صناعة خشب العرعار بمدينة الصويرة – Aziz Haddouche
صناعة خشب العرعار بمدينة الصويرة
FABRICATION DE BOIS AL AARAAR AU VILLE D’ESSAOUIRA
مدينة الصويرة هي مدينة مغربية مطلة على المحيط الأطلسي لها تاريخ عريق، وذات طابع معماري متميز. شهدت مدينة الصويرة في السنوات الأخيرة نشاطا سياحيا كبيرا. تاريخها يرجع إلى ما قبل الميلاد فالفنيقيون جعلوا منها قنطرة للرسو في جزيرة موغادور حين كانوا يسافرون عبر البحر إلى الإكوادور.
يوبا الثاني ملك موريتانية الطنجية أنجز فيها معملا لصناعة الصباغات المستخرجة من المحار إحدى أنواع الرخويات – وكان يصدرها للرومان. بعد ذلك استقر بها البرتغاليون والسلاطين السعديين. فالفاتح الحقيقي والواضع مدينة الصويرة في مسارها الجغرافي والتارخي هو السلطان العلوي سيدي محمد الثالث بن عبد الله الذي أوكل مهمة إعادة بنائها في نسختها الحالية إلى تيودور كومود في سنة 1760 م.
مدينة الصويرة تحتوي بكتافة على العديد من الساحات والأسوار للأثار التاريخية الساحرة والعظيمة. هذه التحفة مليئة ببنايات أثرية متناسقة، ارث ثقافي من أجيال سابقة مع بنايات عصرية موضوعية ونكتشف من خلالها أسوار، سقالة “la sqala” بأبواب ضخمة.
يعتبر قطاع الصناعة التقليدية بمدينة الصويرة، من أهم القطاعات النشيطة بالمدينة، حيث يساهم في تحسين ظروف العيش و توفير الشغل لعدد هام من الساكنة من ضمنها عدد من الشباب من حاملي الشهادات والغير الحاملين، كما يشكل مصدرا لتنمية الموارد الاقتصادية و المالية، و عاملا لإنعاش الحركة التجارية و السياحية و خاصة في ميدان النقش على خشب العرعار، كما أنه يكتسي طابعا أكثر أهمية بالنسبة للمدينة و الإقليم، إذ يشغل حسب الإحصاءات المتداولة ما يزيد عن 14.000 صانع و صانعة في مختلف الحرف التقليدية، و يعمل بمدينة الصويرة وحدها حوالي 8.000 حرفيا و حرفية، و هذا العدد في تزايد مستمر من سنة لأخرى، الأمر الذي يتجلى من خلاله مدى أهمية القطاع و فعاليته و خصوصا في مجالات النقش على خشب العرعار و صياغة الحلي الفضية و المنتوجات النباتية، كونها تضمن الشغل برساميل و إمكانيات بسيطة لفئة عريضة من السكان، و يعتمد بالأساس على تحويل المواد الأولية المحلية و لاسيما صناعة النقش على خشب العرعار إلى منتوج للتداول التجاري على الصعيد الوطني و الدولي.
و من هنا يتضح أن إقليم الصويرة، و المدينة خاصة، تتميز بتراث تاريخي غني، و تشتهر بصناعتها التقليدية التي تعتبر من ركائز النسيج الاقتصادي بالإقليم، حيث ساهمت في جعل الإقليم قطبا حضاريا فنيا، و مصدر افتخار في ميدان الصناعة التقليدية.
لكن ما هي قصة صناعة النقش على خشب العرعار؟ أو بعبارة أخرى كيف نشأت هذه الصناعة و تطورت؟
عمر هذه الصناعة لا يتجاوز 100 سنة (1899م/1310ه) أواخر عهد الحسن الأول الذي اهتم بالصناعة التقليدية خاصة بمدينة الصويرة التي اجتمعت فيها باقة من العناصر الفنية القادمة من شتى جهات
المغرب، حاملين معهم مواهب خصبة وعبقرية فنية جديرة بالخلود، هذه المواهب التي عملت عملها في هذا الإقليم منذ 1760م/1178ه، فقد أوفد الحسن الأول بعض صناع القصر من بينهم صانع حاذق في فن النجارة، و ذو ذكاء ثاقب، و كان الصناع الصويريون ذوو البراعة في النجارة يستعملون كل أصناف الخشب الذي تصل إليها أيديهم، و لم يكونوا يعرفون شيئا عن خشب العرعار الذي كان اغلب سكان إقليم الصويرة يستهلكونه في غير فن النجارة فيطبخون به طعامهم و قد يسقفون به بيوتهم، كما يتداوون بأوراق شجره، و يستخلصون من مسحوق هذا الورق نوعا من “البيزموت” البلدي، يسفونه مع اللبن الحامض كعلاج ناجع لقرحة المعدة.
و يقال أن الصانع المذكور الوارد من القصر الحسني، خرج يوما يتفسح في ظاهر الصويرة، و كانت عادة القرويين المنحدرين من شتى أطراف الإقليم، أن يعرضوا بضائعهم في أمكنة خاصة عند مدخل المدينة، كل حسب نوع بضاعته، فبعضهم يعرضون المنتوجات الحيوانية، و بعض يعرضون الجير و الآجر، و البعض الآخر يعرضون جدر العرعار لمن يستعملونه في شتى الاستعمالات. و مر الصانع المذكور بكومة من خشب العرعار قد تآكلت بعض أطرافه من شدة احتكاك بعضه ببعض، فبدت الأجزاء المحكوكة صقلية لامعة، فلمعت خاطرة ذكية بذهن الصانع و فكر في استعمال هذا النوع من الخشب في فن النجارة و لو على سبيل التجريب.
و هكذا جاءت الانطلاقة الأولى لفن صناعة العرعار عن طريق الصدفة، و لكنها صدفة خير من ألف ميعاد. و جربت هذه الفكرة من طرف الصناع الصويريين، على صعوبة معالجة خشب العرعار، و تعقيد طرق هذه المعالجة التي تضع الصانع أحيانا بين شقي الرحى، فيذوق الأمرين قبل الخروج بأية تحفة من هذا الخشب العجيب، الذي يتطلب وسائل حازمة و حاسمة لم تكن متوفرة لدى النجار الصويري آنذاك.
بروز صناعة العرعار إلى حيز الوجود
ظلت صناعة النقش على خشب العرعار في منطقة الظل زمنا لا يقل عن ربع قرن لغاية 1915م حيث أقيم معرض (مغربي ـ فرنسي) بمدينة الدارالبيضاء، و وجهت الدعوة لصناع العرعار الصويريين، فشاركوا بأعمال قيمة، كان لها بعيد المدى، داخل المغرب و خارجه، و خصص لها حيز فسيح في المنشورات السياحية، و مذكرات السياح الأجانب، كما أن هذا المعرض حظي بإقبال كبير، و عدت الدارالبيضاء ـ طوال مدة العرض ـ قبلة جميع الصناع المغاربة و هواة الصناعة التقليدية، الذين لفت نظرهم طابع الصبر و الإتقان الذي تنم عنه صناعة النقش على خشب العرعار بالصويرة، و التي تفاوتت نماذجها من حيث الحجم و طريقة التزيين، فهناك صنيدقات متنوعة ذات تلوين بعرق الليمون ، و عود ممتاز يعمل به الموسيقيون ، و رباب ، كما نجد بجانب هذه الروائع خزانات صالحة للكتب و الملابس ، عرعار كبير مزخرف و مطعم بعرق الليمون ، مائدة أطلق عليها اسم “الشايلا” ، و هذه “الشايلا” كانت أروع ما شاركت به الصويرة في المعرض المذكور، و قد أحرزت على ميدالية ذهبية، على أن كل الصناع الصويريين حصلوا على ميداليات و شواهد تعترف لهم بالروعة و الإتقان في صناعة العرعار، و من هذا التاريخ خرجت صناعة النقش على خشب العرعار إلى منطقة الضوء، و انفتح أمامها عهد جديد اكتسبت فيه شهرة عالمية غنية عن كل بيان.
تلقين صناعة النقش على العرعار
لا بد لمن يرغب في تعلم هذه الصناعة أو الصنعة، أن يمر بمراحل حتى تظهر كفاءته و مقدرته، أول هذه المراحل (مرحلة الملاحظة) يقتصر فيها المتلقين في بداية الأمر على الملاحظة و المشاهدة لمدة سنة كاملة، يراقب و يتتبع فيها حركات (المعلم) فان كان حاد البال فطن العقل ألم بمبادئ الصنعة و حفظ الأدوات المستعملة في صناع النقش على خشب العرعار انتقل إلى مرحلة أخرى، و تسمى هذه المرحلة (مرحلة الصقل) أو بالعامية (مرحلة الحكان)، تسلم خلالها للمتلقين بعض النماذج من المنتوجات لصقلها حيث يشرف (المعلم) على تلقين (المتعلم) كيفية مسك أداة الصقل و كيف و متى يتوقف أو يستمر في الصقل، و تعد هذه المرحلة مرحلة إرشاد و توجيه، و بعد أن ينال (المتعلم) رضا (المعلم) و يتوسم فيه خيرا يأمره بوضع الرسوم.
و تعتبر (مرحلة وضع الرسوم) جد هامة و حاسمة في حياة (المتدرب)، فهي تتطلب الثقة في النفس و الانضباط و الحيوية، ذلك أنها تفرض عليه نقل الرسوم بشكل سليم، و يتم ذلك على ألواح وضعت خصيصا لأجل التلقين. و على المتدرب أن يكرر العملية مرات عديدة إلى درجة الإتقان، و تسمى هذه العملية عند صناع العرعار بالصويرة ب (التدقاق ثم النزول). و تبقى هذه المرحلة آخر مرحلة يمر منها المتدرب ليصبح صانعا و لا يقدم عليها إلا بعد تأكد (المعلم) من نبوغه و اجتيازه المراحل السابقة بنجاح.
و بعد أن يقضي المتدرب بهذه المرحلة مدة طويلة، و يظهر كفاءته و مقدرته، و يطمح في الارتقاء إلى درجة (معلم) يخبر بذلك معلمه عن طريق و سيط غالبا ما يكون احد أقربائه، و ذلك استحياء من معلمه و احتراما و تقديرا له، فان شهد له (المعلم)بكفاءة و مقدرة و مهارة صانع، في هذه الحالة يلزمه بمعية من توسط له بالعمل بالجد و الإتقان، عندئذ يأذن له بفتح دكان بعد أن يكون (المعلم) قد اخبر به أمين غرفة الصناعة التقليدية و المحتسب، لينظم إلى طائفة (المعلمين).
الرسوم و المواد المستعملة في صناعة العرعار
هناك نوعان من الرسوم يستعملها صناع النقش على خشب العرعار بالصويرة، منذ نشأت هذه الصنعة.
الرسوم المعروفة بالخطة أو (التسطير) بالعامية، و هي عبارة عن أشكال هندسية متنوعة عرفت في الصناعة العربية منذ القدم، ثم الرسوم المعروفة ب (التشجير) و يقال لها أيضا (العرق) و هو عبارة عن أشكال تشبه أغصان الأشجار، تطور هذا الرسم العربي على يد الصناع المغاربة على مر العصور، يعطي للتحفة جمالا لا يماثله جمال حتى انه يخيل للناظر أن هذه الأغصان طبيعية و أنها ألصقت مباشرة بالتحفة لشدة الشبه بينهما.
أما المواد المستعملة في هذه الصنعة العجيبة فهي “الكايزة” و تنطق بالكاف المعقودة، و هي عبارة عن جذر شجرة العرعار، ثم هناك “الجدر” لم يستعمل في الصنعة إلا في بداية القرن الماضي، أول ما ظهر كان على يد فرنسي اسمه “بروس” كان يملك وحدة إنتاجية بالصويرة، تتلمذ على يده كل من المهدي كعواش و العربي مول الجدر، و كان هذا الجدر يستعمل فقط للتغليف.
هناك كذلك “عود الطلح” وهو شجرة تشبه “السدرة” إلا أن قامتها قصيرة و جذورها طويلة، و هو الذي يعتمد عليه في التطعيم، و يقال له أيضا “تادوة” و هو اسم أمازيغي شائع بين صناع النقش على خشب العرعار بالصويرة، فهو عود شديد الصلابة، أسود اللون، و قد يكون بني غامض يجلب من منطقة حاحا بإقليم الصويرة..
ثم “العاج” و هو مادة بيضاء، كانت عبارة عن أنياب الفيلة كانت تستورد من جنوب إفريقيا، استبدلت في ما بعد بالعظم ثم عود “الليم”، هذا العود هو جدع شجرة البرتقال.
وقد أدرجنا فيديومن جزئين(1-2) يوضح أكثر هذه الصناعة وأدواتها :
من إنجاز الطالب : تحت إشراف الأستاد:
حدوش عزيز عبد الصمد بصير