الصحراء المغربية..تآكل جرف الأطروحة الإنفصالية بأمريكا اللاتينية

0 23

إذا ما كان هناك درس واحد مستفاد من سنة 2024 على مستوى أمريكا اللاتينية في إرتباط بقضية الصحراء المغربية، فإنه ببساطة و وضوح : مثابرة الديبلوماسية المغربية، في ظل توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس التي أعطت ثمارها مما أدى إلى تراجع الطرح الإنفصالي في هذه المنطقة من العالم.

و كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس، قد أكد في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة و الأربعين للمسيرة الخضراء، أن “المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية، تتطلب إستمرار تضافر جهود الجميع”.

بالفعل، فهذه التعبئة المستمرة، التي أكد عليها جلالة الملك، سمحت بإقناع عددا من بلدان أمريكا اللاتينية بعدالة القضية الوطنية و التصدي لمناورات خصوم المملكة.

إبتداء من الإكوادور فبنما، مرورا بالبيرو و البرازيل و الباراغواي، تعددت المواقف الداعمة لقضية الوحدة الترابية للمغربي، و بالرغم من أنها إتخذت أشكالا مختلفة، فإن الأكيد أنها تعكس حقيقة واحدة : مصداقية و جدية مبادرة الحكم الذاتي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

ففي أكتوبر الماضي، قررت جمهورية الإكوادور تعليق إعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية، التي كانت قد إعترفت بها سنة 1983، مع فتح ما يسمى بـ”سفارة” سنة 2009.

و يندرج هذا القرار، الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام صفحة جديدة في العلاقات بين الرباط و كيتو، في إطار إستمرار الدينامية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل تعزيز العلاقات و الصلات مع دول المنطقة ، منذ الجولة الملكية في بلدان أمريكا اللاتينية سنة 2004.

شهر واحد بعد ذلك، تقرر جمهورية بنما، بدورها السير على نفس المنوال من خلال تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع “الجمهورية الصحراوية” الوهمية.

و في معرض تعليقه على هذه الإنتصارات المتتالية، إعتبر ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الشؤون الخارجية البيروفي الأسبق، و الخبير المرموق في مجال القانون الدولي، أن توالي عمليات سحب الإعتراف بالجمهورية الوهمية أصبح أمرا “حتميا”.

و أضاف ” كما يعلم الجميع فإن الجمهورية الصحراوية المزعومة غير موجودة بمقتضى القانون الدولي…و قرار بنما يأتي إنسجاما مع التوجه الدولي المتزايد، يوما بعد يوم، و الذي يؤكد الإعتراف بسيادة المملكة المغربية على صحرائها من جهة و يؤكد تأييده المطلق لمقترح الحكم الذاتي من جهة أخرى”.

و إذا كانت بنما أول بلد من بلدان منطقة أمريكا اللاتينية يعترف بالجمهورية الوهمية في سنة 1978، فتجدر الإشارة إلى أن سحبها لهذا الإعتراف، يعد دلالة واضحة على تهاوي و إنكشاف نحو خمسة عقود من الزيف و الأكاذيب تحت وطأة أداء ديبلوماسي مغربي هادئ، إستباقي و دينامي.

و في هذا السياق، أوضح عميد كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، هيرنان أولانو، أن المقاربة التي ينهجها المغرب، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل الدفاع عن وحدته الترابية تعرف تحولا جليا يقوم على “الإنتقال من نهج رد الفعل إلى نهج إستباقي”.

كما أبرز، في هذا السياق، دور الدبلوماسية البرلمانية و منظمات المجتمع المدني في معركة الدفاع عن مغربية الصحراء، و لاسيما على مستوى منطقة أمريكا اللاتينية.

و هكذا، بادر مجلس الشيوخ بباراغواي، في نونبر الماضي، إلى الإعلان عن دعمه الموصول للوحدة الترابية للمغرب، مع حثه حكومة بلاده على إعتماد نفس الموقف.

و إعتبرت المؤسسة التشريعية، في قرار إعتمدته الجلسة العامة للمجلس، أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الوحيد لحل سلمي و عادل و دائم و مقبول من الأطراف، في إطار إحترام سيادة المغرب و وحدته الترابية.

و كان مجلس الشيوخ البرازيلي، قد عبر من جانبه ، في وقت سابق، عن تأييده لمقترح الحكم الذاتي، كما نوه وزير الشؤون الخارجية البرازيلي في الرباط بالجهود الجادة و ذات المصداقية التي يبذلها المغرب من أجل تسوية هذا النزاع.

و في البيرو، التي سحبت في سنة 2023 إعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة، تعالت أصوات برلمانيين و من بينهم النائب إيرنيستو بوستامانتي دونايري، للتأكيد على ضرورة إلتحاق هذا البلد بركب البلدان التي فتحت قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

و على مستوى الهيئات التشريعية الإقليمية، تعززت هذه الدينامية الإيجابية، من خلال الإعلان مؤخرا عن إنشاء المنتدى الإقتصادي المغرب – أمريكا اللاتينية – الكاراييب و الذي يأتي تتويجا للطفرات العديدة التي تحققت على مستوى الديبلوماسية البرلمانية.

و يعكس إحداث هذا المنتدى الذي يجمع مجلس المستشارين و عددا من البرلمانات الإقليمية ببلدان أمريكا اللاتينية و الكاراييب، رغبة أكيدة نحو تعزيز العلاقات الإستراتيجية القائمة بين هذه الأطراف و إنشاء فضاء مؤسساتي رسمي و دائم للحوار البرلماني البين-إقليمي.

و يضم هذا المنتدى، عن الجانب الأمريكي اللاتيني، كلا من برلمان أمريكا الوسطى “بارلاسين”، و برلمان المركوسور “بارلاسور”، و البرلمان الأنديني “برلاندينو”.

و من جهة أخرى، بادر منتدى رؤساء و رئيسات المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى و الكراييب و المكسيك (فوبريل)، الذي يتمتع المغرب داخله بصفة “شريك متقدم”، مؤخرا إلى الإعلان عن إشادته بالمبادرة الملكية الأطلسية، في تعبير جلي و واضح منه عن تأييده للمقاربة المغربية.

و إلى جانب المجالين الديبلوماسي و البرلماني، فقد تمكن المغرب من الظفر بمعركة الوصول إلى الرأي العام الأمريكي اللاتيني و إقناعه، و لاسيما على مستوى الجامعات و وسائل الإعلام، و هو المعطى الذي يكشف بوضوح التآكل التدريجي و المتواصل للأطروحات المتهالكة ل(البوليساريو) و الدعم الإيديولوجي الذي تحظى به على مستوى منتدى ساو باولو.

و يعد تهاوي الأطروحة الإنفصالية على مستوى منطقة أمريكيا اللاتينية مؤشرا حقيقيا على تحول نوعي و طبيعي في تمثلات النخب هذه المنطقة لمسألة الصحراء.

و الواضح أن جرف الصرح الذي شيده الإنفصاليون بأمريكا اللاتينية، بفضل التمويل الجزائري السخي، تآكل و أضحى في طريقه للانهيار بفضل ديبلوماسية مغربية تتمتع بكل صفات و معاني المصداقية و الجدية و المثابرة.

و الأكيد أنه في طريقه إلى التلاشي قريبا و سريعا في مواجهة منطق العقل و الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.