قراءة في كتاب “طبيعة الضحك في الأشعار الدرعية ” للباحث عبد الكريم الفزني
قراءة في كتاب “طبيعة الضحك في الأشعار الدرعية ” للباحث عبد الكريم الفزني
ü على سبيل البدء :
رغم شؤم المكان وسؤم الفقر اللذين يتوسدهما الدرعي بين ظلال القرى النائمة على حاشية الوادي ، بالكاد لم يتوان الدرعي في البحث عن منافذ تخلصه ـ ولو إلى حين ـ من حتمية الانسياب في أحضان العزلة والنسيان الهامشيين ،فكان الأدب الشعبي هو هذا المنفذ الوحيد الذي ينسلخ من خلاله الإنسان الدرعي من بزة الوحشة وبرنس الاغتراب ،رغم أنه ساكن الدار مستلب فيها .
وفي سياق البحث في الموروث الثقافي الشعبي الدرعي يتموقع مؤلف ” طبيعة الضحك في الأشعار الدرعية ” للناقد المهتم عبد الكريم الفزني ، وبحق إنه كتاب قمين بالقراءة العالمة وجدير بالفهم العميق ،نظرا لما يحويه بين دفتيه من مادة علمية دسمة ،ثم إنه كتاب متوسط الحجم صدر عن منشورات الثقافة الجنوبية ،ويضم بين مصراعيه عشرين ومائة صفحة .
ü القضية المحور:
تدور رحى الكتاب حول قضية أساسية تشغل حيزا وارفا ضمن الموضوعات السائدة في الأشعار الدرعية المغناة مؤداها طبيعة الضحك وما ينشد إليها من قضايا فرعية أخرى ،ذلك أن الباحث أوضح أن الكتاب موجه بالأساس إلى البحث عن تيمة الضحك في الأدب الشعبي الدرعي المتغنى به، ليس بصفة مطلقة وإنما سيقتصر على الأشعار الموجودة في منطقة درعة الأوسط ،جاعلا من منطقة ترناتة بحواشيها مجالا لاشتغاله ، ومتبعا في ذلك منهجا علميا دقيقا يهتدي به بين تلال الشعر الترناتي و هضابه ،وهو منهج يروم دراسة النص في ذاته ولذاته وليس غير النص ،بمعنى الانطلاق من التحليل البنيوي نحو التركيب الدلالي، ولعل بغية الباحث من هذه الدراسة ترسو في محراب نفض غبار الإقصاء والتهميش الذي طال التراث الدرعي من ناحية ،وفي التعريف بالمنطقة والكشف عن السر في التواجد الثقافي والحضاري للسكان بها من جهة ثانية .
ü بين ثنايا الكتاب :
يضم الكتاب بين ثناياه مقدمة وأربعة فصول وخاتمة نعرضها على النحو الأول:
وسم الباحث الفصل الأول بماهية الضحك ؛وقد وزعه إلى قسمين، تناول في القسم الأول مفهوم الضحك من حيث اعتباره إشكالية إلى جانب حضور الضحك في المعاجم العربية والغربية من قبيل معجم لسان العرب لابن منظور ومحيط المحيط لبطرس البستاني و paul robert و oxfordفضلا عن مناقشة الباحث لمفهوم الضحك من منظور بعض الباحثين أمثال : ابن عبد ربه والجاحظ وبركسون والغزالي وأبو حيان التوحيدي .
في حين تناول في القسم الثاني علاقة الضحك بالفكاهة والسخرية ، منتهيا بذلك إلا أن الضحك ظاهرة إنسانية محضة تساير الإنسان في حياته مادام الضحك تعبيرا عن شعور داخلي يشكل انسجاما وتكاملا مع الفكاهة والسخرية .
أما الفصل الثاني فقد عنونه الباحث بأنواع الضحك في الأشعار الدرعية المغناة ، حيث انطلق فيه من مسلمة مفادها أن الضحك أنواع عديدة ،لكن طينة بحثه هنا تمحورت حول أربعة أنواع وجدت لها مرتعا خصبا ضمن الأشعار الترناتية . وفي سياق ذلك تعرض الباحث إلى دراسة بعض النماذج الشعرية المختلفة النوع ( الركبة ، الرسمة ، الوسطي ،أقلال )دراسة تعتمد تحليل بُناها التركيبية للوصول إلى البنية الخفية ، وقد انتهى الباحث إلى أن الضحك الفكاهي يشكل قسما أساسيا داخل الشعر الترناتي ، ويتمظهر في ثوبين ؛أولهما الضحك الفكاهي الذي يقصد به الترويح عن النفس ويتشكل بناء على الغربة والتنافر اللذين يكتنفا مضمونه ، وثانيهما الضحك الفكاهي الذي يعبر عن الفرحة والسرور بعيدا عن الهجاء والتحقير .أما القسم الثاني فهو الضحك الساخر الذي يقوم أساسا على الترميز ،بغية تجنب الطعن المباشر إلى التحسيس والتنبيه ،ويبقى القسم الثالث من أنواع الضحك هو الضحك التنذري ؛ذلك الذي يراد به الوعد والوعيد ،وإلى جانبه يحظى الضحك التهكمي بحضور وارف ضمن الأشعار الدرعية الترناتية وهو يفيد عادة الهجاء بشكل سافر .
ويأتي الفصل الثالث موسوما بأسباب الضحك في الأشعار الدرعية المغناة وفيه يناقش الباحث جدلية “الضحك والمضحك” ودواعي الضحك ،وذلك بالاستناد إلى بعض الدارسين أمثال بركسون ومحمد مرشحة ،وفي ثنايا هذا الفصل حصر الباحث تمظهرات وأسباب الضحك في الشعر الدرعي المغنى في الأشكال والأفعال والحركات ثم في الظروف والمواقف إلى جانب الطباع وكذا السخرية بمختلف صنوفها .منتهيا إلى أن الضحك في الأشعار الدرعية الترناتية المغناة متعدد بتعدد المواضيع التي يطرقها الشاعر الدرعي وبعمق رؤاه.
وفي الفصل الرابع والأخير تناول الكاتب كيفية حضور الضحك في الأشعار الدرعية المغناة فتوصل إلى أنه يأتي في ألوان مختلفة تتنوع بين أساليب علم البيان ( الاستعارة ،التشبيه ،الكناية …) وعلم علم البديع (التورية ،الجناس ،الطباق …) إلى جانب الحوار والتصوير الكاريكاتوري والتلاعب بالمعاني .
ونافلة القول إن هذا الكتاب يشكل إضافة نوعية ،وجد بها مكانته ضمن الدراسات التي تعنى بالموروث الثقافي الشعبي لا سيما أنه أوضح شِعْبا لا تزال بكرا وعبَّد الطريق نحوها قصد البحث والتنقيب في بنياتها الخفية المغلقة .
ذ : عبد الواحد البرجي، زاكورة
بعد السلام، تحية للباحث البرجي على هذه “القراءة”، رغم تحفظي من استعمال هذا النعث، لأن المقالة في الحقيقة تعريفية تلخيصية للكتاب، أكثر مما هي قراءة، فالقراءة النقدية هي عملية نقدية للمؤلف، تقتضي تمحيصه وفحصه وتبيان ما له وما عليه… أخيرا أجدد شكري لحرصك على التعريف بكتاب درعة المنسيين، كما أشد بحرارة على يد الأستاذ عبد الكريم الفزني صاحب المؤلف، متمنيا له التوفيق في مساره الإبداعي الشاق…