ذكرى وفاة جلالة المغفور له محمد الخامس..مناسبة لإستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية و الإستقلال

0 61

تحل يوم غد الثلاثاء (عاشر رمضان) الذكرى الـ 66 لوفاة أب الأمة جلالة المغفور له محمد الخامس، قدس الله روحه، و هي مناسبة يستحضر من خلالها المغاربة قاطبة التضحيات الجسام التي بذلها الملك الراحل من أجل بلاده و شعبه، و نضاله و كفاحه من أجل الحرية و الإستقلال، ذلك النضال القائم على الحكمة و التبصر و بعد النظر، و الذي شكل مدرسة و نموذجا يحتذى في مجال المقاومة و التحرير.

و كان بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس قد أسلم الروح إلى بارئها في العاشر من رمضان من سنة 1380 هجرية (الموافق لـ 26 فبراير 1961)، و ذلك بعد سنوات قليلة من تخليص الوطن من ربقة الإستعمار و نيل إستقلال المملكة.

و شكلت وفاته رزءا فادحا للأمة، و لحركات المقاومة و التحرير، التي كانت ترى فيه، طيب الله ثراه، أحد أبرز أقطاب حركة التحرر الوطني و رمزا لكفاح الشعب من أجل الظفر بالإستقلال و الكرامة و التقدم.

و يشكل تخليد هذه الذكرى عربونا عن الوفاء و التشبث الثابث بذكرى ملك عز مثيله، و الذي فضل التضحية بالغالي و النفيس و تحمل مرارة المنفى على الخنوع و الإستسلام في وجه المستعمر، فهو الذي إعترض بإسم المبادئ المؤسسة للأمة إعتراضا قطعيا على التنازل عن السيادة الوطنية أو الدخول في أي نوع من المساومة مع سلطات الحماية.

و طوال مسيرة كفاحه ضد الإستعمار، كان جلالة المغفور له محمد الخامس يؤدي واجبه بتشاور دائم مع الحركة الوطنية، معبرا بذلك عن حرص دائم على تدعيم و رص صفوف مختلف مكونات المقاومة، و ذلك من منطلق الوعي بأن التحرير و إستعادة السيادة رهين بالعمل الجماعي و المنسق، القائم على أساس التشبث بالإيمان و تحسيس و تعبئة الشعب المغربي.

فلقد حاول الكيان الإستعماري الذي جثم بثقله على المغرب لأزيد من أربعة عقود، تسخير كافة الوسائل و توظيف جميع الأساليب المتاحة للمساس بالوحدة الوطنية و النيل من الرباط المتين الذي جمع بين جلالة المغفور له الملك محمد الخامس و شعبه الوفي، مستهدفا من خلال ذلك، طمس معالم آصرة قوية جسدتها رابطة البيعة و تشبث الشعب المغربي القوي بالعرش العلوي المجيد.

و خدمة لهذا الغرض الدنيئ، لم تتوان سلطات الحماية عن محاصرة القصر الملكي بواسطة قواتها يوم 20 غشت من سنة 1953، مطالبة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس بالتنازل عن العرش، فما كان منه طيب الله ثراه إلا أن آثر النفي على الرضوخ لإرادة المستعمر، مصرحا بكل ما أوتي من إيمان وثقة في الله أنه لن يضيع الأمانة التي وضعها شعبه الوفي على عاتقه، و المتمثلة في كونه سلطان الأمة الشرعي و رمز وحدتها و سيادتها الوطنية، وفاءا منه لرابطة راسخة جسدتها البيعة الشرعية.

و أمام المواقف الوطنية السامية التي أبان عنها بطل التحرير، و سعيا منها إلى النيل من تلاحم الشعب المغربي الوطيد بملكه الشرعي، في الشمال كما في الجنوب و في الشرق كما في الغرب، أقدمت سلطات الإحتلال على تنفيذ جريمتها النكراء بنفيه و رفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني و الأسرة الملكية الشريفة، إلى جزيرة كورسيكا و منها إلى مدغشقر.

و ما أن عم الخبر ربوع المملكة و شاع في كل أرجائها حتى ثار الشعب المغربي في إنتفاضة عارمة و تفجر غضبه في وجه الإحتلال الأجنبي، معلنا بداية العمل المسلح و إنطلاق العمليات البطولية التواقة إلى ضرب غلاة الإستعمار و مختلف مصالحه و أهدافه.

و ما كانت هذه الأعمال البطولية الباسلة إلا أن تثمر عودة بطل التحرير جلالة المغفور له الملك محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن، معلنا إنتهاء عهد الحجر و الحماية و بزوغ فجر الحرية و الإستقلال، و مجسدا بذلك الإنتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر، و إنتصار ثورة الملك و الشعب المجيدة التي جسدت ملحمة عظيمة في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاض غماره الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد، من أجل حرية الوطن و تحقيق الإستقلال والوحدة الترابية.

و بذلك، يكون الشعب المغربي قد برهن للعالم بأسره عن تعلقه الدائم وحبه العارم لوطنه و ملكه، مبديا إستعداده القوي و اللامشروط لخوض أشد المعارك و تخطي أعتى الصعاب، ذوذا عن مقدساته و صونا لكرامته النابعة من إبائه و أصالته، و هو ما أشار إليه المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 19 لثورة الملك و الشعب سنة 1963، واصفا هذه العلاقة المتينة بالرابطة التي “نسج التاريخ خيوطها بعواطف المحبة المشتركة، و الأهداف الموحدة التي قامت دائما على تقوى من الله و رضوانه”.

هكذا، و بفضل هذه الجهود الدؤوبة كان من الممكن خوض المعركة السياسية، التي آتت أكلها بفضل المواقف البطولية لأب الأمة، الذي قرر مواجهة الأمر الواقع المفروض من طرف السلطات الإستعمارية، التي بلغت ذروة سطوتها من خلال التآمر ضد الشرعية التي يجسدها العرش، و ذلك عندما قرر المحتل الغاشم إجبار عاهل البلاد و عائلته الكريمة على تكبد قساوة المنفى السحيق.

لكن ما لبث أن خاب أمل المستعمر بفعل المقاومة الباسلة التي أبان عنها المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، و كذا نتيجة الدعم القوي الذي أظهره شعبه الأبي خلال هذه المحنة.

فبفضل تجند الشعب المغربي من أجل عودة الملك الشرعي و رمز السيادة الوطنية من المنفى السحيق، أحبطت المؤامرة و عاد الملك المجاهد إلى بلاده، حاملا بشرى إنتهاء عهد الحجر و الحماية.

و هكذا، نجح المغرب بفضل المعركة التي خاضها الملك المجاهد محمد الخامس جنبا إلى جنب مع الحركة الوطنية، في جلب الإهتمام الدولي بقضيته، بما مكنه من إنتزاع ربقة الإستعمار، لينكب على تشييد الصرح الوطني و بناء الدولة المغربية الحديثة.

و بعد إسلام أب الأمة الروح إلى بارئها، واصل رفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ترسيخ هذه المكتسبات من خلال الإلتزام بتنفيذ ورش ضخم لتنمية البلاد إقتصاديا و إجتماعيا.

و وفق نفس الرؤية السديدة، إنكب بكل عزم و تفان، وارث سره، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على مواصلة تفعيل و تدعيم هذا المسار النير، عبر جعل المغرب ينخرط في مرحلة جديدة، هي مرحلة الحداثة و التنمية، و هي مرحلة تستلهم قوتها على الخصوص من تلك العروة الوثقى التي تربط بين صاحب الجلالة و شعبه، من أجل رفع كل التحديات و تخطي كافة الصعاب، كما يشهد على ذلك التآزر و التضامن الذي أبان عنهما الشعب المغربي بريادة جلالة الملك في كل المناسبات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.