طقوس العرس الصحراوي – Soukaina ADIB

0 4٬618

mariage-sahraoui-1تقديم :

تتسم حفلات الزفاف  الصحراوي المغربي بتعريف موجز عن الأصول الصحراوية المغربية ينتمي سكان الصحراء المغربية إلي شبه الجزيرة العربية ومن اليمن بالتحديد وتعود أصولهم إلي قبيلة بني حسان ، وقد نزحوا بحثا عن الكلاء لماشيتهم حتى وصلوا المغرب واستوطنوه وهم أناس معروفين بالكرم لدرجة أنه لا يغلق لهم باب ، كما أنهم مسالمين ويعيشون في مجتمع قبلي صرف ، حيث تتواجد العديد من القبائل منها علي سبيل المثال لا الحصر قبيلة الرقيبات وأيت لحسن وأيتوسا وأل الشيخ ماء العينين وفيلالة وهاتين القبيلتين الأخيرتين يعتبرون من الأشراف وأصحاب الزوايا ، واللغة هي اللغة الحسانية لجميع قبائل الصحراء والتقاليد هي ذاتها تمع اختلاف طفيف قد تجده في مناسبات الزواج وقد أتي علي ذكر بعضها .
ولندخل الآن إلي تفاصيل العرس الصحراوي وسأحاول قدر الإمكان الاختصار :

1-   قبل البدء :

تنفرد المناطق الصحراوية بعادات خاصة مرتبطة بالزواج فعادات الخطوبة السائدة بتلك المناطق لها سمة خاصة تبدأ بالاتفاق على الزيجة بين الخطيبين بتجمع أهل العريس للذهاب إلي بيت العروس لخطبتها ومعهم أكياس سكر وكبش وملابس للخطيبة وتتم قراءة الفاتحة بعد الاتفاق علي موعد العرس حيث و يجري العقد طبقا لنصوص الشريعة الإسلامية بحضور القاضي يقوم شخصيا أو من خلال الشاهدين بالتأكد من رغبتهما في هذا الزواج و ذالك بعد مقابلة كل منهما على حدة و الحصول على توقيعهما على وثيقة قبول الزواج و هذا الإجراء يهدف إلى القضاء على الزواج دون رضا الطرفين و خاصة الفتاة حيث تظهر تجليات العادات و التقاليد المتوارثة منذ مئات السنين على هذه المراسيم، بدأ بالخطوبة و شروط أهل العروس و كتابة العقد.

2-   استعدادات العرس :

وعندما يحين موعد الزواج تكون العروس تتهيأ لتكون بأفضل صورة وتلزم البيت مدة شهر قبل الزواج يكون خلالها أهل كلا من العروسين يتهيئون لهذه المناسبة وسأركز علي أهل العريس في البداية لأن تكاليف العرس الصحراوي تكاد تكون باهظة -لذا تجد العزوف عن الزواج من قبل الشباب أمر له أسبابه- فعلي أهل العريس أن يشتروا ناقتين أو جملين أو جمل وكبشين سمين علي الأقل ليقدموهم إلي أهل العروس إضافة إلي أكياس من السكر تصل إلي 10أكياس علي الأقل يحتوي كل كيس علي 24 قالب من السكر يزن القالب الواحد كيلوين من السكر ، ثم سجادتين فما فوق من الحجم الكبير وزربيتين وهما أنواع أخري من السجاد لكن لها شكل ونوع مختلف ، ثم صندوق كبير يشمل أربعون ملحفة علي الأقل – الملحفة جمع ملاحف وهي الزى التقليدي والدارج ارتداءه في مدن الصحراء – وكل ملحفة مرفقة ببلغة وقرنفل وحناء ومشط … وهذا الصندوق هو هدية من أهل العريس لأهل العروس وقريباتها،ـ أما صندوق العروس فهو يشمل عدة ملاحف من النوع الممتاز الغالي الثمن والدارج حسب الموضة في وقت إقامة العرس وكل ملحفة مرفقة مع فستان يناسبها وصنادل وأحذية إضافة إلي علب الماكياج الحديثة وزجاجات العطر ثم صندوق صغير متوفر علي مجوهرات ذهبية تتألف من ساعة وخاتمين علي الأقل ودباليج وأسوار ، يحمل كل هذا في سيارات Land rover إضافة إلي عدة سيارات تصل في الغالب إلي أربعين سيارة تحمل أهل العريس في موكب يدعى/ الدفوع / ويمر هذا الموكب في معظم شوارع المدينة وصولا إلي بيت العروس والذي يستقبلهم أهلها بالترحاب والزغاريد ويستقبلونهم أيضا بالتمر واللبن تقدمه فتيات وهن مرتديات الزى الصحراوي القديم المتآلف من ملحفة سوداء يلفها إزار أبيض من الخصر أي النكشة فما أسفل وفي رؤوسهن جواهر موضوعة مع تسريحة قديمة كانت دارجة في القدم وهي من التقاليد القديمة وتسمي الظفرة ،وعند استقبالهم يأتي أهل العروس بإزار أبيض يفردونه أمام أهل العريس ويمسكونه من طرف وأهل العريس من الطرف الأخر وبعد يتجاذبونه فمن استولي عليه معناه أن العروس ستكون تحت سيطرة العريس أو العكس  و هذه العادة يدخل أهل العريس إلي المكان المعد لاستقبالهم ويكون أقارب العروس وصديقاتها وجيرانها باستقبالهم والترحيب بهم والتغني بأهازيج خاصة بالمناسبة ولا ننسي أن هناك فرقة موسيقية صحراوية تتغني بأغاني الطرب الحسانية الطربية والشعبية  حيث يقدم الحلويات و العصائر و الحليب للوافدين.

على أنهم في اليوم التالي مدعوين للغذاء عند أهل العريس كما يتم نصب خيمة ” الرق” التي تكون ليست بعيدة عن الفريق ( مجموعة من الخيام) حيث تأتي عملية الترواغ أو الترواح.

3-  الترواغ أو الترواح :

يحتفل بالعريس كما يحتفل بالعروس في الصحراء و بحضور الأصدقاء و الأقارب الذين يحيطون بالعريس يزف إلى عروسه بأهازيج و زغاريد ، وبعد انقضاء منتصف الليل تحمل العروس ألي بيت أهل العريس برفقة صديقاتها وقريباتها نساء ورجالا بترديد مجموعة من الأهازيج الشعبية من قبيل:

يا العروس تعشـــــاي سابك ما جا لعريس
كومي ضرك تمشــأي والصبح يجيك دريس
أي:
يا عروس تناولي عشائك قبل مجيء العريـــــس
وقومي الآن لتمشــــــي فغدا ستكونين أحسن

وتستثني الأم لأنه من العيب أن يذهبا ، وبالمناسبة عندما تحمل العروس الى بيت العريس تكون مرتدية ملحفة من النيلة وإزار أبيض موضوع علي كتفيها ، لكنه و قبل الدخول إلى الخيمة المخصصة للاحتفال يطوف بالخيمة سبع مرات من الخارج ثم يدخل و يجلس في الزاوية الشمالية الغربية مع عروسه و يستمر الغناء و الرقص حتى ساعة متقدمة من الليل.

وعندما يدخلونها إلي العريس برفقة صديقاتها ويكون العريس رفقة إشبينه وأصدقائه يتسامرون بعض الوقت ثم ينصرفون وهنا تجدر الإشارة إلي أن مجتمعنا الصحراوي لم يستطع تجاوز عادة انتظار دليل العذرية وكل ما كانت مدة إظهار هذه المسألة قصيرة كلما رفعت من شأن العروس ، وفي انتظار هذا الأمر أو لنقل دليل البراءة يكون الأهل والأقارب من كلا العائلتين في حفلة غنائية فيها رقص والكل يتباهي بأنه الأفضل من الأخر من خلال الرقص وقرض الشعر وينتهي الحفل في ساعات الفجر الأخيرة بزغاريد بعد ظهور دليل العذرية أو خلينا نقول البراءة ،و يؤخذ الدليل هذا وهو عبارة عن إزار ليراه والداها وقريباتها وصديقاتها ويرقصون بيه وهذه عادة أخرى لم يستطع الدين التغلب عليها باعتبار أنها تمثل الشرف وهو أغلى ما لدى الناس .

و عند باب خيمة العرس تدور معركة حامية الوطيس بين فريقي العريس و العروس و يحاول فريق العريس إدخالها إلى الخيمة لتلحق بالعريس بينما يحاول الفريق الأخر منعها من ذلك و هذا هو الطقس الذي يثبت فيه أهل العريس جدارة ابنهم و استحقاقه لعروسه كما أن العريس يثبت خلاله مدى تعلقه بزوجته و رغبته فيها.

 
وفقا لطقوس الزواج التقليدي في الصحراء يتم خلال ليلة الدخلة ما يعرف  بالترواغ و هو إخفاء العروس من جانب صديقاتها في مكان سري و مجهول الأمر الذي يلزم العريس بمعية أصدقائه البحث عنها و العثور عليها مهما كلف الأمر و يأتي الغرض من ذالك إثارة الحماس و الشعور بالغيرة لدى العريس و اختبار درجة حبه و تعلقه بعروسه و لخداع العريس و معاونيه تتزين إحدى صديقات العروس و ترتدي أزياء شبيهة بملابسها و تختبئ في مكان قريب حيث يعثر عليها بسهولة ليتم حملها خطأ إلى العريس الذي يفاجأ بمجرد الكشف عن وجهها و هو ما يسمى لمرط أي الخدعة و التو هيم في القاموس الشعبي الحساني لحظتها ينقلب المشهد إلى مسرح من الضحك و السخرية و يستمر البحث عن العروس. أما الليلة الأخيرة تسمى بأحشلاف و تعني النهاية و فيها تبيت العروس إلى جانب زوجها.

 ويظل أهم شيء يميز العرس هو عادة الاختطاف إذ تقضي التقاليد الصحراوية أن يسعى حلف العروس بزعامة صديقاتها إلى اختطاف و إخفائها و في حالة نجاح حلف العروس يكون على العريس دفع دية لتحرير العروس أما إذا عثر على عروسه فانه يصطحبها في موكب مصحوب بالزهو و الحماسة .

 

4-  هودج الناقة :

mariage-sahraoui-2

 

تتميز الحلقة الختامية للعرس الصحراوي بأن تزف العروس  إلى عريسها فوق هودج ناقة ثم تنحر الناقة  ليلة العرس و اليوم الموالي واحدة من قبل أهل العريس و الثانية من أهل العروسين في صباح اليوم الثاني، يحضر أهل العروس إلى خيمة الرق، حاملين معهم (الكصعة) صحن واسع مملوء بالأرز أو العيش ويتوسطها دسم الغنم. فيخرج العريس من الخيمة إلى أن تتم مراسيم الكصعة.
حيث تقوم أم العريس بأخذ هذا الصحن إلى العروس، وتجعلها تنظر فيه (تجبي لعروس فانكعة) وتقوم بإطعامها من ذلك الأرز ثلاثة لقم .الأولى تأكلها العروس كاملة، أما الثانية فإنها تأكل نصفها والنصف الآخر تعطيه لإحدى قريباتها الراغبات في الزواج. ويحدث نفس الأمر بالنسبة للقمة الثالثة.
وكملاحظة فإن أم العروس لا تكون معها في هذا الوقت، ويبقى أهل العروس عند أهل العريس حتى يتناولوا وجبة الغذاء عندهم.
من اليوم الثالث حتى اليوم الخامس، تسمى هذه الأيام بليالي ترواغ، تحاول فيها صديقات العروس والمقربات إليها، إخفائها عن عريسها الذي يحاول هو والمتعاونين معه البحث عنها وإيجادها، إظهارا مدى حبه لها وتعلقه الشديد بها.
وفي اليوم الثالث يكون كذلك ما يعرف بـ “تبادل لكصعحيث يحضر أهل العريس قصعة من الطعام، يحملونها إلى أهل العروس وذلك في وفد جماعي ويتقدمه العريسان. فتتناولها العائلتين مجتمعتين (عائلة العريس وعائلة العروس)، وفي المساء يتم نفس الأمر لكن هذه المرة يتم تناولها عند أهل العريس.
تبقى العروس في خيمة الرق حتى اليوم السابع، باستمرار اللعب، الموسيقى، الغناء… حيث تقوم في هذا اليوم (أي اليوم السابع) باكرا، فتخرج إلى خيمة أهلها، حيث تغتسل، وتعمل امرأة مختصة في التزيين (المعلمة) بتجميلها، وذلك بظفر شعرها بجدائل رقيقة تسمى لفتول، وتخضيب يديها ورجليها بالحناء، ووضع الكحل في عينيها.

 mariage-sahraoui-3

 

وعندها تستقبل العروس ضيوفها و صديقاتها و عائلاتها، وتتلقى الهدايا والهدايا هنا تكون عبارة عن أحدث الأواني المنزلية وقد تصل حتى التلفزيون والغسالة والبطانيات والزرابي يمكن أن نقول من الإبرة وحتى الثلاجة مرورا بغرفة النوم ، وفي ذاك اليوم تقدم مأدبة الغداء علي شرف أهل العريس وأصدقائه وأهل العروس أيضا وجيرانهم وكل محبيهم وانتم كمان تعالوااااا هلا فيكم ، تتكون هذه المأدبة بالأول من الحلوى والعصائر والتمر والحليب وذالك ثناء الاستماع للفرقة الموسيقية التي تترافق مع كل أيام المناسبة ثم بعدها يقدم الغداء ويكون الطبق الأول مؤلف من لحم الإبل والطبق الثاني من/ السفة/ وهي عبارة عن سميد أو أرز أو شعرية دقيقة تطبخ بطريقة خاصة وتزين بالزبيب واللوز والسكر المهروشين ثم يؤتى بالطبق الأخير هو طبق الفواكه ، و عند حلول المساء تجلب العروس إلى خيمة من طرف قريباتها (أخواته ، خلاته ، و عماته …. ) و هن يرددن بعض الأهازيج الشعبية ( التسنكيف ) مصحوبة بالزغاريد ، و بهذا يبدأ ما يعرف بالتبراز أي خروج العريس و العروس إلى حفل كبير يقيمه أهل العروس يحضره الفتيات و الفتيان و هن بأفضل حلة.

 

 

 

حيث تكون هناك ما يسمى بالفرحة العرس أو جائزة العروس وتسمى عندنا (حوصة العروس) والغريب أن فرحة العروس لا تطالب بها العروس ولا أهلها ولا صديقاتها ما هي حق وتقليد للمغنين الذين أنعشوا الحفل أو أشخاص آخرون لا أريد ذكرهم خوفا من بعض الحساسيات‚ المهم إن الشخص الذي يريد أن يظفر بجائزة العروس عليه أن يظهر على منصة حفل العرس ويطالب بها على الملأ‚ فيبادر أهل العريس إلى دفعها بسرعة فداء لعروسهم ويصبح مبلغ المال المدفوع ملكا لذلك الشخص سواء فنان أو آخر‚ فيعتبر هذا اختبارا لسرعة كرم العريس وأهله واستعداده التام للبذل والعطاء من اجل المحافظة على عروسه وعلى زواجه‚ كما يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يطالبوا بفرحة العريس نفسه وفي هذه المرة يدفع اهل العروس فداء لعريسهم ، و في الأخير يختم أصحاب الفرق الموسيقية الحسانية بالرقصة شرتات الجميلة و التي معروفة لدى جميع القبائل.

وفي اليوم الموالي، يدعى أهل العروس وأقرباءهم للغداء عند أهل العريس ونفس الأجواء والأطباق تسود العزيمة .
لكن فتني أن أقول أنه يوم الصبحية يأتي أهل العروس بالأرز مطبوخا بالطبع مع اللبن والسمن .
وبعد انتهاء المناسبة تذهب العروس في أول زياراتها إلي بيت الشخص الأكبر في العائلة الجد أو العم برفقة عريسها وهي تحمل له ملابس جديدة وكيسين من السكر ويقوم العم أو الجد بذبح الذبائح ودعوة المقربين للاحتفال بأول زيارة تقوم بها قريبته بعد زواجها.

 

5-   خلاصة :

 

وهكذا نستنج بأن تفاصيل العرس الصحراوي متعددة ومتشابكة، يصعب حصرها، وهي تختلف من قبيلة إلى أخرى، لكن خطوطها العريضة تبقى واحدة. ويبقى العرس الصحراوي بطقوسه هذه ميزة بتميز بها أهل الصحراء الذين يحاولون الحفاظ على مورثهم من خلال تطبيق هذه العادات والتقاليد

من انجازSoukaina ADIB

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.