حول تحالف أبو حفص والخالدي .. قرائة وتحليل
حول تحالف أبو حفص والخالدي .. قرائة وتحليل
بعد أكثر من عامين من الإفراج عن الشيخ عبد الوهاب رفيقي أبو حفص وشيوخ سلفيين آخرين بعفو ملكي عقب تداعيات الربيع العربي وحركة 20 فبراير، قرر هذا الأخير الانضمام إلى حزب النهضة والفضيلة هو وبعض الرموز المحسوبة على التيار السلفي وأخرى تعد من النشطين سابقا داخل الشبيبة الإسلامية، وضم المجلس الوطني لحزب “النهضة والفضيلة تشكيلة جديدة للأمانة العامة ضمت كل من محمد عبد الوهاب رفيقي أبي حفص وجلال المودن وهشام التمسماني وعمر الحدوني، كما ضمت القيادة عبد العالي الحارث، المعتقل السابق في صفوف الشبيبة الإسلامية والذي تم انتخابه رئيساً للمجلس الوطني. وحتى نقف على الأسباب الحقيقية التي عجلت بهذا الموقف الجديد لأبي حفص ورفاقه والتداعيات على الأحزاب السياسية الأخرى خاصة منها الإسلامية، وأيضا على موقف الطيف الكبير من السلفيين المغاربة الذين لا يزالون خارج اللعبة السياسية لحد ألان، وما يمكن أن يكون له من تأثير على الساحة السياسية المغربية وأيضا حدود العلاقة مع المخزن لبد من أن نقف في حدود البيان والورقة التي وقعها أبو حفص ورفاقه عقب هذا الانضمام.
الأسباب والمبررات المؤطرة للانضمام
التطور الجديد الذي عرفه موقف السلفيين المعنيين بهذا الانضمام هو بالأساس راجع إلى رغبتهم لتكرار تجربة زملاء لهم في المنهج في بعض الدول العربية التي شهدت ثورات وتغيرات، وهنا الحديث بالضبط عن مصر، ورغم أن السلفيين في مصر دخلوا العمل السياسي انطلاقا من حزب تم تأسيسه من الصفر فإن السلفيين في المغرب ولعلمهم المسبق بأن الدولة لا يمكن لها أن تسمح بتأسيس هكذا حزب سياسي إسلامي سلفي، فإنهم بهذه الخطوة أرادوا اختصار الطريق وتفادي التصادم مع المخزن وأيضا ما يمكن أن يحدث معهم من منع، كما هو الحال بالنسبة لحزب الأمة مثلا، هذا من جهة كما أن من جهة أخرى هم يريدون الاستفادة من الخبرة التنظيمية التي راكمها حزب النهضة والفضيلة خاصة وان قياداته كانت إلى وقت قرب ضمن حزب العدالة والتنمية وجمعتهم الحركة الإسلامية سابقا، السلفيون أيضا بهذه الخطوة قد تنبهوا مؤخرا بأن بدون تواجد إطار سياسي ينشطون داخله لن يستطيعوا الحركة ونشر أفكارهم والعمل من اجل استقطاب المزيد من الطاقات، أما عن المبررات التي ساقها أبو حفص ورفاقه فهي تختلف وموقف حزب النور السلفي مثلا في مصر الذي أصدر وثيقة معروفة أًصًل فيها موقفه السياسي الجديد، فإن من الملاحظ في ورقة السلفيين غياب التأصيل الفقهي واختصار المبررات بما هو موضوعي فقط وهو سلوك نادر جدا بالنظر إلى حرصهم التاريخي على الحجة والبرهان الفقهي، وقد جاء في الورقة المنشورة في صفحة أبو حفص: “فلا يخفى على المتتبع ما شاهدته الساحة العربية عموما والمغربية خصوصا أسفرت عن تغيرات جذرية على المستوى الوعي المجتمعي …… إلى أن جاء في الورقة: “ونظرا للتفاعلات الحاصلة على كافة أقطار العالم الإسلامي،” و أيضا:”رغبتا منا في الدفاع عن قضايانا الأولوية ومطالبنا العادلة في منبر فعال” كما تحدثت أيضا عن الرغبة في التعاون من اجل محاربة الفساد والبحت عن مساحات أخرى والمشاركة في الإصلاح وعدم ترك المقعد فارغ “، أي بعنا أخر هم بهذه الخطوة ربما أرادوا قطع الطريق أمام كل الأطراف السياسية التي حاولت الاقتراب وتبني ملف السلفية من اجل الاسترزاق تارة، وتارة من أجل الابتزاز كما هو الحال بالنسبة لبعض الأحزاب المغربية، بهذه الخطوة إذن أمكن للسلفيين الترافع أمام الدولة أنفسهم لأنفسه، ومواقف الأحزاب المغربية التي اقتربت من ملف السلفية سوف يتم فرزها الآن اكتر من أي وقت مضى، وسيعلم السلفيون من يتضامن معهم مبدئيا كما أنهم سيعرفون من يسترزق على محنتهم.
العلاقة والسلفيين الآخرين
السلفيون المغاربة أكبر من أن يتم تأطيرهم في حزب سياسي واحد وذلك لأسباب مختلفة، ولعل أكثرها ما هو مرتبط بالتربية الجذرية لعامة السلفيين التي يصعب تغييرها بانضمام بعض الوجوه البارزة منهم إلى حزب سياسي، إن قناعات التيارات السلفية في المغرب من العمل السياسي قائمة على مقولة الشيخ الألباني والتي تقوم على فكرة “أن من السياسة ترك السياسة” ، فإذا كانت السلفية الحركية أقرب إلى التنظيم وإلى فكر عبد الوهاب رفيقي مثلا فإن السلفيين الذين يشكلون الأغلبية العددية ويتمتعون بقدر محترم من التنظيم وهم التابعين لجمعيات دور القران التي أسسها الشيخ المغراوي هي بالتأكيد لا تحبذ هذه الفكرة، وربما لا زالت مقتنعة بفكرة ” من السياسة ترك السياسة”، كما أن سلفيين آخرين غير محسوبين على كل من هذا التيار أو ذاك لا يمكن أن يكونوا رافدا من روافد أي حزب سلفي جديد، ليس لأن القضية مرتبطة بالحلال والحرام فحسب، ولكن من منطلق التجربة الفاشلة لحد الآن لحزب العدالة والتنمية، فالأغلبية منهم يرون أن هذا الأخير قد قدم تنازلات كبيرة في سبيل وصوله إلى الحكومة بدون أن يخدم القضية الجوهرية لذا عامة التصورات الإسلامية القائمة على تطبيق الشريعة، كما أن جمهور الشيخ الفيزازي لا نعرف كيف سيتعاطون مع النازلة، خاصة إدا استحضرنا مواقف الشيخ الفيزازي الذي لا يخفي نيته في إنشاء حزب سياسي أيضا يقتحم به معترك السياسة في المغرب.أما عن العلاقة مع حزب العدالة والتنمية فإن هذا الأخير قد لا يتأثر كثيرا بهذا الموقف أكتر مما سيتأثر بتراجع شعبيته نتيجة تجربته غير الموفقة داخل الحكومة، كما أن تيار الشيخ المغراوي الرئيسي الداعم لحزب العدالة والتنمية قد لا يكون معنيا بالموقع الجديد للشيخ رفيقي ورفاقه.
تداعيات على الساحة السياسية المغربية
يمكن اعتبار خطوة التيار السلفي الجديدة بمثابة عامل تحفيز للأحزاب السياسية الأخرى نحو المزيد من البحت عن تحالفات جديدة، وبناءا على الفهم الذي سيصبح شائعا بكون الأطراف الإسلامية تتحالف وتعزز مكانته داخل المشهد السياسي المغربي، قد تحاول أحزاب اليسار أيضا تقديم تنازلات جديدة فيما بينها، وهنا سوف يتم تعزيز خطوة ذوبان الحزب العمالي والحزب الاشتراكي داخل حزب الإتحاد الاشتراكي، فيما ستحاول الأحزاب اللبرالية الأخرى إيجاد صيغة جديدة لتعزيز صفوفها، بينما ستتقوى جبهة اليسار الديمقراطي هي الأخرى لتساير حالة الاستقطاب الجديدة في المشهد السياسي الجديد. وبالوقوف على ما ورد في ورقة أبو حفص، حول براءته من تموقعات حزب النهضة والفضيلة سابقا كما جاء ضمنيا في الورقة الموقعة من طرف الرموز السلفية في حزب النهضة:” كما لابد من التأكيد على أننا لا نتحمل أي مسؤولية بخصوص مواقف الحزب السابقة أو تموقعاته … إلى أن قال مسؤوليتنا المعنوية والتاريخية تبذأ من إعلان انضمامنا للحزب”، وهنا يُقصد بتحالف حزب النهضة والفضيلة في ما بات يعرف سابقا بتحالف ج8، قبل أن يموت بخروج الحركة الشعبية والآن مؤخرا بذوبان الحزب العمالي والاشتراكي داخل حزب الوردة، إذن يمكن الآن الحديد عن تحالف ج8 بصيغة أخرى ج5 الخالية من حزب النهضة والفضيلة والحزب العمالي والحركة الشعبية وبالتأكيد خالية من حزب النهضة والفضيلة بعدما ضم السلفيين الذين لن نتصور أنهم سيتحالفون يوما ما مع حزب الأصالة والمعاصرة .
حدود العلاقة مع المخزن
إلى حدود اللحظة يبدوا أن أسباب الاتجاه الجديد للسلفيين المغاربة هي من منطلق قناعات تراكمت ونضجت بعد تجربة السجن ولطبيعة الشروط المرحلية في العالم العربي، وإذا سلمنا بفكرة أن المخزن والدوائر الداخلية ليست لها أيادي في الدفع نحو هكذا خطوة أو على الأقل مباركتها، فإن حدود العلاقة بين شيوخ السلفية والمخزن في موقعهم الجديد سوف تتضح مع بدأ فرز المواقف الجديدة للحزب، أي بعنا أخر درجة التأثير والتأثر بين الهياكل الجديدة والقديمة وهل سيكون الحزب في حلته الجديدة تعبير عن مواقف السلفيين ويكون أداة لتصريف مواقفهم بكل شجاعة، أم أن العكس هو الذي سيحدث، وهنا سيكون على السلفيين التخلي والتنازل بشكر كبير عن كل المواقف التي قد تتناقض والتوجه العام للدولة المغربية أي دون الخروج من المواقف والكلاسيكية التي تميز الأحزاب السياسية المغربية حينما تًعرف حدودها مع الدولة ولا خيار أمامها سوى أن تكون تابع التابعين في قضايا حساسة كقضية إمارة المؤمنين والصحراء والعلاقة مع فرنسا وأيضا حدود العلاقة مع الأطراف الإسلامية على المستوى الإقليمي والعالمي حيت يضل المخزن هو اللعب الرئيسي فيها. وسوف تصلهم رسالة المخزن بالتأكيد وبآلياتها المعروفة، ومفادها هو أن الممارسة الحزبية في المغرب لا تعني بالضرورة الاستقلالية التامة في التعبئة والحشد والتموقعات بقدر ما تعني جانب من الحركة والتنظيم مقابل الولاء والطاعة والإتباع.
التحديات التي ستواجه الحزب
بالإضافة إلى القضايا الوطنية الشائكة التي يجب عن الحزب أن يوضح وجهة نضره فيها بشكل واضح ولا لبس فيها، وأيضا الجواب على سؤال البديل الاقتصادي والسياسي والثقافي والمجتمعي لحزب النهضة الجديد. سوف يضل مشكل التعبئة والحشد اكبر مشكل سيواجه الحزب، خاصة وأنه يفتقد للروافد المعروفة للأحزاب المغربية والجماعات التي تتمتع بقدر كبير من الكثرة العددية وذلك بأذرعها النقابية والشبابية والجمعية الكبيرة جدا، وهو الشيء الذي يفتقد إليه حزب النهضة والفضيلة، فلا وجود هناك لفصيل طلابي تابع للحزب مثلا وهي ركيزة مهمة جدا اعتمد عليها حزب المصباح والعدل والإحسان مثلا حيت يستقطبون العشرات من الشباب في الجامعة، وتراجع الأحزاب التقليدية المغربية أيضا مرتبط بانقراض فصائلها داخل الساحة الجامعية، كما أن حزب النهضة والفضيلة ليس متغولا بشكل كبير في العمل الجمعوي والنقابي، ولا جمعيات حقوقية تابعة له، كما أن الحزب لا يتوفر على مراكز للدارسات قوية ولها تأثير.
بالرغم من أن أبو حفص يتمتع بقدر كبير من التكوين والنضج الفكري والسياسي أكثر من أي شخصية سلفية مغربية أخرى ويتمتع بقدر كبير من الاحترام والكاريزما داخل أوساط السلفيين المغاربة ، كما يتمتع بعلاقات كبيرة داخليا مع أطراف ليست بالضرورة تقاسمه نفس التوجه الفكري، كما أن له علاقات عديدة خارج المغرب مع باقي التنظيمات الإسلامية عربيا وعالميا، فإن كل هذا لا يمكن أن يضمن نجاح الشيخ رفيقي ورفاقه من خلال موقعهم الجديد، وعلى أبو حفص ورفاقه من السلفيين أن يكونوا يقضين ويحسموا مواقفهم ويضلون متمسكين بقدر من الوضوح الفكري والسياسي في ما إذا اكتشفوا مستقبلا بأن لا وجود أصلا لمقعد شاغر دخلوا من اجل ألاً يتركوه فارغا، أو حتى إن وُجد هذا المقعد فقد يكون في مكان بعيد في الخلف، ويكون الغرض منه ضمان المساهمة في بناء عش الحمام و توفير جو ملائم للبيض من اجل التفريخ بدون أن يأخذوا حقهم في الفراخ حينما تفقس هذه الأخيرة.
el.mezouary.lhoussaine@gmail.com