صور من السوق الاسبوعي “العشوائي”

2 632

عادل متقي

هل نحن فعلا في مجتمع قيم؟ سؤال يتراقص في ذهن كلَ منَا مثل عدَاد فوكو و حتما يحتفظ كل شخص منَا بصورة سوداوية. كيف لا و قد تطَبعنا على مظاهر اجتماعية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها “بئيسة”.

كلامنا تنابز بالألقاب و معاملاتنا مشاحنات. في السوق، في الشارع، في الحافلة… في كل مكان لا مكان إلا لأقدح الأوصاف و العبارات الخادشة بل و الجارحة أحيانا كثيرة.
نهاية الأسبوع الماضي كنت على موعد آخر للتبضَع. عزمت على غير العادة تغيير الوجهة نحو أحد الأسواق الأسبوعية المقامة بضاحية من ضواحي العاصمة الاقتصادية.
مدخل السوق مكتظ عن آخره. بالكاد تستطيع أن تجد مسلكا بين جحافل البائعين و الزبناء.
عشوائي، ربما هي العبارة الأنسب لوصف السوق. هنا يغيب التنظيم و تختلط السلع و الحرف.
على مسافة غير بعيدة من مدخل السوق، صفَف بائع مبيدات الحشرات و الفئران بضاعته بجانب عطَار توابل. إلى جانبهما نشر أحدهم متلاشيات من أغراض منزلية بالية: أقفال صدئة لا تصلح لشيء، شرائط كاسيط قديمة، براغ متآكلة… أمامه مباشرة، استسلم بائع الحلوى بعد مقاومة شرسة لأسراب الذباب المتجمعة حول حلوياته.
جلبة و صياح يملأن المكان، توجهت نحو بائع الخضر الذي كان “يبرَح” بأعلى صوته معلنا عن خصم سنتيمات إضافية من بضاعته..قدومي كان فأل خير على الرجل، فإقبالي شجع امرأتين و رجل على الاقتناء.
بينما أنتقي حبات الخضر، اقترب مني طفل صغير في سن التمدرس يبيع اكياسا بلاستيكية بإلحاح شديد ثم تلاه متسولان بإلحاح أشدَ.
كانت ثرثرة المرأتان تصل مسامعي. كان واضحا أن إحداهما تلوم الأخرى بعد أن زجَت بها في جمعية “قرعة” فاشلة نتيجة لرفض اثنتان من المنخرطات دفع ما تبقى بذمتيهما من دفعات القرعة بعدما أسعفهما الحظ و كانتا أول القابضين.
ناولني البائع بضاعتي، حولت نظري باحثا عن بائع الدواجن، انتزعني صراخ امرأة من تفكيري، كانت المسكينة تصيح بأعلى صوتها، فقد تعرضت لسرقة من أحد “الشمكارا” على حد قولها الذي نشلها حافظة نقودها أمام مرأى و مسمع من بعض الرجال الذين ظلت تنعتهم بالشمايت و الديوث. اشتد الغيظ بأحد الحاضرين فرد حانقا: “اللهم يطيَر ليك بزطامك ولا يطيَر ليَ أذني”.
تحسَست جيبي خوفا من مصير مشابه، ثم تنبَهت إلى أني لم أستعد باقي المال من بائع الخضر بعد أن غاب تركيزي بسبب حادث المرأة. اتجهت نحو البائع الذي سارع إلى القسم بأغلظ الأيمان على أنه متأكد تمام التأكد من أنه ناولني “صرفي” كاملا. لم تنفع عبارات تطميني، كان انفعال الرجل واضحا، طالعت وجهه في تفرَس، ثلاث ندب بارزة أدركت معها أن الحوار غير مجد في مثل هذه الحالات لهذا آثرت الانصراف تجنبا لأية مواجهة.
كان السوق مكتظا عن آخره، أمواج بشرية متلاطمة: عارضون، زبناء، متسولون، نشالون حمالون و نشالون لصوص… صياح هنا وعبارات نابية خادشة هناك.
للسوق الأسبوعي قانونه، ضبط الأمن و النظام فوق طاقة الأمن و المرء فوق طاقته لا يلام. هنا التجار يعرفون اللصوص لصَا لصَا لكنهم يتجنبون المواجهة بدعوى أنه على المرء أن “يحظي راسو”.
انتابني مزيج من الغربة و الضجر، عزمت أمري على الانصراف، قلت لنفسي السوق النموذجي العصري أرحم، حقا يتطلب الأمر مصروفا أكبر لكنك تشعر براحة أكثر هناك.
تساءلت مع نفسي، لماذا لا يقوم الاكاديميون و الجامعيون بدراسة مستفيضة لأسواقنا العشوائية، سيجدون هناك ضالتهم إذ سيمكنهم السوق حتما من الوقوف على ميولات المغاربة الاستهلاكية و التعرف على نفسانياتهم و رغباتهم فالسوق الأسبوعي يعرف توافد أمواج بشرية من كل الطبقات حتى الأغنياء منهم. للتأكد من ذلك، يكفيك فقط إلقاء نظرة على مربد السيارات لتجد عددا لا يحصى من السيارات الفارهة.
لا ينكر إلا جاهل القيمة الاقتصادية و الاجتماعية التي يمثلها السوق العشوائي بالنسبة لشرائح عديدة من المغاربة، لكنه لا يخفى على أحد بالمقابل التأثير السلبي الذي يخلفه على سلوكهم و معاملاتهم: ففي السوق تتعرض المرأة لكل ضروب التغزل و التحرش و فيه يتلقى الطفل تكوينه من الكلام النابي و العبارات الخادشة.

العبرة المستخلصة من كل ما سبق، أن السوق العشوائي ليس إلا مرآة لسلوكاتنا و نتاجا لمشاكلنا الاجتماعية و الاقتصادية التي لا يمكن حلها إلا بتظافر جهود المسؤولين و المواطنين عبر إحلال النظام و المراقبة و القطيعة مع بعض الممارسات المشينة حتى لا يفوتنا القطار.

2 تعليقات
  1. momed يقول

    brao ci adil tahyati a toi et a ton ami qotbi

  2. من خيمة كبيرة يقول

    أسواقنا عشوائية مثل عقلياتنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.