قضية اساتذة سد الخصاص ومشطي التربية غير النظامية “من منظور حقوقي”

0 393

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللبنة التي بنيت عليها منظومة حقوق الإنسان ككل،وهي تمثل تلك المثل العليا المشتركة بين الامم، و التي لها قوة القانون وتسمو على التشريعات الوطنية و الإقليمية…و الغرض منها ضمان السلم و الإستقرار العالميين و كذلك تمتع الإنسان بحريته وكرامته الإنسانية…ولكن صيانة هده الكرامة و الحرص على عدم انتهاكها ليس حصرا في المجالات المعنوية المرتبطة بالحقوق السياسية و المدنية فقط بل تتعدى ذلك لتشمل شروط صيانتها اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا…
وقد نص الجيل الثاني من حقوق الإنسان الذي يعتبر العهد الدولي الخاص بالحق

رضوان لحميدي - مندوب المركز الوطني للتنمية و الوحدة الترابية
رضوان لحميدي – مندوب المركز الوطني للتنمية و الوحدة الترابية

وق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية تتويجا له، على حماية الافراد داخل المجتمعات من الهشاشة الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية، فهذا العهد يعترف بحق كل انسان في العمل القار الذي يضمن له كرامته الانسانية، بل اكثر من ذلك يلزم الدول الموقعة والمصادقة عليه على انشاء برامج و سياسات تضمن تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية مستدامة و قارة ووظيفة منتجة في شروط تضمن للأفراد التمتع بالحريات الإقتصادية و السياسية وفق شروط عمل عادلة ومرضية.
* أساتذة سد الخصاص و منشطو التربية غير النظامية و الحق في العمل.

فئة أساتذة سد الخصاص و منشطي التربية غير النظامية ، ولعدم توفرها على شروط العمل العادية فإنها تعتبر مظهرا من مظاهر البطالة ‘’المقنعة ‘’. و الحق في العمل من أهم الحقوق الإقتصادية التي يجب ان يتمتع بها الفرد كعضو في المجتمع باعتبارها مرتبطة أشد الإرتباط بالكرامة الانسانية التي هي حجر الزاوية في قيام منظومة حقوق الانسان.

و العمل هو احدى الضرورات الأساسية لتطور المجتمع، وهو في نفس الوقت ضرورة للفرد من حيث انه مورد الرزق بالنسبة لفئات عريضة من السكان. و العمل الفردي سواءا كان عضليا او ذهنيا عبارة عن طاقة يبذلها الأجير، سواءا كان مستخذما او عاملا او موظفا، و يتلقى بذيلا عنها تعويضا ماليا تتفاوت قيمته حسب القطاع و مستوى العمل و مردوديته.
وقد اشارت المواثيق الدولية الى ان الشغل حق لكل شخص، كما نص على ذلك الإعلان العالمي للحقوق الإنسان ‘’ لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختياره بشروط عادلة و مرضية كما ان له حق الحماية من البطالة ‘’ المادة 23 .و كــذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية في مادته السادسة ‘’ تعترف الدول الأطراف في هدا العهد بالحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في ان تتاح له امكانية كسب رزقه بعمل يختاره او يقبله بحرية، و تقوم باتخاذ تذابير مناسبة لضمان هدا الحق.
* أساتذة سد الخصاص و منشطي التربية غير النظامية كمظهر من مظاهر العمالة الهشة و حقوق الانسان
تتميز العمالة الهشة المؤقتة بغياب اي حقوق و امتيازات اجتماعية موازية)الحق في الضمان الاجتماعي،الرعاية الصحية…( وغياب ايضا للحماية القانونية مع تدني للأجور. و العمالة الهشة هي ظاهرة اكثر ضحاياها هم المهمشون اصلا ! فأساتذة سد الخصاص و منشطي التربية غير النظامية ينحذرون من اوساط وأسر فقيرة ومتدنية الذخل، وامام تفشي البطالة وعدم جدية الدولة في اتخاد تذابير و اجراءات جدية بغية القضاء على الظاهرة لم تجد هذه الفئة من سبيل سوى القبول بذلك الأجر الزهيد غير المعفى من الضرائب و الإقتطاعات من اجل سد رمقها و الهروب من براثن البطالة المفروضة قسرا.
وقد ذهبت المراجع الحقوقية الدولية وعلى رأسها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الى الإعتراف بأن ‘‘لكل فرد يقوم بعمل الحق في اجر عادل ومرض يكفل له و لأسرته عيشة لائقة بكرامة الانسان،تضاف اليه عند اللزوم وسائل اخرى للحماية الإاجتماعية’’ المادة 23. بل اكثر من ذلك فقد نصت المواثيق الحقوقية الدولية في حمايتها لهته الفئات الهشة المزاولة لمهنة الى حد فرض ‘’أجر منصف و مكافأة متساوية لذى تساوي قيمة العمل دون اي تمييز’’ المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية، و’’ لكل فرد دون اي تمييز الحق في اجر متساو للعمل’’ المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و هو التمييز الدي يعيشه أساتذة سد الخصاص و منشطي التربية غير النظامية وهم يمارسون المهام الموكلة لهم في نفس ظروف الأساتذة العاديون و أحيانا اقسى، ولا يتقاضون مقابل ذلك سوى أجر لا يرقى لمستوى العيش الكريم، هذا ان صح ان نطلق عليه اجرا في الاصل ! وكذلك فأن هده المواثيق الزمت الدول الموقعة عليها بضرورة توفير برامج التوجيه و التدريب التقنيين و المهنيين، مع الأخذ في هذا المجال بسياسات و تقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية مطردة وعمالة كاملة و منتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية… وهي البرامج التي يفتقر اليها أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية ، مما يجعلهم أقل تكوينا في مجال عملهم مما يصعب عليهم فرص الإندماج مهنيا وفرص الترقية الى مرتبات اعلى ملائمة في المجال.وكذلك فأن العهد الدولي الخاص بالحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية في مادته السابعة قد اشار الى ضرورة اعتماد الإجازات الدورية المدفوعة الأجر وكذلك المكافأة عن ايام العطل الرسمية وهي من بين النواقص التي يعاني ويلاتها اساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية، حيث لا يتقاضون اجرا عن العطلة الصيفية،مما يضطرهم للأسترزاق في مهن اخرى من اجل ضمان لقمة العيش.
* حق التلميذ …و حق الاستاذ !
لا يتعارض بأي شكل من الأشكال حق اساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية في التسوية او الشغل الذي هو بمثابة دين للفرد على مجتمعه مع حق الطفل او التلميذ في التعليم و التربية الهادفة الى إنماء شخصيته الإنسانية و تعزيز احترامها ومكانتها و تنمية شعور التفاهم و الصداقة وخلق الإنسان السوي المضطلع بمسؤوليته و دوره المجتمعي و الواعي بحقوقه في الحياة العامة و المرتبط بقيم التسامح و الحرية و العدل. بل على العكس من ذلك فإن الاستقرار المادي و بالتالي المعنوي الذي تتيحه تسوية وضعية أساتذة سد الخصاص و منشطي التربية غير النظامية يتيح فرصة العطاء أكثر في ظل الإرتياح النفسي و غياب هاجس فقدان الشغل في اية لحظة، وكذلك فان التسوية تفرض تلقي تكوين مستمر في المجال مما يعزز المؤهلات المهنية لدى الأساتذة و يزيد من ثقتهم بأنفسهم و عطائهم اكثر في مجال عملهم.
* و في الأخير…
فان خطاب حقوق الإنسان يبقى اجوفا و بدون معنى ان لم يستتبع بأجراءات عملية على ارض الواقع وضمانات ملموسة تسعى الى توفير الظروف المناسبة لصيانة هده الحقوق و بالتالي توفير الحاجيات الاساسية للناس،مما يجعل الانسان قادرا على الانتقال الى الاحساس بكرامته الانسانية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.