هل للشباب دور حتى يشارك ؟
يكتسي الشباب أهمية بالغة داخل المجتمع باعتباره الركيزة والدعامة الأساس لأي مجتمع إنساني، مكانة تبوبها الشباب بفعل قدرتهم الكبيرة على التأثير في المجتمع إن سلبا أو إيجابا، ما يحتم على المجتمع التعامل مع هذه الفئة معاملة خاصة، بهدف احتوائها ومساعدتها على الاندماج والعطاء، وكذا تسخير قدراتها ومؤهلاتها لخدمة الصالح العام..ما يدل على أن العلاقة بين الشباب والمجتمع علاقة تأثيرية تأثرية مبنية على التواصل الفعال، لهذا نلاحظ أن المجتمعات التي لا تبوئ فئة الشباب المكانة اللائقة بها تتخبط في مشاكل جمة تعيق توازنها وتقدمها، والمجتمع المغربي واحد من هذه المجتمعات التي لم تحسن الاستفادة من هذه الثروة البشرية الهائلة التي حباه الله بها، حيث إن ما يزيد على ثلثي شبابه يرزح تحت آفة البطالة، البطالة التي ما فشت في مجتمع من المجتمعات إلا أخلت بتوازنه وعجلت بتقهقره وفنائه. لكن إعمال النظر في هذا الغول المسمى البطالة، ما دام أنه أبرز مظهر من مظاهر اختلال توازن المجتمع المغربي، يدفعنا للتساؤل عن المسؤول الحقيقي عنه، فهل المجتمع هو المسؤول الأول والوحيد عن هذا المشكل ؟ أم أن الشباب، الفئة المعنية بالضبط، هو المسؤول عن ذلك ؟ أم أن المسؤولية مشتركة بين أطراف هذه المعادلة ؟
في الحقيقة لا أحد ينكر أن المجتمع هو المسؤول الأول عن تفشي ظاهرة البطالة بين أفراده، لأنه لم يبادر إلى اتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة لتفادي الوقوع في أحضان البطالة المترصدة، من ذلك مثلا: نهج سياسة تشغيلية تراعي العرض والطلب، والحرص على جلب استثمارات خارجية، وبناء مؤسسات اقتصادية تسهم في توفير مناصب شغل تكون في متناول الجميع… لكن أيكون المجتمع بهذا قد وفق في القضاء على البطالة ؟
لاشك أن المجتمع في هذه الحالة يكون قد قام بدوره وواجبه، إلا أن هذا لا يعفي الشباب من التجاوب مع هذه المبادرة – إن هي حصلت فعلا نحن نفترض فقط -، معنى ذلك أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتق الشباب للمساهمة بشكل إيجابي في القضاء والتغلب على مشكل البطالة. فكيف يمكن للشباب أن يكونوا فاعلين ومسهمين إلى جانب مجهودات المجتمع في الخروج والتملص من بوثقة البطالة التي لا تحمد عقباها ؟
أغلب شباب المجتمع المغربي ينظر إلى الواقع نظرة سوداوية تشاؤمية، تحول دون مشاركته في صنع القرار، نظرة قد تدفع به أحيانا إلى التفكير في التخلي عن الوطن والبحث عن بديل، كالهجرة إلى الخارج مثلا، أو العيش في العالم الآخر، عالم اللاوعي، عالم المخدرات والكحول، العالم المثالي – في نظرهم طبعا –، ظنا منهم أن من شأن هذا التخفيف من عبئ وتبعات البطالة، بل أكثر من ذلك إنهم يعتبرون هذا هو الحل الأمثل والأنسب، وما هو بذلك !
إن مشكل البطالة مشكل قائم، والمجتمع واقع يقتضي من الشباب المواجهة والمشاركة فيه، قصد إيجاد وسائل وسبل من شأنها التخفيف أو القضاء الفعلي على هذه الآفة بدل الفرار والخوف من مواجهتها باللجوء إلى العالم الآخر. إن أول خطوة مساعدة للتغلب على مشكل البطالة هي ضرورة تغيير هذه الرؤية السوداوية التي ينظر بها الشباب إلى المجتمع، لابد من إزالة تلك النظارات السوداء التي نداري بها الشمس ونحجب بها أنفسنا عن رؤية الواقع الحقيقي بدل الوهم، صحيح أن ذلك ليس بالأمر الهين، لكنه ضروري يقتضي منا المحاولة، والمحاولة إذا كانت مبنية على رغبة وإرادة صادقة وعزيمة قوية تفتت الحجر، وتفجر من الأرض عيونا، لابد أن تثمر وتؤتي ثمارها إن عاجلا أم آجلا، إن الشعور بالداء والإحساس به يساعد على تشخيصه، وتشخيص الداء نصف علاجه، فإذا كان شبابنا يرغب رغبة أكيدة نابعة عن إحساس بالمسؤولية مقرونة بالإيمان، فلا أحد ولا قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف في وجهه، لأن بهذه الطريقة تذلل الصعاب وتهون، وكل صعب على الشباب يهون كما قيل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، إذ لولا رغبة وعزيمة أولئك الفتيان ما تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراده، وكفانا فخرا أنه عليه الصلاة والسلام نصر بالشباب. ويبقى التشبث بالأمل والحياة وطرد الأفكار السوداوية منبع ورافد الرغبة والعزيمة، ولا داعي لربط مصيرنا بمصير الآخرين عن طريق الحكم الافتراضي بوحدة المصير، فلكل مصيره ورزقه، وإلا فنحن نتعارض مع النظام الإلهي الكوني، فلنقل جميعا لا للإحباط والانهيار، الذي لن نجني من ورائه إلا الأمراض النفسية المثبطة للمعنويات.
بعد ذلك يأتي التكوين وما أدراك ما التكوين، لأنه العدة والعتاد، فشبح البطالة عدو شرس، والتغلب على العدو يقتضي خوض معركة، والظفر بالمعركة رهين بمدى تطور ونجاعة أسلحة المحارب، لهذا فالتكوين الجيد هو العدة والزاد الذي به نستطيع التغلب على ظاهرة البطالة، والحديث عن التكوين يجرنا للحديث عن الكفاءة المهنية، فالتكوين هدفه الأساس جعل الإنسان يمتلك قدرات ومؤهلات خاصة تساعده على أداء مهمة وعمل ما بشكل ناجح، إننا ونحن نتحدث عن الكفاءة لا نقصد بها التدرج في حصد الشواهد، قد تكون الشواهد عاملا مهما ومساعدا على امتلاك كفاءة محددة في مجال معين، لأنها مرآة تعكس صورة صاحبها، إلا أن المرآة لا تكون صادقة دائما، وإلا فما معنى أن نجد شبابا حاصلين على الإجازة في الأدب العربي مثلا لا يحسنون التحدث والتواصل باللغة العربية الفصحى، بله كتابة طلب عمل، وقس على ذلك باقي التخصصات، وما معنى كذلك أن نجد نجارا أو بناء يتقن عمله دون امتلاك شهادة مهنية تؤهله لمزاولة هذا العمل. ما يدل على أن الشهادة ليست كل شيء، بل المزية للتكوين الذاتي، والحرص على اكتساب التجارب وتنمية القدرات والمهارات الشخصية، لأن كل فرد لا شك يمتلك قدرات خاصة، خفية أو جلية، تتطلب شيئا من الصقل والدربة، وذلك لا يتأتى إلا بطبيعة نظرتنا للعمل، التي تقتضي النظر إليه نظرة حب، فالعمل عبادة كما نص على ذلك ديننا الحنيف، وكلما استشعر الإنسان هذه المسؤولية وأحس بها تفانى وأخلص في عمله وأجاد. إن الاعتماد على النفس، واتخاذ الأسباب، وإيمان الشباب بقدراتهم ومؤهلاتهم الخاصة، عنصر أساس وضروري لتحقيق الأهداف المسطرة سلفا، والتغلب على مشكل البطالة واحد من هذه الأهداف، التي يجب أن يعتمد فيها الشباب على أنفسهم أولا، لأنها مشكلتهم قبل أن تكون مشكلة الآخرين، لدى لا يجب أن ينتظروا من الآخر أن يعد ويقدم لهم حلولا – وإن كان ذلك من واجباته – بل يجب عليهم أن يسعوا ويبادروا بأنفسهم لإيجاد الحل الأمثل والأنسب لهم، لأن في ذلك حلاوة وإحساسا بقيمة الهدف بعد نيله وتحقيقه، كما أن فيه نوعا من الإحساس بالذاتية التي تفتح الشهية للحياة، وطبيعي أن إصابة الهدف – الذي هو دائما هنا القضاء على البطالة – يتطلب من الشباب وضع برامج وتسطير خطط كفيلة بتحقيق ذلك، ووضع البرامج غير مجد إن لم يكن مصحوبا بأفعال تكون على شكل خطوات ومراحل، ليس بالضرورة أن تؤتي أكلها في القريب العاجل، بل يكفي أنها ستنتج، أما من لم يكن له برنامج واضح في الحياة فهو ضمنيا في برنامج الآخرين، وهنا منبع الخطورة، إذ كيف يعقل أن نترك للزمن والآخر كامل الصلاحيات لرسم الخطوط العريضة لحياتنا، إن هذا لهو الحمق بعينيه، أين هي شخصيتنا وحريتنا في الحياة، إن لم نستطع أو نعرف بله نحسن اختيار الطريق الأنسب لنا لتحقيق ذواتنا.
معشر الشباب إن الضبابية التي تلف حياتنا من مختلف الجوانب، عائق كبير يجب تخطيه، ويكفي في هذه النقطة أن تسأل أي شاب مغربي عن مخططه وهدفه في الحياة لتكتشف أن الغموض والضبابية سيد الموقف، فلا أهداف ولا برامج مسطرة، بل الشكوى على كل لسان، وكأن مشاكل العالم كله يحملها الشباب فقط، يجب أن لا ننسى أن المشاكل هي التي تعطي للحياة طعما خاصا، فالعيش بدون مشكلة مشكلة أصلا، مع ذلك يتوجب على الشباب رسم خطوط عريضة ومعالم واضحة مسبوقة بنية صادقة لحياتهم.
يبقى عامل آخر له دخل كبير في تنامي ظاهرة البطالة وسط الشباب، إنه ربط الدراسة بالوظيفة، فالشباب لا يرون في الدراسة إلا وسيلة ضرورية تمكنهم من الحصول على منصب شغل، قد تكون كذلك فعلا، لكن يجب أن لا يكون هذا هو الهدف الأساس والمبتغى من وراء الدراسة، لأن الدراسة لا تكون دائما وسيلة بل يجب أن ينظر إليها على أنها هدف في حد ذاته قبل كل شيء، أي الدراسة من أجل التعلم والعلم والمعرفة بعد ذلك تأتي الوظيفة. أغلب الشباب اليوم من حاملي الشواهد العليا الأساس لم يسبق لهم أن زاولوا مهنة موازية أثناء حياتهم أو مشوارهم الدراسي، عكس ما نشاهده في الدول الأوربية مثلا التي تكون فيها الدراسة نشاطا من الأنشطة اليومية المتعددة للطالب، فالطالب في المجتمعات الأوربية سلاح ذو حدين، أما في مجتمعنا المغربي فبالكاد يكون ذا حد واحد الذي هو الدراسة، والواقع يشهد على ذلك. مما يجعلهم أكثر عرضة للاصطدام بشبح البطالة بعد التخرج مباشرة، والشباب في هذه الحالة يكون كالمرأة الطاعنة في السن في تراثنا الشعبي “المرا إلى كبرات ما تعرف تغني ما تعرف تزغرد”، لا أقصد التقليل من قيمة المرأة أو الشباب، فلكل منهما مكانته الخاصة، لكنها الحقيقة المرة.
خلاصة القول إن تنامي ظاهرة البطالة في مجتمعنا المغربي مسؤولية الجميع، إنها مشتركة بين أطياف المجتمع ككل، لأن كل متدخل لم يقم بواجبه المنوط به، لدى لا نلق اللوم على أحد دون الآخر، وقبل أن نحاسب الآخر لابد من محاسبة أنفسنا أولا، فماذا قدمنا لمجتمعنا حتى نحاسبه وننتظر منه التغيير ؟ “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، أنا لا أعاتب الشباب بقدر ما تنتابني حرقة عليهم، لأنهم زهرة الدنيا وركيزة المستقل، ولعل في التضامن والتكافل والرغبة في التغيير بين أطياف المجتمع ومكوناته ككل الحل الأمثل للخروج من الأزمة والآفة الاجتماعية الخطيرة. ومهما كان ظلام الليل دامسا فلابد أن يسطع ضوء الصباح.
واشنو بغينا من هاد الدنيا غير السلامة وراحت البال.