رجاء يا رئيس حكومتنا اعتني كثيرا بأصواتنا

0 491

حساين المامون - أستاذ باحث
حساين المامون – أستاذ باحث

عرف المغرب توالي حكومات مختلفة المشارب والتوجهات منذ الاستقلال إلى اليوم، واحدة تأتي وأخرى تروح دون أن تُظهر أي منها اختلافا أو تميزا عن سابقاتها، فلا التقنوقراطية منها تميزت عن الحزبية، ولا المحافظة اختلفت عن التقدمية، ولا كان هناك فارق بين اللبرالية والاشتراكية، فقد وقفت جميعها بكل ألوانها ومشاربها وأيديولوجياتها المختلفة في منطقة الظل أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية، أي بلا لون وبلا طعم وبلا موقف، قاسمها المشترك، الولاء للمخزن والإيمان بعقيدته، إلى أن وصل عددها الثلاثين حكومة، ترأسها أربعة عشر وزيرا أولا، وهم على التوالي أحمد بلافريج، عبد الله إبراهيم,، الحسن الثاني، أحمد با حنيني، محمد بنهيمة، أحمد العراقي، محمد كريم العمراني، أحمد عصمان، المعطي بوعبيد،عز الدين العراقي، عبد اللطيف الفلالي، عبد الرحمان اليوسفي، إدريس جطو عباس الفاسي وأخيرا عبد الاله بنكيران .
بعد وصول حكومة السيد عبد الاله بنكيران يمكن القول إسلاميوا المغرب أصبحوا جاهزون للعب نفس الدور وبنفس الطقوس، ها هم يدبون في المخزن بعد أن التحقوا بالموكب المخزني-الذي لم يكونوا قط بعيدين عنه، وهم معروفون مند زمن بولائهم الشديد له، وللصلاحيات المطلقة للملك عبر مؤسسة إمارة المؤمنين عبر شعارهم ” نحن مع ملك يسود ويحكم “- لينظروا من منظاره، ويرتشفوا من معينه عبر الحكومة الواحدة والثلاثين التي سيترأسها الرئيس الخامس عشر، والذي سيكون بلا شك أو خيار منهم يطبق الارادة الملكية و تطبيقا للدستور الجديد ونزولا عند إرادة الصناديق التي تكلمت في انتخابات سابقة لأوانها بطريقة ديمقراطية وشفافة، ومنحت الفوز الساحق لحزبه، سواء على مستوى اللوائح المحلية أو الوطنية، وفتحت المجال أمامه ليتبوأ صدارة ترتيب الأحزاب الفائزة، ولو بدون بلوغ الأغلبية المطلقة التي تمكنه من بسط نفوذه كاملا على الحكومة، الشيء الذي دعاه (المعارضة الإسلامية، الممثلة في حزب العدالة والتنمية) “مكرها لا بطلا” إلى اللجوء إلى ضيق الائتلافات ونسج التحالفات غير منسجمة، مع غيره من الأحزاب الأخرى ليشكل أغلبية مطلقة ومريحة في البرلمان..
إني في هذه المقالة، لن أخوض في مناقشة طبيعة تلك التحالفات و احتمالاتها، ولن أتطرق إلى البرنامج الحكومية التي طبلت لها ابان مرحلة الانتخبات، ولا إلى مسألة الإستوزار أو عدد الحقائب… وإنما سأحصر حديثي على طرح بعض الأسئلة الملحة التي تشغل بال الكثير من المهتمين وتقض مضاجعهم، والمتعلقة في مجملها في نوعية التوجه والإستراتيجية التي تنهجها حكومة السيد بنكيران في تعاملها مع مشاكل المواطن المغربي على ضوء المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية والمحلية، وعلى رأسها هبوب الربيع الديمقراطي على البلدان العربية وما أفرزته من حراك اجتماعي شعبي واحتجاجات تولدت عنها حركة 20 فبراير هي التي أوصلتهم لسدة “الحكم “، وللأسف فالسيد عبد الإله بنكيران الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة الحالي ينظر الى المواطنين ويعاملهم معاملة القاصرين لا معاملة الراشدين في كل الاحدات والحركات الاحتجاجية التي تخرج من هنا من هناك وأحدات سيدي يوسف بنعلي الاخيرة خير دليل…، اني لا أفهم كيف غير السيد بنكيران نظرته غير الإيجابية التي كان يضمرها لبعض الشخصيات ذات النفوذ القوي والذين ذكرهم بالأسماء في أغلب لقاءاته الصحفية قبل وإبان الحملة الانتخابية واعتبرهم رؤوس الفساد في البلاد، ومعاول لهدم الملكية، وتقويض المنظومة السياسية، بل بلغ به الأمر إلى أن وجه نصيحة أو ربما تحذيرا للملك من تلك الشخصيات المحيطة به قائلا: “إن الشعب المغربي يا مولاي لم يعد يقبل أشخاصا من أمثال الهمة والماجيدي والعماري يتحكمون في الحكومة ويعطون التوجيهات بالهاتف ويخيفون رجال الدولة من رجال أمن وقضاة، لأنهم يستمدون القوة من القرب منك وهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون وهذا غير مقبول” انتهى كلام السيد بنكيران.قلت كيف غير نظرتة من نظرة تحذيرية الى نظرة ايجابية وتفاؤلية بخصوص هؤلاء الدين يفسدون في الارض بتعبيره هو…أم أن هذه الخرجات الإعلامية وغيرها كثير، والتي وإن اعتبرت مقبولة إلى حد ما قبل الانتخابات وأثناء صراعات حملاتها المحمومة، وحين كان الحزب في المعارضة، كانت هي الأداة التي تلعب الدور الكبير في شد انتباه الناس إليك، كإستراتيجية خطاب سياسي انتخابي يستعمل اللسان الدارج والخطابات الهجومية المبسطة التي يفهمها الكل دون استثناء، وبدون جهد فكري ، كانت فقط زوبعة في فنجان أو بمثابة إشهار و تلميع صورة الحزب، وبمتابة أقصر طريق موصل إلى الناخب والتأثير فيه…
فهل تزحزح السيد عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة، في ظل الدستور الجديد،عن قناعته بالمفسدين والإشارة اليهم غير شيئا نحو ممارسة سلطته في التدبير بالحكامة الجيدة، ومحاربة الفساد، والتماسيح والعفاريت كما سماهم هو.هل انتصر معسكر البناء والإصلاح، وملاحقة المفسدين الذين كثيرا ما ندد بهم وهدد بالقضاء عليهم بالحكم الرشيد والمستنبط من الشريعة الإسلامية، والذي ينادي به حزبه !؟ هل اللجوء الى الخيار الثالث الذي لا رابع له، وهو نهج سياسة التوفيق بين الأمرين للوقوف أمام هذه التحديات الكبيرة التي تواجه حكومته على الصعيد الداخلي قبل الخارجي ؟ والذي يجعل في النهاية نجاعة ونجاح هذه الحكومة أو فشلها مرهون بمدى نجاح أو فشل هذا الاختبار.
نحن لا نشك في ذكاء السيد بنكران وحنكته وقدرته -المتراكمة عبر عشرات السنين- على التلون والتلبس بكل ما يناسب الزمان والمقام، والتقنع بما يناسب كل ظرف، مهما تنوعت، وخصوصا مع ذوي الحل والعقد، والشوكة والطول، قد أدت الى إسدال الستار على خطاب المعارضة السابق والجام من يقوم بذلك في اعضاء المصباح(فضيحة تعنيف البرلماني الادريسي نموذجا)…، وجعلته يتغير صوب خطاب سياسي تاكتيكي يوفق فيه بين الهوية الإسلامية والتدبير السياسة والمصالح ورأس المال، والذي بذأت معالمه تظهر جلية في المسار والطابع التدبيري من أن دشن به الحزب أولى خرجاته الإعلامية قبيل تشكيل الحكومة، لطمأنة الداخل والخارج، والتأكيد على أنه مستعد لاعتمد الحكامة الجيدة في التسيير والأخذ بكل الوسائل الديمقراطية والمؤسسات الشرعية.إن “دعم الفئات الاجتماعية المعوزة” كشعار انتخابي لن يتم في ظل زيادة الاسعار المهولة. فلترفع “حكومتنا المنتخبة” التحدي في وجهنا، ولتفتح النار على الفساد وعلى أبطال الفساد من أجل استرجاع المال العام وحماية المال العام دعما للفئات الاجتماعية المعوزة، بدل الزيادة في أسعار المحروقات وبدل اعتقال المناضلين وإصدار الأحكام القاسية في حقهم (معطلين عمال وفلاحين وطلبة وبسطاء الوطن…).. إن استمرار الفساد وكذلك التعذيب والاختطاف والاعتقال والأحكام الصورية والطرد من العمل، وبمباركة الحكومة، وكذلك أبطال الفساد، فسيظلون جاثمين على أنفاسنا. فماذا بعد حكاية “لا كريمات” المشوقة؟ ماذا بعد لائحة المقالع ؟ ولائحة المناجم وعن أساطيل الصيد في أعالي البحار…؟ إن نار الحكومة برد وسلام على الفساد وعلى والمفسدين.. إن نارها حارقة بالنسبة للمواطن الضعيف …إن الهشاشة متواصلة بكل مناطق المغرب وكذلك الترهيب والعنف لإجهاض الوقفات والمسيرات والإضرابات عن العمل وعن الطعام..
يبدوا أن هناك تأنيب وترهيب مخزني ، ونية ملحة في العمل على تدارك وتغيير كل ما فات من المواقف التي كانت تفرضها المعارضة، والتراجع عما أرتكب من أخطاء في حق الكثير من الشخصيات التي أُلب ضدها الشعب المغربي، أو على الأقل يمكن القول أنه بولغ في نقدها إلى درجة العداء، كالهمة بسبب قربه غير العادي من شخص الملك، وخير ذليل على قابلية التغيير لدى قيادات حزب العدالة والتنمية، هو ما جاءت به الندوة الصحفية التي نظمها حزب مباشرة بعد تلقفه حدث تعيين السيد الهمة في المنصب الجديد الذي لا يزيده إلا قربا وتقربا بالملك، ما يدل على أنهم فهموا الرسالة جيدا واستوعبوا أبعادها، والتي قال فيها عبد الإله بنكيران ورئيس الحكومة: إنه اتصل بفؤاد علي الهمة مباشرة بعد تعيينه مستشارا للملك”… “فهنأته بمنصبه الجديد”….”ونعتبروا هادي هي الانطلاقة الجديدة” وأكد بنكيران أثناء هذه الندوة أنه غير منزعج من تعيين الهمة مستشار للملك قائلا “وواش غادي نرفض شي واحد يرسلوا الملك”.
مع كل ما هذا، فلن نحكم على هذه الحكومة من السنة الأولى فالشهور المقبلة وحدها الكفيلة بذلك، لكنه يبقى من حقنا كمغاربة غيورين على بلدنا، أن ندعو مكوناتها ورئيسها للتعلم من التاريخ ومن التجارب الناجحة لحزب العدالة والتنمية التركي، وأن يستفيدوا من أخطاء غيرهم في الحكومات الأخرى اليمينية منها واليسارية، وأن يتذكروا أن أنامل الناخبين المسحوقين تحت معضلات المعانات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية وحتى النفسية، هي التي وضعت علامة( x) على أسماء 107 عضو من حزبهم، كي يتبوءوا هم هذا المنصب الحساس، وكأني بحال هؤلاء المقهورين يقول: رجاء يا رئيس حكومتنا المبجل اعتني كثيرا بأصواتنا، فهي الحق الدستور الوحيد الذي نتمتع ونختار به من يمثلنا، وتذكر أن مواعد الانتخابات مهما بعدت، فهي قاب قوصين أو أدنى، لأن مدة الخمس سنوات من عمر الشعوب زمن وجيز تأتي بعده المحاسبة، وإن الناخب وحده القادرة على تغيير المعادلة بمجرد وضع العلامة البسيطة (x) في خانة غير خانة حزب الإسلاميين إن هم أساؤوا التصرف في شؤون العباد..واحذروا فإن خصوم الإسلاميين يريدون فشل تجربكم الإسلامينة، وأنا متيقن أن السيد بنكيران وكوادر حزبه كفيلين بأن يكذبوا مزاعمهم، وأن يسقطوا تمنياتهم، إذا هم لم يتمسكوا بالثوابت المتعارضة مع إرادة العصر والجماهير، واتخذوا وعملوا بالإسلام المستنير، عوض المظلم المتعب، وابتعدوا عن سياسة الترقيع -التي اعتادت الحكومات السابقة على القيام بها- لتأجيل السكتة القلبية في كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المغربية، وإذا لم تستطع حكومة بنكيران لأسباب حزبية وظرفية وكذا مستقبلية، الوفاء بما أثقل به رئيسها كاهلها من وعود ومسؤوليات جسام لإصلاح وتخليق الحياة العامة وترسيخها على ارض الواقع المغربي، والتي من الصعب الوفاء بها، ما سيجعل الحزب يفقد قوته وقدرته على التأثير في الناس، ويؤدي به إلى نهايته الحتمية كما حدث للكثير من الأحزاب التي لم يكن تقهقرها إلا نتيجة طبيعية لفشل سياستها تجاه شعوبها وعدم قدرتها على تحقيق بمطالبهم، وانشغالها بالفساد والبذخ والترف وصرف خيرات وثروات البلاد في بناء الفراديس الفاسدة التي لم يتصوروا يوما أنها سوف تنهار بإرادة الشعوب التي لا تقهر. ..فليس أمام حكومة السيد بنكيران، في هذه الحال، بد من الاستقالة والعودة إلى المعارضة أشرف وأكرم إن كان فعلا يهمهم مصير هذا البلد…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.