الألعاب الشعبية الصحراوية: نموذج لعبة السيك (بمدينة العيون ) – ETTABIB Jamila
الألعاب الشعبية الصحراوية:
نموذج لعبة السيك (بمدينة العيون[1])
تشكل الألعاب الشعبية دورا هاما في تأطير الموروث الثقافي الشعبي،الذي يرتبط بحركات و أناشيد و أغاني وإيقاعات شعبية،كما تنقل التقاليد والعادات بصورة عفوية وطبيعية من جيل لآخر،مساهمة بذلك في تكوين ثقافة شعبية غنية تؤكد أهمية الإرتباط بالجماعة والأرض والوطن،و هي لا تستند إلى نص مكتوب تعتبر فقط تراثا منقولا تحمله الذاكرة الجماعية ولا تنتسب لزمن أو أصل محدد فإذا أراد الباحث دراستها فعليه التوجه إلى المنطقة أو القبيلة التي تختص بهذا التراث.
واللعب الشعبية بالصحراء لا تقتصر على جيل بعينه أو جنس محدد،وإنما هي صلة وصل بين أجيال وجسر لربط الماضي بالحاضر،وهذه اللعب تتميز بكونها غير محكومة بهالة مقدسة فيجوز لأي كان إضافة أو حذف أو تحريف فيها حسب ما تقتضيه الحالة.
وقد عرف المجتمع الصحراوي كغيره من المجتمعات أنواعا لا تحصر من الألعاب الشعبية التي تختلف فيما بينهما،من حيث الشكل و المضمون وطريقة الأداء و يمارسها الكبار والصغار على حد سواء،بهدف التسلية والترفيه للامتصاص التعب والقلق اليومي.
وتنقسم الألعاب الشعبية في الصحراء حسب الرواية الشفوية إلى ثلاث أنواع : (كلامية وذهنية ورياضية) ومنها ما تخص الذكور أو الإناث أو هما معا،إلا أننا سنتطرق في هذا الموضوع إلى لعبة السيك[2] كنموذج،و كما سبقت الإشارة بالنسبة للبعد التاريخي يصعب تحديد اللعبة ولكنها تكيفة مع ظروف عيش المجتمع الصحراوي و يمكن القول بأنها من الممارسات الثقافية ذات الطابع الإجتماعي بمارس هذا النمط التراثي في فضاءات مختلفة: داخل الخيمة،في الهواء الطلق (الصحراء) ،الشواطئ و البيوت العصرية في وقتنا الراهن،أما الأدوات التعبيرية لهذه اللعبة و طريقة لعبها فهو ما سنفسره في الفقرات الموالية:
لعبة السيكَ:
تعد لعبة السيكَ من أشهر الألعاب بالصحراء على الإطلاق إذ تعرف إقبالا واسعا،خاصة خلال شهر رمضان،وذلك بغية التسلية والترفيه وذلك لما يتسم به شهر رمضان من أجواء إحياء صلة الرحم،حيث تمارس هذه اللعبة التي تدعم التعارف وتعمق الأواصر بين اللاعبين و الحضور،فحتى بعد أن انتقل البدو الصحراويين إلى حياة الاستقرار،فقد بقيت هذه اللعبة ملازمة لهم ولازالت تمارس الى يومنا هذا،وهي لعبة جماعية يلعبها الجميع خاصة النساء، ولا تتطلب لعبة السيكَ أدوات كثيرة أو مكلفة إذ تقتصر على أدوات التالية :
ثمانية أعواد يبلغ طول كل واحد منها مابين 35 الى 40 سنتمتر،وهي مصنوعة من القصب أو الخشب،ويسمى كل عود من هذه الأعواد *سيكة* جمع *أسياك* ولكل سيكَة وجهان: وجه خارجي وآخر داخلي،إضافة إلى رقعة رملية ترسم عليها خطوط متوازية هذا إضافة إلى وجود بيادق تتخذ عادة من الحصي أو أعواد صغيرة وأحيانا “بعر الإبل”.
تشرع اللعبة بمبادرة أحد الفريقين ويتكون الفريق من لاعبة واحدة الى خمسة أو ستة وقد يفوق العدد ذلك،حيث تأخذ إحدى اللاعبات الأعواد السبعة وترميها أرضا،ويمنع اللعب بالأعواد الثمانية أو تحريك بيادقه في رقعة الرملية حتى يتمكن اللاعبين من الحصول بما يسمى “سيكة” أي أن تسقط 6 أعواد على جهة واحدة باستثناء سيكَة واحدة سواء كانت من الوجهة الداخلية أو الخارجية.
أما حين تسقط أعواد كلها مبدية وجهتها الداخلية فإن اللاعبة تحصل على ما يسمى *بحجبة*،التي توازي أربعة سيكَات ما لم يلغيها *حمار*،بمعنى أن تسقط أعواد ستة على وجهتها الخارجية إلا عودين وقد تحصل المتبارية على *بكَرة *،عندما تسقط أعواد ثمانية مبدية وجهتها الخارجية ولا تلغى البكَرة إذا ما تمكنت أللاعبة المتنافسة من الحصول على حمار.
يقال “فلانة جات“و “فلانة فطرت“؛في حالة ما حصلت اللاعبة على سيكَة أو بكرة أو حجبة يسمح لها بتحريك بيادقها حسب العدد المحصل عليه،كما تمنح الحق بإعادة اللعب في حالة حصولها على عدد 4 أو تضاف إلى رصيدها ما لم يلغيها “الحمار“،وفي حالة الفوز بعدد من أسياكَ أو حجبات أو بكَرة فان ذلك يعطيها الحرية المطلقة في موضعة البيادق،إذ في مقابل كل سيكَة تكتسب الحرية في تحريك بيدق كما تشاء عند فك كل البيادق فان ذلك يتطلب من الفريق الحصول على سيكَة يحلل بها المال ويقال إنه “تلب” أو “السيكَة تلبت” ونتيجة لذلك تغدوا للفريق كامل الصلاحية في تصفية بيادق خصمه داخل عقر داره.
تعتمد لعبة السيكَة على الحظ والحنكة في تسير ونقل البيادق و المحاولة المستقيمة لنقل الصراع من الخطوط الخلفية الى الوسط،من ثم الهجوم على الخصم في ميدانه ثم الإنتقال لتصفية باقي البيادق،و الرابح هو من يتمكن في النهاية من تصفية بيادق الخصم،وفي حالة إذا ما حصل واجتمع بيد قين خصمين داخل دار واحدة يكون الإمتياز لمن جاء دوره،أما في حالة اجتماع بيد قين من النوع ذاته داخل بنفس العدد الذي اجتمعا فيه لتتم النقلة إلى الدار الموالية دار واحدة فيفصل بينهما إذا رغبت اللاعبة في فصلهما،كما انه يحرم ويمنع القتل في وجود دور فوق الرقعة،و هي ما يسمى ”بتشانيارت ” يقال ”تشنير” حيث باستطاعة بيد قين خصمين الاجتماع فيها ويبلغ عددها أربعة،وعندما تحصل إحدى اللاعبات على سيكَة عادة ما يمنح فرصة اللعب للاعبة الأخرى من الفريق نفسه،فيقال لها ”خب الرغوة ” أي أتقن اللعب وعاود الكرة تيمنا بسيكَ السابق أو تقوم بكسر العود الثامن و تقول ” السيكة انكسرت” “دوري السيك ” وتكررها مرارا.
السيك العصري:
تعد لعبة السيك العصري تطورا للعبة السيك التقليدي، أشهر الألعاب الصحراوية… حيث استبدلت كومة الرمل بطاولة خشبية، وهذا عائد لكون العديد من الأسر الصحراوية استقرت بالمدن مما دعاها إلى ابتكار طرق تقليدية للحفاظ على تراثها الثقافي،رغم تطور الحياة داخل الحواضر.السيك العصري لا يختلف عن نظيره التقليدي فيما يتعلق بقوانين اللعب، حيث ظل كما هو، إذ لا يسمح بالتحرك لأي فرد من لاعب الفريقين على “لبرا” إلا إذا تمكن من إنجاز رمية تسقط فيها السيكات على وجه واحد قد يكون (الظهر) أو (الوجه) ليبتدئ التنقل بين الحفر على “البرا” في اتجاه الفريق الخصم وفقا لعدد النقط التي تسجل تبعا للوضع الذي تتخذه السيكات أثناء اللعب.
إن لعبة السيك لا تخلو من مواقف ضاحكة،إذ ترفع شعارات من طرف الفريقين يقولون ” كَاد بينا شيخ الكبار كَاد بينهم شيخ الحمار”،والغاية إحباط الفريق الخصم ورفع معنويات إذ ما حصلت اللاعبة على عدد أربعة لمرات متتالية،ثم أتبعت ذلك بحمار فإن ذالك يثير موجة من الضحك والسخرية والتأسف لسوء الحظ الذي أصاب اللاعبة،وهذا ما يجعل ”السيك” اللعبة الاكثر شعبية وأكثر إثارة وهي لعبة الشباب و الكهولة والنساء دون استثناء.
وتبقى الألعاب الشعبية القديمة بصفة عامة موروثا ثقافيا يستحق دراسة انثروبولوجية إثنولوجية من اجل اسناد هذا التراث الى نصوص مكتوبة لما يحمله من ملامح تراثية تعبر عن انماط حياة الشعوب في الصحراء قديما و التي لا تزال تتوارث إلى يومنا هذا.
من إنجاز الطالبة :
الطبيب جميلة
ETTABIB Jamila
[1] – تقع مدينة العيون بالجنوب المغربي تحدها شمالا جهة كليميم السمارة،جنوبا جهة وادي الذهب – لكويرة،شرقا موريطانيا،غربا المحيط الأطلسي،تعتبر أكبر المدن الصحراوية و تعد عاصمة لها.
– للإشارة فلعبة السيك لا تقتصر فقط على مدينة العيون بل تنتشر في جميع الأقاليم الصحراوية و تتقيد بنفس القواعد و الأدوات.[2]