ريادة الأعمال..المرأة المغربية تبحث عن مزيد من التحرر

0 74

بفضل طموحها القوي و رغبتها الأكيدة في تحقيق الإستقلالية، تواصل المرأة المغربية سعيها لتحقيق مزيد من التحرر الذي من شأنه تعزيز مكانتها في عالم الأعمال.

و بين العوائق البنيوية و السوسيو-ثقافية، تظل ريادة الأعمال لدى النساء معركة طويلة الأمد، و لكنها معركة تعد بالأمل و الفرص.

و مع ذلك، تشير الأرقام إلى وجود رغبة كبيرة لدى النساء المغربيات في إنشاء المقاولات.

و وعيا منها بالدور الرئيسي الذي تضطلع به ريادة الأعمال النسائية في النمو الشامل، كثف المغرب جهوده لتشجيع و دعم النساء المقاولات، حيث تم إطلاق العديد من البرامج لتعزيز ولوجهن إلى التمويل و التكوين و التشبيك.

و تطور الإطار التشريعي، أيضا، لضمان قدر أكبر من الإندماج الإقتصادي للنساء، مما يعكس الإلتزام المؤسساتي بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.

من جانبهن، أصبحت النساء المغربيات اليوم أكثر تعليما من أي وقت مضى، حيث يمثلن أزيد من نصف عدد المسجلين في الجامعات، لكن المشاركة في منظومة ريادة الأعمال لا تزال غير كافية. فلماذا إذن لا تتم الإستفادة من هذه الإمكانات بشكل كامل.

** إمكانات غير مستغلة في بيئة متغيرة **

و تقول ليلى الدكالي، رئيسة جمعية النساء المقاولات بالمغرب، أن “النساء المغربيات اليوم أكثر تعليما و أكثر تأهيلا من أي وقت مضى، لكن ذلك لم ينعكس بعد بشكل كامل في منظومة ريادة الأعمال”.

و في الواقع، على الرغم من أن حوالي 34 في المائة من النساء المغربيات يعربن عن رغبتهن في أن يصبحن مقاولات، فإن 10 فقط منهن يتخذن هذه الخطوة، و هو معدل أقل مقارنة بسنة 2015.

من جهتها، توضح هند بوزكراوي، الخبيرة في الإدارة و ريادة الأعمال بالمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير بمراكش، أن “ولوج السوق (29 في المائة) و نقص التمويل (20 في المائة) يظلان من العوائق الرئيسية التي تقف أمام المقاولات المغربيات، قبل الحواجز الإجتماعية و الثقافية”. و مع ذلك، هناك العديد من القطاعات الواعدة المفتوحة أمام النساء، خاصة الإقتصاد الدائري، و الصناعة الإبداعية، و الصناعة الغذائية المستدامة، و الخدمات الشخصية.

** التمويل : عصب الحرب **

إذا كانت فكرة إنشاء مقاولة تنمو في أذهان العديد من النساء المغربيات، فإن الحصول على التمويل يظل شغلا شاغلا.

و بحسب السيدة بوزكراوي، فإن 76 في المائة من المقاولات التي تديرها نساء يتم تمويلها من أموالهن الخاصة أو العائلية، في حين أن 24 في المائة فقط منهن يحصلن على قروض بنكية.

و أعربت السيدة الدكالي عن أسفها لكون “معايير التقييم التي تطبقها البنوك لا تأخذ دائما في الإعتبار خصوصيات المشاريع النسائية، و التي غالبا ما تركز على الأثر الإجتماعي و البيئي”.

و لذلك، فهي تدعو إلى “مراجعة معايير منح القروض بحيث تشمل القدرة على الإستمرار على المدى الطويل و الأثر المجتمعي، بدلا من الإعتماد فقط على الضمانات المادية”.

و مع ذلك، بدأت بعض المبادرات في الظهور، حيث يعد إصدار “سندات النوع” من قبل الهيئة المغربية لسوق الرساميل تقدما مهما. و تهدف هذه الصناديق إلى تمويل المشاريع التي تقودها النساء حصريا، و تسهيل ولوجهن إلى الموارد المالية.

** كسر العزلة من خلال التكوين و التشبيك **

بعيدا عن التمويل، هناك منظومة كاملة للدعم و المواكبة ينبغي تعزيزها. و لا يزال الخوف من الفشل و نقص الشبكات يعيق العديد من النساء.

و لمعالجة هذا الأمر، وضعت جمعية النساء المقاولات بالمغرب برامج توجيهية و تكوينية من قبيل برنامج “She Learn”، الموجه لتلقين النساء المقاولات مهارات الإدارة و القيادة و الرقمنة.

علاوة على ذلك، تبرز الشبكات كأداة قوية لكسر العزلة و تسريع نمو المقاولات التي تديرها النساء.

و تؤكد السيدة بوزكراوي أن “المشاركة في نوادي الأعمال و المنتديات و الحاضنات تسمح للنساء بنسج علاقات إستراتيجية، و العثور على مرشدين، و ولوج أسواق جديدة”.

و أخيرا، توفر الرقمنة فرصة غير مسبوقة للنساء المقاولات. و يواكب برنامج “SHE DIGITAL” الراغبات في تطوير أنشطتهن عبر الإنترنت، من خلال فتح آفاق جديدة أمامهم في السوق الدولية.

و مع ذلك، لا يمكن لريادة الأعمال النسائية أن تتطور بشكل كامل دون وجود منظومة شاملة و التقائية بين مختلف الفاعلين الإقتصاديين و الماليين و المؤسساتيين.

و من الضروري تجاوز تدابير الدعم التقليدية و إعادة التفكير في مقاربة لدعم النساء المقاولات، و يمر ذلك عبر سياسات موجهة تعزز الوصول الأولي إلى الأسواق العمومية و الخاصة، و إنشاء علامات تجارية خاصة بالمقاولات التي تديرها النساء، فضلا عن توعية أفضل للمستثمرين بالفرص التي تتيحها ريادة الأعمال النسائية.

** مستقبل بين الإلتزام المؤسساتي و العزيمة النسائية **

إذا كان المغرب قد وضع أسس الإندماج الإقتصادي للنساء، فإن الأرقام تكشف أن تحولا حقيقيا في المقاربة أمر ضروري.

و في هذا الصدد، تدعو السيدة الدكالي إلى “إصلاح عميق للإطار التنظيمي و المالي، و كذا تغيير العقليات حتى يتم إعتبار النساء فاعلات قائمات بذاتهن في الإقتصاد المغربي”.

من جهتها، ترى هند بوزكراوي أنه من الضروري “إدماج وحدات ريادة الأعمال في التكوين الجامعي و تكثيف الأنشطة التحسيسية لتطبيع صورة النساء المقاولات”.

إن ريادة الأعمال النسائية في المغرب هي واقع متحول. و مع بعض التعديلات السياسية و المالية و الثقافية، يمكن أن يصبح هذا القطاع أحد المحركات الرئيسية للنمو الشامل للبلاد.

و في إنتظار تحقق ذلك، تواصل المرأة المغربية غزو عالم ريادة الأعمال بجرأة و صمود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.