أجواء روحانية في ليلة القدر بمسجد الكتبية بمراكش
شهد مسجد الكتبية مساء السبت، و على غرار مختلف المساجد التي تفوح بعبق التاريخ عبر ربوع المملكة، إقبالا كبيرا للمصلين الذين حجوا لإحياء ليلة القدر المباركة في أجواء روحانية مفعمة بالخشوع و السكينة ممزوجة بأصالة و عراقة هذا الصرح الديني.
و توافد الآلاف من المصلين من مختلف الأعمار، شيبا و شبابا و نساء و أطفالا، و من أحياء متعددة بالمدينة الحمراء، على هذه المعلمة الدينية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، و التي أعادت فتح أبوابها في وجه المصلين بعد الإنتهاء من أشغال الإصلاح و الترميم التي خضعت لها على إثر زلزال 8 شتنبر الماضي، لإحياء هذه الليلة العظيمة في جو تعبدي روحاني ملؤه التبتل إلى الله تعالى، لإغتنام فضائل هذا الشهر الفضيل، و تطهير النفس و الإرتقاء بها إلى مدارج الطهر و النقاء.
و تعتاد نسبة كبيرة من المراكشيين على إحياء هذه الليلة المباركة داخل هذا الصرح الديني و الثقافي و المعماري الشامخ لما له من مكانة خاصة في قلوبهم، أملا في التعرض للنفحات الربانية التي تميز هذه الليلة التي أنزل فيها القرآن، عن سائر ليالي الشهر الفضيل.
و يحرص غالبية المصلين متأبطين سجاداتهم، على التوجه صوب هذه المعلمة الدينية العريقة المجاورة لساحة جامع الفنا التاريخية و التي يزداد حبهم لها خلال شهر الصيام لأداء صلاة التراويح، قبيل آذان صلاة العشاء، بل أكثر من ذلك هناك من يفضل تناول وجبة الإفطار داخل المسجد ليضمن مكانه في الصفوف الأمامية، و ذلك للتعرض لنفحات ربانية في جو تعبدي تعمه السكينة و الطمأنينة و مفعم بالتقوى و الإيمان.
و يغص المسجد بجموع المصلين لتمتد صفوفهم إلى الفضاءات و الساحات المجاورة لهذه المعلمة الدينية الحضارية، بعدما تم تنظيفها و تجهيزها بمبكرات الصوت و تأثيثها بالأفرشة و الإنارة الخارجية و وضع حواجز حديدية لتيسير حركة السير و الجولان حول المسجد، إلى جانب وحدة طبية و سيارة إسعاف من أجل التدخل في حال حدوث أي طارئ و ذلك حرصا على راحة و طمأنينة المصلين.
و يستوقف المشهد المهيب لجموع المصلين، و هم متراصون كالبنيان المرصوص، مستسلمون بين يدي الله عز و جل، منغمسون في تذوق حلاوة الآيات القرآنية و تدبر معانيها خلف إمام حافظ و متقن و ذي صوت شجي، المارين في الشارع المقابل من السياح الأجانب أثناء توجههم إلى ساحة جامع الفنا ليعيشوا بدورهم هذه الأجواء الروحانية التي تشهدها هذه المنارة الدينية التي تحمل قيم و تعاليم الإسلام دين الوسطية و الإعتدال، و المبنية على العقيدة الأشعرية و المذهب المالكي.
و في تصريح للصحافة، قال المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية لعمالة مراكش، عبد القادر الصبري، أن المندوبية عملت على إعادة فتح مجموعة من المساجد التي خضعت سواء للإصلاح أو الترميم بعدما لحق ببناياتها أضرار جراء زلزال الحوز الذي ضرب المنطقة في شتنبر من السنة الماضية خاصة المساجد المتواجدة بالمدينة العتيقة و على رأسها مسجد الكتبية.
و أضاف أن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بذلت جهدا كبيرا حتى تصلح هذه المعلمة الدينية العريقة و تأهيلها و تجهيزها بأحدث الصوتيات حتى تكون جاهزة خلال شهر رمضان.
و أشار من جهة أخرى، إلى أنه في إطار التنظيم الجيد و المحكم لمختلف الأنشطة الدينية و التأطيرية التي تنظم خلال الشهر الفضيل قامت المندوبية الإقليمية بمجموعة من الترتيبات همت بالأساس، توفير مجموعة من الأئمة و المشفعين لإقامة صلاة التراويح بمختلف مساجد عمالة مراكش، و تجهيز عدد منها بما تحتاجه من أفرشة حتى تكون جاهزة لإستقبال المصلين.
و أضاف أن المندوبية عملت بتنسيق مع المجلس العلمي المحلي على إعداد برنامج الوعظ و الإرشاد و الندوات و المحاضرات و المسابقات القرآنية و الأنشطة الدينية التي تقام خلال الشهر الكريم.
من جانبه، أبرز الحبيب أعنينيش، إمام مسجد الكتبية، أن هذه المعلمة التاريخية التي تحظى بمكانة دينية و معمارية و ثقافية و أيضا سياحية لقربها من ساحة جامع الفنا، يتوافد عليها آلاف المصلين من الرجال و النساء و من مختلف الأعمار لأداء صلاتي العشاء و التراويح على الخصوص.
و أضاف أن المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بجهة مراكش – أسفي، و بتنسيق مع المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بعمالة مراكش، عملت على تهيئة الساحة المحاذية للمسجد لإستقبال هذه الأعداد الغفيرة من المصلين لأداء صلاتي العشاء و التراويح و لإحياء ليلة القدر.
و أشار إلى الأجواء الروحانية التي تعم هذا الصرح الديني الشامخ الذي يحظى بمكانة خاصة في قلوب المراكشيين و لاسيما في شهر رمضان الفضيل، إلى جانب ما يشهده طيلة هذا الشهر من دروس للوعظ و الإرشاد يلقيها علماء مغاربة و أيضا من الخارج من المشاركين في الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بين يدي أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
و شيد المسجد الذي يبلغ ارتفاع صومعته 77 مترا، في عهد الموحدين في 1120، قبل أن يتم تغييره بشكل كبير عام 1162 تحت حكم الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور.
و بمساحة إجمالية تصل إلى 5300 متر مربع، تم ترميم المبنى الأصلي في عام 1990 من قبل وزارة الثقافة.
و علاوة على مكانتها الدينية و الثقافية، تشكل هذه الجوهرة المعمارية المحاذية لجامع الفنا، وجهة سياحية متميزة و رمزا لغنى تاريخ المغرب بشكل عام و مراكش بشكل خاص.
وكالات