انهم يريدون خلق جيل من الضباع
يؤكد تنظيم مهرجان موازين مجددا و الإنفاق عليه بسخاء من خزينة الدولة (المال العام)، أن هناك نوع من المبالاة و الوعي بالوضع الراهن الذي يمر به المغرب. فرغم اجماع كل المتتبعين للشأن الاقتصادي على صعوبة الظرفية ، فقد كان من المفروض على القائمين على الشأن العام، استغلال هذه الأموال في النهوض بالحالة المزرية التي يعيشها المواطن المغربي. فالبطالة مرتفعة و نسبة الفقر مرتفعة و الأمية مرتفعة، قطاع الصحة… التعليم… البنية التحتية … العديد من القطاعات تعاني من الضعف و الخصاص الشديدين ، و لو خصصت تلك المبالغ المزمع انفاقها في تطوير او بناء المستشفيات أو المصانع أو الطرقات مثلا، لكان ذلك أكثر منفعة للشعب المغربي. الحكومة الحالية بالمغرب ، فشلت بكل التحديات التي عاهدت المواطن على تجاوزها ، وأبسطها الغاء مهرجان موازين ، دليل أخر على عجزها على تحقيق لآمال الملايين من المستضعفين .فما السر في عدم قدرة حكومة بنكيران على الغاء “موازين”؟
جمعية مغرب الثقافات المنظمة لمهرجان “موازين”التي دأبت على تنصيب نفسها مدافعة عن الثقافة الرسمية للدولة، نظرا لأهمية هذا البعد الثقافي/الإيديولوجي في التحكم في تطور الوضع الاجتماعي والسياسي العام، بالشكل الذي يمكن لفئات نافذة الإبقاء عليه في مستوى من التطور يضمن لها السيطرة السياسية، فان الفئات المسيطرة تعمل، من داخل الحقل الثقافي عبر ممثليها “الثقافيين”، على تنظيم مهرجان موازين “الثقافي” لإلهاء ذلك الجمهور الفلكلوري عن طرح أسئلة مشروعة في واقعه الاجتماعي، بما هو واقع يحتاج الى أجوبة سياسية واجتماعية وثقافية عقلانية تقطع مع كل مظاهر البهرجة والخواء اللذين يطبع مهرجان موازين باعتباره ذروة المهرجانات الرسمية.
إن إصرار “الممثلين الثقافيين” على تنظيم هكذا مهرجانات ليس سوى تعبير عن رغبة جامحة في ديمومة الوضع العام القائم لصالح القوى الاجتماعية المهيمنة سياسيا واقتصاديا وثقافيا…. لا ريب إذن فهؤلاء –أي “الممثلون الثقافيون – إنما هم يعبرون عن حاجات الفئات السائدة في ديمومة سيطرتها الطبقية. فبدعم من هذه الفئات الأخيرة، تراهم –”أي الممثلون الثقافيون”- يدافعون عن تنظيم هذا المهرجان، لا يهم في ذلك تبذير المال العام، المهم أن يقولوا “لنا” وللرأي العام الدولي أن المغرب – وهم يقصدون في الحقيقة مغربهم – هو فعلا “أجمل بلد للتعايش وللتسامح وللتعدد الثقافي”.
فهم، من خلال هذا المهرجان، إنما يحاولون رسم صورة مفبركة نمطية عن الوضع العام بالبلاد، أي تلك الصورة التي لا تهتز لهكذا حادثة أو كارثة ولا الى واقع الشعب المغربي، ليست تلك الصورة النمطية تعبيرا موضوعيا عن ذلك المغرب العميق، مغرب التعدد الثقافي الذي فيه تعيش ثقافات معينة تهميشا وطمسا إيديولوجيا من طرف بعض الفئات المهيمنة، مغرب الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغياب الديمقراطية الفعلية. إن تلك الصورة لا تعدو أن تكون تعبيرا صريحا عن أحلام وتطلعات فئات مهيمنة محضوضة لا صلة لها اجتماعيا وثقافيا –أي طبقيا- بتطلعات تلك الفئات المهشمة التي تجد في ثقافة “الشطيح” ضالتها المنشودة.
إن الصورة التي نريدها موضوعية ومعبرة عن المجتمع المغربي، باختلاف فئاته الاجتماعية والثقافية والسياسية، هي تلك الصورة التي من شأنها التعبير عن مغرب يسوده التعايش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، في جو من الديمقراطية واحترام حقوق الانسان المدنية والسياسية والدينية. وهذا لن يتأتى في ظل هيمنة رؤية منظمي مهرجان موازين الذين يحاولون، في سعيهم للدفاع عن مصالحهم الطبقية الإستراتيجية، إقناع الرأي العام الوطني والدولي بأن المغرب هو بلد التعايش والتسامح، أي بلد “قولو العام زين”.
إن حرص فئات نافذة في الدولة، ومن خلال العديد من القنوات الرسمية والمدنية الذيلية لها، تسييد مثل هذه المهرجانات يصدر عن خلفيات إيديولوجية، لا تخلو من أهداف سياسية إستراتيجية، وحتى نتمكن من فهم وتفكيك بعض الأمور، التي يراد تسطيحها في محاولة لإخفاء أهدافها الحقيقية، نورد الملاحظات التالية:
– في الوقت الذي تعمل فيه الدولة على تنظيم هذه مهرجان “موازين” من خلال السهرات الليلية التي تصرف فيها مبالغ خيالية من المال العام، نراها –أي الدولة- تلاحق الدكاترة والاطر العليا المعطلين نهارا لصدهم الى حال سبيلهم والحيلولة دون تمكينهم من إبراز صور أخرى، عن الحرمان الاجتماعي، نقيضة للتي يراد ترويجها في موازين أو في مهرجانات “قولوا العام زين”.
– عوض تبذير كل هذا المال العام في مثل هذه المهرجانات، كان من الأفضل صرفه في مناحي أخرى لتحسين ظروف عيش المواطنين، خاصة في المناطق المهشمة التي تستدعي تدخلات عاجلة من طرف الدولة لجبر الضرر ورفع التهميش عنها وفك عزلتها، اظافة الى إيواء ضحايا الفيضانات لهذه السنة.
– عوض اللجوء الى مثل هذه المهرجانات، كان على الوزارة الوصية فتح أوراش ثقافية أخرى جادة، حتى لا نقول ثورة ثقافية، لدفع ذلك الجمهور الشعبي الفلكلوري المهمش للانخراط في التعلم والقراءة للحد من الأمية والجهل.
لم يكن بودنا تجنب مثل هذه الملاحظات -التي قد تبدو سخيفة عند البعض- على اعتبار أنها ذات فائدة عملية في إظهار بعض مظاهر الخلل في السياسات العمومية التي تولي الأولوية لمهرجان لا قيمة ثقافية لها على حساب مشاريع ثقافية عقلانية من شأنها المساهمة في ربح الرهانات المطروحة في هذه المرحلة التاريخية من التطور البشري؛ لنكتف، إذن، بهذه الملاحظات الوجيزة، على أهميتها، على اعتبار أننا لسنا هنا بصدد طرح برنامج سياسي كفيل بحل المعضلات الاجتماعية والثقافية التي تعانيها أوسع الفئات الشعبية المغربية.لاشك أن المهرجانات كل المهرجانات والتي تقتطع ميزانياتها التي تبلع المليارات من المال العام والتي تعتبر مهرجانات للمقربين من السلطة بدأت تثير اهتمام المواطنين وفضولهم وشكوكاتهم المبررة وانتقاداتهم التي انتقلت من الهمس إلى الجهر. لاشك أنه آن الأوان لحملها محمل الجد..لأنه لا يعقل أن يصرف على المهرجانات ملايير الدراهم في وقت يؤكد فيه الوزير الأول على ضرورة التقشف للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.. باختصار شديد يريد المغاربة مهرجان ثقافي فني حقيقي لا يكبل الاقتصاد وتنطلق من قناعة بأنه لا خير في نمو أو تنمية لا يستفيد منها كل المواطنين، توزع التمار بشكل عادل وسليم حتى تعالج تزايد الهوة والفجوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع.. حاولنا في البدء مشاهدة ردود فعل حكومة بنيكيران في السنة الاولى حيت الجمت الالسن حول “موازين” ، قلنا لا بأس هذه السنة الاولى دهشة البداية، لا ينبغي الحكم أملا في الخروج بقراءة موضوعية، تقطع مع “الخطاب التمجيدي الساخن أو النقد التعميمي البارد”، لنتوصل في النهاية الى قوة جمعية مغرب الثقافات وعمقها،لدرجة اخراس اخر الاصوات المطالبة بالغائه، لذا لا يسعنا أمام هذا الوضع الا أن نقول بأن المهرجان مائز جدا على مستوى الوقت، نحن نعلم أن هده المرحلة حرجة للتلاميذ والطلبة والاقتصاد المغربي ورغم دلك أصر منظموه على طبخ الرداءة والتسويق لها.
من جهة ثانية فالمهرجان يكشف جانبا من انمساخ الدوق والفن، و تفسخ القيم و سيادة منطق السوق و الاستهلاك و الاستغلال، فالرباط ما عادت رباط، إنها تستحيل قاتمة و فجائعية، حيت يهرب التلميذ والطالب من احتضان كراسته إلى احتضان “فنانه أو فنانته” المحبوبة….
هنا نكتشف زمن الرداءة الذي يتخفى وراء المهرجان، و صناع القرار الذين يوجهون خيوط اللعبة، لنتعرف بشكل رصين إلى أين توجه الدولة شبابها…. انه زمن “الفوضى الفنية”، و كيف تصبح المغنية الفولانية نموذجا للربح والشهرة السريعة، فلا تتعب نفسك وعينيك عزيزي الطالب التلميذ، لان طريقك “طويل طويل”….وطريقنا قصير قصير نحن الفنانين طبعا.
في ظل هذه الأوضاع الفادحة، هل يجوز لنا ولو اعتباطا السؤال عن العقل المؤطر للفعل التهريجي عفوا ألمهرجاناتي ؟هل هناك رغبة في تحويل المجتمع الى أرقام للمهرطقين عفوا المغنين؟ الا بمكن أن نستيقظ يوما ونصادق في كل شارع وحي وبيت من يضع سماعات راقصا مهاترا؟؟ ألا نضبع شبابنا؟؟ هدا ان لم يكن دخلنا فيه أصلا،كما أشار إلى دلك جسوس قبلا قائلا “إنهم يريدون خلق جيل من الضباع”.
وأكتر ما يثير السؤال أين تلك الجمعيات التي تنادي بحماية التلميذ أو الطالب أو المستهلك بصفة عامة؟ الا يحتاج دوق وادن المغربي إلى من يحميه من هده البلاهة ؟؟ ألا يعيش العالم بأسره الأزمة اقتصادية؟ ألا تنهج سياسيات الدول سياسة تقشفية ؟ الا نحتاج البلاد إلى الملايير التي تنفف في سبيل جلب “المغنيين”؟؟ الم تلغي العديد من الدول العديد من المهرجانات حفاظا على المال العام؟؟ الا نحتاج إلى من يحمي جيوب الوطن من هكذا نزيف؟؟ ألا يمكن تحميل الدولة غدا النتائج التي سيحصدها التلاميذ والطلبة؟؟
فعلاً يا أستاذي العزيز! إن دولتنا تتبنى هذه السياسة التي عرفت نجاحاً كبيراً في الأعوام السابقة ، فهذه الدولة نظمت “موازين” تزامناً مع تحضيرات الباكالوريا لإلهاء التلاميذ، ليجدو مستقبلاً جيلاً من الشباب المتخلفين ليسهل التحكم فيهم. و الحكومة الجديدة تعرف أزمة إقتصادية، فلما إنفاق ملايين الدولارات من خزينة الدولة؟ و للأسف فالمهرجان عرف نسبة كبيرة من الحضور مما يشجع الدولة على تنظيم المزيد من المهرجانات !
تلميذك نور شعيبي