ذكرى إسترجاع مدينة سيدي إفني منعطف تاريخي حاسم في مسار الكفاح الوطني من أجل إستكمال الإستقلال الوطني و تحقيق الوحدة الترابية
يخلد الشعب المغربي و في طليعته أسرة المقاومة و أعضاء جيش التحرير، يوم 30 يونيو الجاري، الذكرى ال 55 لإسترجـاع مدينة سيدي إفني و إستكمال الإستقلال الوطني و تحقيق الوحدة الترابية.
ففي يوم 30 يونيو 1969، تم إجلاء قوات الإحتلال الأجنبي عن هذه الربوع الأبية من الوطن التي أبلت البلاء الحسن في مواجهة الوجود الأجنبي و مناهضته ذودا عن حمى الوطن و حياضه و دفاعا عن حوزته و وحدته.
و بهذه المناسبة، ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير في بلاغ، بالإنتفاضات الشعبية بالأطلس و بالريف و بسائر ربوع الوطن إثر فرض عقد الحماية على المغرب يوم 30 مارس 1912، لتؤكد مطلبها المشروع في الحرية و الإستقلال.
و أشارت المندوبية إلى أنه و على غرار سائر المناطق المغربية، قدمت قبائل آيت باعمران الأمثلة الرائعة على روحها النضالية العالية، و تصدت بشجاعة و إباء لمحاولات التوغل و التوسع الأجنبي، حيث خاضت غمار عدة معارك بطولية مسترخصة الغالي و النفيس، صيانة لوحدة الكيان المغربي و دفاعا عن مقدساته الدينية و ثوابته الوطنية.
و ساهم أبناء هذا الإقليم المجاهد، و على هدي الأسلاف و الأجداد و الآباء في الملحمة الخالدة لثورة الملك و الشعب بتزويد المقاومة المسلحة بالشمال بالسلاح و الذخيرة.
كما جسدت مدينة سيدي إفني، تضيف المندوبية، أدوارا رائدة في معركة التحرير و الوحدة الترابية و الوطنية بتعزيزها للخلايا و للمنظمات الفدائية برجال أشداء ذاع صيتهم في ساحة المعارك ضد جحافل القوات الإستعمارية، كما كانت معقلا لتكوين و تأطير رجال المقاومة و جيش التحرير برز من بينهم أبطال أفذاذ أشداء نذروا أنفسهم و أرواحهم وحياتهم من أجل عزة الوطن و الدفاع عن حريته و وحدته.
و سجلت الذاكرة التاريخية الوطنية لقبائل آيت باعمران حضورها القوي و مساهمتها الفعالة في الإنطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 1956 لإستكمال الإستقلال الوطني و تحرير الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت نير الإستعمار الأجنبي، فضلا عن إنغمارها في صنع أمجاد إنتفاضة 23 نونبر 1957 الخالدة التي تناقلت أطوارها الصحف العالمية، مشيدة بإستماتة المقاومين و جيش التحرير و صمودهم و روحهم القتالية العالية و وقوفهم في وجه قوة المستعمر الغاشم.
كما تفاعلت هذه الربوع المجاهدة مع كافة المحطات النضالية التي خاضها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المنيف لإستكمال مسلسل التحرير الذي أعلن عنه جلالة المغفور له محمد الخامس في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958، الذي قال فيه : “…إننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لإسترجاع صحرائنا و كل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ و رغبات السكان، و هكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا على أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة …”.
و في هذا السياق، إستحضرت المندوبية السامية المواجهات و المعارك التي كبد خلالها المجاهدون قوات الإستعمار خسائر فادحة في الأرواح و العتاد على الرغم من قلة العدد و بساطة العتاد، و منها معارك “تبلكوكت”، “بيزري”، “بورصاص”، “تيغزة”، “امللو”، “بيجارفن”، “سيدي محمد بن داوود”، “ألالن”، “تموشا” ومعركة “سيدي إفني”.
و تمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من إجبار القوات الإسبانية على التحصن و الإنزواء بسيدي إفني، كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الإسبانية كي لا يتركوا لقوات الإحتلال مجالا للتحرك.
و لم تتمكن القوات الإستعمارية الإسبانية من فك الحصار عنها إلا بعد الإستنجاد بالقوات الاستعمارية الفرنسية كما حدث في حرب الريف بعد معركة “أنوال” العظيمة، حيث كانت عملية “ايكوفيون” أو “المكنسة” التي فتحت الباب للدخول في مفاوضات سياسية إنتهت بإسترجاع منطقة طرفاية سنة 1958، ثم إسترجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969.
و في هذا الصدد، ذكرت المندوبية بمضامين خطاب جلالة المغفور له الحسن الثاني بمناسبة زيارته لمدينة سيدي إفني في 18 يونيو 1972 و الذي قال فيه : “…أرجو منكم أن تبلغوا تحياتنا إلى سكان الإقليم، وبهذه المناسبة، أبلغ سكان المغرب قاطبة إفتخاري و إعتزازي و حمدي لله و تواضعي أمام جلاله لكونه أنعم علي بأن أكون ثاني الفاتحين لهذه البقعة، أعاننا الله جميعا و سدد خطانا و أعانكم و ألهمكم التوفيق و الرشاد”.
و لم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لمواصلة و تعزيز جهود المغرب في إسترجاع ما تبقى من الأطراف المغتصبة من ترابه، و تكللت التعبئة الشاملة بملحمة أبهرت العالم أجمع، جسدت عبقرية جلالة المغفور له الحسن الثاني التي أبدعت مبادرة رائدة في ملاحم التحرير بتنظيم مسيرة شعبية سلمية و حضارية إستقطبت آلاف المتطوعين و ساندها أشقاء من العالم العربي و الإسلامي ومن العديد من البلدان الصديقة، و سارت و فودهم في مقدمة و طليعة المتطوعين في المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975.
و هكذا، كان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976، و رفرفت الراية المغربية خفاقة في سماء العيون إيذانا ببشرى إنتهاء عهد الإحتلال الإسباني للصحراء المغربية، و إشراقة شمس الوحدة الترابية لبلادنا، من الشمال إلى الجنوب، و من طنجة إلى الكويرة.
و تتواصل مسيرات البناء و إرساء أسس دولة الحق و القانون و المؤسسات في العهد الجديد و الزاهر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، و الإنغمار في مسلسل التقدم و التنمية الشاملة و المستدامة و الدامجة لأقاليمنا الصحراوية لتصبح أقطابا تنموية جهوية، و قاطرة للتنمية الشاملة و المتكاملة بكل أبعادها بأوراش العمل و المشاريع الإستثمارية التي تكرس النموذج التنموي الجديد الرائد و المتواصل ببلادنا في كافة المجالات، و تعزيز ورش الجهوية الموسعة و المتقدمة التي أراد لها جلالة الملك أن تكون نقلة نوعية في مسار الديمقراطية الترابية، في أفق جعل الأقاليم الصحراوية نموذجا ناجحا للجهوية المتقدمة بما يؤهلها لممارسة صلاحيات واسعة، و يعزز تدبيرها الديمقراطي لشؤونها المحلية في سياق ترسيخ مسار ديمقراطي صحيح و خلاق يؤمن إشعاعها كقطب إقتصادي وطني و صلة وصل بين المملكة المغربية و البلدان الأفريقية جنوب الصحراء، و بين دول الشمال و الجنوب.
و بإحتفائها بهذه الذكرى العظيمة التي يحق لكل المغاربة الإعتزاز بحمولتها الوطنية و رمزيتها و قيمتها التاريخية، تؤكد المندوبية أن أسرة المقاومة و جيش التحرير تستحضر ملاحم الكفاح الوطني في سبيل تحقيق الحرية و الإستقلال و الوحدة الترابية، و تستلهم منها قيم الصمود و التعبئة الوطنية المستمرة و الإلتحام الوثيق بين أبناء الشعب المغربي من أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى ربوع الشمال، و تؤكد مجددا تجندها الدائم و الموصول صيانة للوحدة الترابية الراسخة التي لا تزيدها مناورات الخصوم إلا وثوقا و صمودا و ثباتا.
و أبرزت المندوبية أن أسرة المقاومة و جيش التحرير و هي تخلد بإكبار و إجلال الذكرى 55 لإسترجاع مدينة سيدي إفني، فهي تجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية، و تعلن إستعداد أفرادها لإسترخاص الغالي و النفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة و مواصلة المساعي و الجهود لتحقيق التنمية الشاملة و المستدامة لفائدة ساكنتها، و تعبئتهم المستمرة و يقظتهم الموصولة و تجندهم الدائم وراء جلالة الملك، من أجل تثبيت المكاسب الوطنية و الدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، متشبثين بالمبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية.
و قد حظي هذا المشروع، تضيف المندوبية السامية، بالإجماع الشعبي لكافة فئات و شرائح و مكونات الشعب المغربي و أطيافه السياسية و النقابية و الحقوقية و الشبابية، و لقي الدعم و المساندة من المنتظم الأممي الذي إعتبره آلية ديمقراطية و واقعية لإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل حول أحقية المغرب في السيادة على ترابه الوطني من طنجة إلى الكويرة.
و بهذه المناسبة، و ترسيخا للسنة المحمودة و التقليد الموصول للوفاء و البرور و العرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن و أسدوا وضحوا ذودا عن حريته و إستقلاله، ستنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير، يوم فاتح يوليوز المقبل، مهرجانا خطابيا و لقاء تواصليا سيتم خلالهما تكريم صفوة من المنتمين لأسرة المقاومة و جيش التحرير، و كذا توزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الأسرة.
و خلصت المندوبية السامية إلى أنه ستقام إحتفاليات مخلدة لذكرى إسترجاع مدينة سيدي إفني بسائر فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة و التحرير عبر التراب الوطني، و عددها 104 فضاء، ستحتضن مهرجانات خطابية و ندوات و محاضرات علمية و فكرية و لقاءات تواصلية تسلط الأضواء على الصفحات المشرقة و المجيدة لحدث إسترجاع سيدي إفني إلى الوطن.
وكالات