للمرة الثانية خلال هذا العام، يحصي روبيرتو ألفارو خسائر غير متوقعة في مزرعته بولاية بويبلا (ضواحي مكسيكو). فبين ن فوق الماشية بسبب الحر الشديد، أو ضياع المحاصيل بسبب السيول و حتى تدهور حجمها وجودتها نتيجة الحر وقلة الموارد المائية، يبدو هذا الستيني متوجسا من التأثيرات المتزايدة لتقلبات المناخ على نشاطه.
تعتبر ولاية بويبلا واحدة من أكثر مناطق المكسيك اعتدالا من حيث المناخ وأكثرها ملاءمة للأنشطة الزراعية المختلفة، كما تضم مناطق رطبة شاسعة وغنية بالموارد، لكن يبدو أن الوضع قد تغير مع توالي سنوات الجفاف والطقس القاسي في البرد أو الحر.
ورث ألفارو هذه المزرعة عن والده وعمل فيها منذ سنوات الشباب الأولى. في البداية لم ي ش ك قط من تأثير تقلبات الطقس على المحاصيل، لكن يبدو أنه قد ألف، كما أكد لوكالة المغرب العربي للأنباء، توالي “الظروف الجوية المتطرفة” خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل.
مثل ألفارو، يشكو آلاف المزارعين المكسيكيين من “الطقس القاسي” وتأثيراته على نشاطهم، وعلى نحو متزايد، في المناطق أقصى الشمال والجنوب. ففي شمال البلاد أضر ت موجات الحر الشديد وقلة الأمطار بزراعات رئيسية في الاستهلاك اليومي، بينما أتت السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة على آلاف الهكتارات من المحاصيل.
+ تغير المناخ.. بين المواجهة و التكيف +
تعتبر المكسيك عاشر أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، وهي حاليا في المرتبة الحادية عشرة من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، حسب أبحاث أجرتها مجلة “نيتشر” في سنتي 2022 و2023.
تضم البلاد أيضا واحدة من أعلى النسب المائوية للمواطنين القلقين بشأن تقلبات المناخ بنسبة 92 بالمائة، مقارنة بـ63 بالمائة فقط لدى الأمريكيين، كما يرى 88 بالمائة من المكسيكيين أن تغير المناخ قضية مهمة يجب على حكومتهم معالجتها كأولوية، مقارنة بـ58 فقط لدى الأمريكيين. وقد يعكس هذا القلق حقيقة أن المكسيك معرضة بشدة للظواهر المناخية الخطيرة وحتى انعدام الأمن الغذائي والمائي.
في مواجهة هذه المخاطر، كشف استطلاع نشرته صحيفة “إل فينانسييرو” واسعة الانتشار أن سياسات الحكومات المكسيكية المتعاقبة في مجال المناخ لم تكن متسقة. فبعضها اتخذ خطوات لخفض حصة البلاد من التلوث المناخي، وبعضها اكتفى باستغلال الثروة الهائلة للوقود الأحفوري عوض البدائل منخفضة الكربون.
ينجم التلوث المناخي في المكسيك، وفق أبحاث بيئية، عن ثلاثة قطاعات تشمل النقل (30 بالمائة) والطاقة (29 بالمائة) والصناعة (27 بالمائة)، مع زيادة لافتة لانبعاثات قطاع الطاقة في العامين الماضيين، بموازاة انخفاض توليد الكهرباء النظيفة إلى أقل من 22 بالمائة في سنة 2023 بعد أن وصلت إلى 27 بالمائة في 2021.
يتم توليد معظم الطاقة في البلاد من الغاز الطبيعي، ويتم إنتاج أكثر من ثلاثة أرباعها عن طريق حرق الوقود الأحفوري، وهو ما زاد معدل التلوث المناخي العام بنسبة 33 بالمائة تقريبا عن مستويات العام 2000.
ووفقا لأحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن المكسيك “معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، لا سيما الحر الشديد والجفاف، ما قد يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي والمائي، حيث إن العاصمة مكسيكو، سابع أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، معرضة بالفعل لخطر نفاد المياه”.
وحسب دراسة حديثة أجرتها الجامعة الوطنية المستقلة للمكسيك، فقد أدى تغير المناخ حتى الآن إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بالمكسيك بـ25 إلى 30 بالمائة، وقد تدفع هذه التأثيرات ملايين المكسيكيين إلى “الهجرة بسبب المناخ” بحلول عام 2080.
+ 2030.. قد تكون “نقطة تحول المناخ” بالمكسيك +
بالإضافة إلى تقلبات الطقس، تبرز التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ على مستوى الأمن الغذائي، حسب ما أكدت دراسة أنجزها معهد علوم الغلاف الجوي وتغير المناخ التابع للجامعة الوطنية المستقلة للمكسيك.
بحسب الدراسة، فإن “تغير المناخ يفاقم صعوبة التحديات البيئية القائمة والناشئة، إذ يضع عقبات لا حصر لها في طريق تحقيق غالبية أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة”.
وفي المكسيك، تشير الدراسة إلى انخفاض غلة بعض المحاصيل ببعض الولايات بنسبة 5 إلى 20 بالمائة، وهي نسبة قد تصل بحلول نهاية القرن إلى 80 بالمائة، وبالتالي فإن قدرة البلاد على إنتاج غذائها “ستتراجع بشدة”.
وبينما بلغ متوسط الزيادة في درجة الحرارة العالمية 1.1 إلى 1.2 درجة مائوية منذ فترة ما قبل الثورة الصناعية، فقد بلغ متوسطها في المكسيك 1.7 درجة مائوية منذ بداية القرن الماضي، أي أنها ترتفع بوتيرة أكبر.
ومن انعكاسات هذا الارتفاع، كانت سنة 2023 الأكثر جفافا في المكسيك منذ عام 1940 على الأقل، ويعد الشمال المنطقة التي يقل فيها هطول الأمطار سنة بعد أخرى، وفي جنوب البلاد، ارتفعت درجة حرارة مدينة مكسيكو بحوالي 4 درجات مائوية منذ بداية القرن الماضي، حوالي 3 درجات منها بسبب ظاهرة التحضر المعروفة بـ”الجزر الحرارية”.
ووفق أبحاث الجامعة الوطنية المستقلة للمكسيك للتنبؤ بالأثر الاقتصادي لتغير المناخ، فإن الاحتباس الحراري سيكلف مدنا مثل مكسيكو سيتي وغوادالاخارا ومونتيري ما لا يقل عن مليار دولار سنويا بدءا من هذا العقد.
وترى هذه الأبحاث أن 2030 قد تكون نقطة تحول حاسمة في مجال المناخ بالمكسيك، كونها آخر سنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأيضا السنة الموالية لنهاية ولاية الرئيسة المنتخبة كلاوديا شينباوم، التي وعدت بتحقيق “طفرة في مواجهة تغير المناخ”.