العرس الصحراوي “نموذج اعوينة أيتوسى” – Moufida Skih

0 1٬754

 العرس الصحراوي  “نموذج اعوينة أيتوسى”

تقع جماعة “اعوينة أيتوسى”ضمن الجماعات التابعة لإقليم آسا الزاڭ بجهة كلميم السمارة، هذه الأخيرة تشكل جزءا مهما من الجهات الجنوبية بحكم موقعها الجغرافي، وقد أهلها لتكون حلقة وصل بين الأقاليم الجنوبية.

فقرية “اعوينة أيتوسى” هي عبارة عن منطقة شبه صحراوية، ترتفع عن البحر بحوالي 320متر، وتقدر مساحتها ب2500 كلم، وهي عبارة عن قرية تقع بين مجموعة من الجبال كسلسلة “جبال باني” تتخللها واحات النخيل الواقعة والمحادية ل”وادي ايغمان”، يحدها من الشمال إقليم كلميم، ومن الجنوب إقليم طانطان، ومن الشرق جماعة البيرات، ومن الغرب جماعة “اعوينة لهنا (تركز)”. وهاته الجماعات بدورها تنتمي نفسها لإقليم أسا الزاك.

تتميز هذه المنطقة بموروثها الثقافي والفني بمجموعة من التقاليد والأعراف، ولعل ما يحدبنا أكثر في هذه الطقوس كلها طقس الزواج باعتباره موروثا ثقافيا.

 mariage-sahraoui-1

يعد الزواج  من أرقى العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا، فبواسطته يتم خلق مجتمع متماسك، لا تزحزحه الشوائب مهما كانت، وقد حث عليه الدستور الإسلامي من قرآن وسنة نبوية.

والمجتمع الصحراوي عامة، يحرص كل الحرص على استمرارية وبقاء هذه العلاقة الاجتماعية والحفاظ عليها، متجدرة بكل تفاصيلها. فعندما تكتمل أنوثة الفتاة الصحراوية، وذلك ببلوغها سن الرشد، ويتجاوز الفتى الصحراوي حد الصيام (بين التاسعة والثالثة عشر بالنسبة للفتاة، والرابعة عشر والسادسة عشر بالنسبة للرجل)، تسعى أسرتيهما إلى ربطهما برابطة الزواج.

عند اختيار الفتاة تذهب أم الفتى إلى خيمة أهل العروس، لتسمع موافقتهم، وتتحرى مدى ترحيبهم(رانا طالبين منتكم لولدنا فلان)، وبعد أن يتأتى لها ذلك تعد زيارة رسمية يحضرها العائلتين(عائلة العروس والعريس). وفي هذه  الزيارة يجلب أهل العريس معهم ذبيحة(خروف)، مع بعض الهدايا(عطور، أثواب، حلي)، فيجهز أهل العروس مأدبة عشاء على شرف هؤلاء الزوار، وفي تلك الجلسة يتم تحديد موعد إجراء مراسيم حفل الزفاف، وتدوم حفلات الأعراس في الصحراء سبعة أيام بالنسبة للفتاة البكر، وثلاثة أيام بالنسبة للمطلقة.

 mariage-sahraoui-2

عندما يقترب الموعد المنتظر، وتكتمل كل استعداداته (المادية والمعنوية)، يبدأ اليوم الأول من أيام الزفاف وهو الذي يعرف ب (الدفوع)، حيث يذهب أهل العريس مع بعض أقاربه إلى خيمة العروس، ويكون في صحبتهم رجل من حفظة القرآن، وبعد جلسة يتم فيها الاتفاق على قدر الصداق، والمقدم والمؤخر تتم قراءة الفاتحة وتحرير العقد. وبعد أن تتم قراءة الفاتحة يقول الفقيه “اشهدوا أيها الحضور أني زوجت (فلانة بنت فلان لفلان بن فلان)، مباشرة بعد حصول هذا الحدث، ترتفع الزغاريد وتطلق الأعيرة النارية، ويقوم أهل العريس بحمل المهر(الدفوع) إلى أهل العروس، وعادة ما يكون مكونا من ذبيحة و أكياس من السكر(زكايب)، وبعض الحلي والأثواب والعطور, تحمل هذه الهدايا فوق الجمال، في موكب جماعي حماسي يحضره أهل العريس وأقاربه، فتستقبلهن الفتيات أمام خيمة أهل العروس وأهلها، مقدمين لضيوفهم التمر والحليب كعربون محبة وفرح، وهن مرتديات لباسا خاصا (نكشة بيضاء وملحفة سوداء،وضفائر خاصة).

 mariage-sahraoui-3

كما يتم نصب”خيمة الرڭ” والتي تكون على جانب ليس ببعيد عن “الفريك”(أي مجموعة من الخيام)، تؤثث بأثاث حسن، وفي منتصف الليل تحمل العروس من طرف قريب للعريس، (الذي يشترط فيه أن لا يكون متزوجا أو سبق له الزواج )، إلى خيمة الرڭ، وذاك بعد أن يتم تجهيزها وتزيينها،وتسمى هذه العملية ب “الترواح”، وتقوم في هذه الأثناء المقربات لها بترديد مجموعة من الأهازيج الشعبية من قبيل

روحي يا جدايت لمهار

روحي بالمال والرجال

أي اذهبي يا زينة البنات، اذهبي برفقة المال والرجال

ثم يعودون لأخذ العريس بترديد الأهازيج الشعبية مثل

ترحامني يا الله، ترحام شبابي

بمعنى  وداعا للحظات العزوبة والشباب

وعند دخولهما إلى خيمة الرڭ، تبدأ الأهازيج مثل الڭدرة والتي بدورها عبارة عن جرة من الطين فمها مغلق بجلد الإبل، وتضرب بعمودين يسميا بالمغازل، ويشترط في الشاب الذي يتولى هذه المهمة المسمى بالنڭار، أن يكون محترف ويحيط به مجموعة من  الشباب يرددون كلمات شعبية من قبيل

الشيخ شبيك ومكة

يعمل هذا عرس البركة

ومعناه  دعاء للعروسين بمباركة زفافهما ، ويشترط أن تكون أم العريس أو أخته البكر أول من يباشر بالرقص داخل رقصة الڭدرة، ويدعى ذلك بالفال، ومعنى ذلك هو افتتاح خير لابنها أو أخوها، وبهذا ينتهي اليوم الأول للزفاف.

 mariage-sahraoui-4

في صباح اليوم الثاني، يحضر أهل العروس إلى خيمة الرڭ، حاملين معهم “الڭصعة” (وهي صحن واسع مملوء بالأرز أو العيش، ويتوسطها دسم الماعز).فيخرج العريس من الخيمة إلى أن تتم مراسيم “الڭصعة”، حيث تقوم أم العريس بأخذ هذا الصحن إلى العروس،وتجعلها تنظر فيه (تجبي لعروس في النڭعة)، وتقوم بإطعامها من ذلك الأرز ثلاث لقم، الأولى تأكلها العروس كاملة، أما الثانية فإنها تأكل نصفها والنصف الآخر تعطيه لإحدى قريباتها الراغبات في الزواج.ونفس الشيء بالنسبة للقمة الثالثة.

وكملاحظة فإن أم العروس لا تكون معها في هذا الوقت، ويبقى أهل العروس عند أهل العريس اى حين تناول وجبة الغذاء.

وفي اليوم الثالث يكون كذلك ما يعرف ب”تبادل الڭصع” حيث يحضر أهل العريس ڭصعة من الطعام، يحملونها إلى أهل العروس وذلك في وفد جماعي يتقدمه العريسان. فتتناولها العائلتين مجتمعتين.

ومن اليوم الثالث إلى اليوم السادس، تسمى هذه الأيام ب “ليالي الترواغ” حيث تحاول فيها صديقات العروس والمقربات إليها، إخفائها عن عريسها الذي يحاول هو والمتعاونين معه البحث عنها وإيجادها،وذلك لإظهار مدى حبه لها، وتعلقه الشديد بها.

تبقى العروس في خيمة الرڭ حتى اليوم السابع، باستمرار اللعب، الموسيقى، الغناء…..  حيث تقوم في هذا اليوم(أي اليوم السابع) باكرا وتذهب إلى خيمة أهلها، حيث تغتسل، وتقوم امرأة مختصة في التزيين(المعلمة) بتجميلها، وذلك بظفر شعرها بجدائل رقيقة تسمى (الفتول)، وتخضيب يديها ورجليها بالحناء، ووضع الكحل في عينيها.

وعند حلول المساء تجلب العروس إلى خيمة زوجها من قبل قريباته (أخواته، خالاته، عماته….)، وهن يرددن بعض الأهازيج الشعبية (التسنڭيف)، مصحوبة بالزغاريد، وبهذا يبدأ ما يسمى ب (التبراز)أي خروج العريس والعروس إلى حفل كبير يقيمه أهل العريس، يحضره الفتيات والفتيان وهم بأفضل حالة.

وهكذا نستنتج بأن تفاصيل العرس الصحراوي متعددة ومتشابكة، يصعب حصرها، وهي تختلف من قبيلة إلى أخرى، لكن خطوطها العريضة تبقى واحدة.

ويبقى العرس الصحراوي بطقوسه هذه ميزة يتميز بها أهل الصحراء الذين يحاولون الحفاظ على موروثهم من خلال تطبيق هذه العادات والتقاليد.

من انجاز الطالبة:

 مفيدة سكيح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.