤساء الدول الأوروبيين مع المسؤولين المغاربة ،على قدم المساواة. حاليا ، ينبغي على المغرب الكبير أن يتحمل تبعات تفككه ، ليس فقط أمام اوروبا ، بل العالم قاطبة.
لنبرز ، كلفة غياب منظومة مغاربية ،على المستوى الطاقي: تعتبرالجزائر ، المزود الثالث لأوروبا بالغاز ، بعد روسيا و النرويج.أما المغرب ، فيضم ما يقارب نصف ا حتياطي العالم من الفوسفاط ، لكن من أجل تحويله إلى سماد ، ينبغي توفر الطاقة و الكبريت و كذا الأمونياك ،
وهي ثلاث معطيات تمتلكها الجزائر بكثرة و بأثمنة جد تنافسية.
من بين الأسواق الكبرى ، لسماد المكتب الشريف للفوسفاط ، نجد أسواق الهند و الصين و البرازيل.شراكة بين سونتراك الجزائرية، المقاولة العمومية التي لعبت دورا مركزيا في الصناعة البترولية الوطنية والمكتب الشريف للفوسفاط ،يمكنها الارتقاء بالمغرب إلى القاعدة الأكثر قدرة على إنتاج السمادفي العالم ،ستجذب إلى أثرها مقاولات متعددة مرخص لها و مستثمرين من القارات الخمس ،دون أخذ بعين الاعتبار ، عددا لا يحصى من فرص الشغل.
با ستثناء الحقوق المالية ،التي يجنيها المغرب ، جراء مرور أنبوب الغاز الجزائري نحو شبه الجزيرة الايبيرية ، من طرف شركة
gazoduc pedro duran farell » le فلا وجود لتعاون بين البلدين الجارين.أكثر من ذلك ، سيدخل عما قريب ، أنبوب غاز ثان حيز الاستعمال ، يربط ثانية مباشرة الجزائر و إ سبا نيا ،بينما لم يتم كليا الاستفادة من ممكنات الأنبوب الأول.
أما ،فيما يتعلق بخسائر غياب وحدة مغاربية ، على مستوى صناعة السيارات. فلم تخطر على بال ، أي مسؤول جزائري فكرة تأسيس صندوق سيادي و استغلال ظروف الأزمة ، من أجل المبادرة إ لى القيام با ستثمار استراتجي في شركة “رونو” أو كل مقاولة دولية بهدف دعم نقل تكنولوجي ، تحتاج إ ليه المنطقة بشدة.فامتلاك ،جزء من رأسمال هذه المؤسسة ،و التفاوض مع المغرب بغية تحويل مشروع طنجة-سيتم تصنيع كل سنة 400ألف سيارة- إ لى مقاولة مشتركة مع فرنسا و الجزائر.من فكر في هذه الأشياء؟.
إ ن الرفض الجزائري المطلق ،كي تتصور مثل هذا النوع من الاشتغال الاستراتجي ، يستند إ لى مبررين : الرغبة ، في الابقاء على احتكاركلي لموارد البلد ،وهو ما يستبعدكل تسوية يقتضي تنظيمها نوعا من الشفافية ،وكذا تطبيق القواعد الاحتراسية المعروفة دوليا. ثانيا ، الغياب داخل تشكيلة الفريق الحكومي الجزائري ،لأشخاص بوسعهم تخيل سيناريوهات كهاته.في المقابل ،أيضا نظام الحكم في الدولة المغربية ،لا يبادر أبدا من أجل تفعيل تعاون كهذا.
كذلك ،نتلمس التكلفة السلبية لغياب وحدة مغاربية ، على مستوى الصناعة الفلاحية. فخلال فترة طويلة ، شكلت الممارسات المعيقة لتحقيق سياسة فلاحية مشتركة ،عقبات أمام تصدير الحوامض والطماطم الأفريقية الشمالية ،نحو أوروبا.لكن فيما بعد ، ساهم تحريرها وكذا ثورة العادات الاستهلاكية الغذائية للمغاربيين ، والتغيرات الاستراتجية الدولية للصناعة الزراعية ، ثم نهاية المساعدات الأوروبية لصادرات الحبوب ، وبروزداخل البلدان الثلاث لجيل من المقاولين الخواص الطموحين . جميعها ، عوامل تظافرت من أجل قلب الوضعية.
تساهم التبادلات ، داخل نفس القطاع الزراعي-الصناعة الزراعية لا تنزاح عن هذه القاعدة- بطريقة جوهرية في تحقيق النمو : يمكن للمنطقة المغاربية ، أن تقدم مختبرا للاختبارات ،قدر ارتباط الصناعة الزراعية ،بقطاع ضخم يوظف اليد العاملة. هكذا ، ينبغي علينا فقط رؤية التطور الهائل لصادرات زيت الزيتون التونسية ،والشراكة في هذا القطاع بين شركات تونسية و إ سبانية و كذا بعث جديد لزراعة الكروم التي أهملت لفترة طويلة ، حتى في الجزائر ، من أجل إ دراك الأبعاد التي يمكن أن توفرها العلاقات المعاصرة بين المقاولات الخاصة المغاربية و أوروباعلى مستوى التحويلات التكنولوجية و كذا أسواق التصدير و الثروات.
بغير فتح للحدود ، كيف ستوظف بطريقة أفضل المؤهلات التي تزخر بها المنطقة؟. كيف سنحمي ،هذه الثروات السمكية و الحيوانية؟ . كيف سنعمل على ترشيد إلى أبعد حد استغلال المصادر المائية؟ . كيف سنقلص الاعتماد على الحبوب المستوردة؟.لقد خلقت آثار العولمة ، تغيرات متزايدة : أجسام متحولة وراثيا ، تغير مناخي ، تكلفة الطاقة ، التحكم في الأوبئةالعامة .
في عالم ،ترتفع أسعار موارده الغذائية ، مما يهدد أقطار المغرب المستوردة للحبوب ،تمثل الاستفادة من المضامين الايجابية للعولمة مع الحذرمن نتائجها السلبية ،تحديا حقيقيا ينبغي الرهان عليه قصد مساعدة الطبقات القروية الفقيرة : كل تطور للقطاع الفلاحي ،سيقلص الفارق بين البوادي و الحواضر.
يصدر المغرب وتونس ، منتوجات غذائية إلى أوروبا أو غيرها. أيضا في الجزائر ،تطورت بسرعة استثمارات الخواص.مع كل هذا ، تبقى التبادلات المحلية منخفضة جدا ، اللهم إ ذا اعتبرنا زراعة القنب الهندي منتوجا! المقاولون الخواص المغاربة، يجدون أنفسهم في وضعية انجذاب بين رغبتهم المتعطشة لبناء علاقات تشاركية على مستوى المنطقة والعالم، وكذا مختلف المصاعب التي عليهم مواجهتها بهذا الخصوص.
على مستوى هذا القطاع، و كذا مجالات أخرى، يتحتم على المغاربيين إ ذابة الجليد الذي يكتسي علاقاتهم. واصل المغرب و تونس تطوير شراكتهما و صادراتهما إ لى العالم، لكن كثيرا من القضايا المشتركة تبقى بلا جواب. سوريالية الوضعية، تتجاوز بالأحرى كثيرا ثقافة المطبخ داخل المغرب الكبيروبلدان البحر الأبيض المتوسط،المثيرة اكثر فأكثر لاهتمام العالم.هذه الثقافة المشتركة، التي تتوغل جذورها في التاريخ، لا يمكن التعبير عنها بمصطلحات القيمة المضافة- استثمارات،
إ نتاج،و ظائف- إ لا ببناء مقاولات على امتداد المغرب الكبير،والتعاون مع الشركات الدولية الفاعلة في المنطقة.
إ جمال،ما يثيرالمتتبع هو الحالات القليلة التي تستفيد منهاالنخب المغاربية،وسط شتات متعدد وموهوب،يعيش بين أوروبا و أمريكا و الشرق الأدنى.وضع، لا يرقى أبدا إلى أدوار نخب الصين و الهند.تتجاهل السلطات هذه العتبة الرائعة على العالم.لأن هؤلاء الشباب، يشيدون جسورا مع باقي الكون. المغاربة، المستقرون بالخارج،يبعثون كل سنة إلى وطنهم الأصلي، مبلغا من العملة الصعبة، تتجاوز أهميته
الا ستثمارات الخارجية المباشرة، يملكون6 مليار أورو كمستودعات في أرصدة بنكية مغربية، أي مجموع38% .
متى، سيطلب المغرب و الجزائر و تونس، من مهاجريهم أن يصبحوا سفراء للحداثة داخل بلدانهم الأصلية؟ متى سنجد في المغرب الكبير، معادلا للمجموعة الهندية “.The Indus Entrepreneurs”
التي تأسست سنة 1992 في منطقة “la silicon valley”والتي تضم أكثر من 12 الف عنصرا يتقاسمهم 14 بلدا.
من جانبها،تبقى أوروبا فاترة : لا تقدم على ا قتراح مشاريع طموحة، إ لى جيرانها في الجنوب، ذلك أن نخبها ووسائل
إ علامها ، تنمي في أغلب الأحيان الخوف من الآخر، المماثل للا سلام
الراديكالي.لقد أرست سياسة للتأشيرة، أهم مايميزها طابعها الكافكاوي،
مادامت تعوق حتى تحرك النخب.
أوروبا، تصنف أفريقيا الشمالية بمثابة مشكلة، وترفض تغيير هذه الرؤية، و إ عادة التعامل معها باعتبارها جزءا من تقديم أجوبة لهموم أوروبية خاصة، مثل شيخوخة ساكنتها و كذا الصعود القوي للصين.
هامش :
*للاطلاع على النص الأصلي،ينبغي الرجوع الى :
Francis Ghilés : maniére de voir. numéro
121. 2012.pp. 54-58.
*صاحب المقالة،ينتمي الى مركز الدراسات الدولية .برشلونة.