ظاهرة الغش في المدارس المغربية تحت المجهر

0 1٬131

tricherزاكورة بريس –  محمد الراضي 

من الملاحظ في السنوات الأخيرة تنامي كبير لظاهرة الغش في أوساط الشباب لا سيما المرشحين منهم للباكلوريا ، حتى إن الأمر أصبح يُخيّل الى بعضهم أنه حق شرعي أو مكتسب يجب الدفاع عنه بشتى الطرق ، فتسمع مقولات من قبيل ” من نقّل إنتقل ومن إعتمد على نفسه بقي في قسمه ” وغيرها من المقولات الشائعة.

في يوم الإثنين وهو اليوم الأول لإمتحانات الباكلوريا هذا العام تم اعتقال أربع مترشحين جلهم من فئة الأحرار ، بسبب الاعتداء على أطر تربوية مكلفة بالحراسة وتسريب المواضيع خارج مراكز الامتحان.

فما هي أسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة ؟

 فهل التلميذ أو الطالب هو المسؤول عن الظاهرة ؟ أم أن هناك جهات أخرى هي المسؤولة عنها؟

وهل يمكن أن تكون هناك عصابات منظمة وراء تسريب الإمتحانات؟

و ما هو الحل أو الحلول المقترحة لمعالجة الظاهرة ؟

بلغ عدد المرشحين للباكلوريا هذا العام ما يناهز نصف مليون مرشح ، 52 ألف 58 مرشح منهم في جهة الرباط – سلا – زمور– زعير وفي جهة سوس – ماسة – درعة بلغ (……………………………………….) ، هذا الكم الكبير من التلاميذ كان مقبلا على الإمتحانات وكله أمل في الحصول على شهادة الباكلوريا وضمان فرصة ولوج إلى معهد من المعاهد أو مدرسة من المدارس العليا أو كلية من الكليات ، ما يدفع بعض هؤلاء التلاميذ  إلى ظاهرة الغش أو ما يعرف بـ ” الحرز ” أو ” التحريزة ” …

إن ظاهرة الغش ليست ظاهرة عادية بل أنها ظاهرة تمس كيان الدولة والمجتع بأكمله فالتلميذ إذا تعود على الغش فمستحيل أن يتوب عنه بل سيضل يغش حتى آخر لحظة في حياته ، ولن يتهاون أبدا في إيذاء من يقف في وجه ولن يتخلى عن مبتغاه بكل الوسائل ، لذالك وجب التعامل مع هذه الظهرة بالقدر المطلوب نظرا لخطورتها على المجتع ولأنها ستنتج كائنات صليطة تعيش على كد الأخرين وتضرب في مبدأ تكافؤ الفرص.

أسباب ظاهرة الغش:

يمكن تقسيم أسباب الغش إلى أسباب خاصة بالتلميذ وهيئة التدريس ومنها ما هو خاص بالمسؤلين أو الوزارة الوصية :

الأسباب الخاصة بالتلميذ وهيئة التدريس :

تتلخص الأسباب الخاصة بالتلميذ في عدم تمكنه من إستيعاب المعلومة وعدم إستعداده لتلقيها.

وإن الظروف المحيطة بالتلميذ وتربيته هي التي تحدد علاقته مع هذه الظاهرة ، غالبا لا يتمكن عدد كبير من إستيعاب الدروس جيدا إما بسبب عدم توفر الظروف النفسية والمادية ، وللإشارة فعدد كبير من الثانويات في المغرب تبعد بأكثر من 7 كلمترا عن التلميذ زد على ذالك ظاهرة الإكتظاظ ، ففي سنة 2010 على ما أذكر كان في 52 تلميذا في قسم وحيد ترى كيف سيتمكن التلميذ متابعة الدرس في هذا الجو أو كيف سيتمكن الأستاذ من إيصال المعلومة إلى التلميذ.

وبذالك فإن فئة من التلاميذ بعد عدم تمكنها من إستيعاب الدروس لا تجد لها حلا للمسألة إلا الغش ، كما أن هناك بعض التلاميذ الذين لا يبذلون أي جهد في الدراسة والتحصيل حتى إذا حلت فترة الإمتحانات تجدهم يبذلون كل جهدهم ويبدعون في إستخدام أساليب الغش من وسائل إعتيادية (وثائق – دروس مكتوبة – ملخصات…) كما إن بعض أصحاب المكتبات سامحهم الله يساعدونهم على ذالك إما عن معرفة أو عن جهل ولا أظن ذالك لأن الكل يعرف أنها فترة إمتحانات، فيقومون بعملية تصغير الدروس وذالك لتسهيل عملية الغش.

ومع التقدم التكنولوجي والمعلوماتي الحاصل تم إستغلال الوسائل الحديثة أيضا في تسهيل هذه العملية ، فأصبح الهاتف المحمول بذالك أهم وسيلة تفاعلية لضمان الحصول على إجابات الأسئلة من خارج المؤسسة.

بل إرتقى الأمر إلى أكثر من ذالك ليصل إلى حد تكوين عصابات إجرامية تتاجر بالظاهرة ، حيث يعتمدون على تلاميذ مرشحين للباكلوريا في إستلام أسئلة الإمتحان و بعد ذالك يقومون بالإجابة عليها ويرسلون الأجوبة إلى زبنائهم الذين سبق ودفعوا المبلغ المطلوب بل ظهرت بعض الصفحات على الأنترنيت لا سيما في الفايسبوك التي تقوم بنشرح نماذج الإمتحانات من النصف ساعة الأولى للإمتحان.

هذا التحول الذي حصل يجب على المسؤولين أن يعوا به و يقوموا بالضرب بيد من حديد كل من يتاجر في الظاهرة وكل من يقوم بها حتى التلاميذ ، وإن كنت أرى بأنه يستحن ألا تكون هناك عقوبات حبسية على التلاميذ.

الأسباب الخاصة بالوزارة الوصية :

وبالنسبة للأسباب الخاصة بالحكومة أو الوزارة الوصية فهي أسباب غير مباشرة ولا تؤدي بالضرورة بالتلميذ إلى الغش ، فأجملها بذالك في عدم توفير الظروف الملائمة للتلميذ والأستاذ معا من بداية الموسم الدراسي حتى نهايته .

وكما أن المنظومة التعليمية عندا لازالت تعتمد الحفظ  والدروس النظرية ولا تعير إهتماما للفهم والتطبيق ، بل أكثر من هذا فقد أصبحت المنظومة حقلا لتجارب أخذت من الدول الغربية ناسية حجم الإختلاف بين مجتمعينا زد على ذالك المقررات الدراسية التي أصبحت مكثفة لحدد أن الأستاذ لا يتمكن في غالب الأحيان من إتمامها وإن أتمها لم يعط كل ذي حق حقه.

ولذالك وجب على المسؤولين تغيير نظرتهم لقطاع التعليم فإن الدولة ترى بأن التعليم ليس إلا قطاعا إستهلاكيا ولن يكون أبدا قطاعا إنتاجيا.

الحلول المقترحة لمعالجة الظاهرة :

نظرا لخطورة الظاهرة وجب على الكل محاربتها وبكل الوسائل ومن الحلول المقرحة والمرجحة إجراءات في الجوانب التالية :

-الجانب الأخلاقي :

للجانب الأخلاقي والديني أهمية في صناعة شخصية الإنسان فهذه الصناعة تبتدأ من المؤسسة الأولى ألا وهي مؤسسة الأسرة ففي السنوات الأولى من حياته يتلقى الإنسان القيم الأساسية التي تطبع المجتمع.

 ثم تليها المؤسسة الثانية هذه المؤسسة هي المسجد لأهمية الوازع الديني في تخليق الحياة العامة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من غشنا فليس منا” فجرم صلى عليه وسلم بذالك الغش مهما كان.

 ثم ننتقل بذالك إلى المؤسسة الثالثة وهي المدرسة وفيها يتعلم الإنسان القيم الأخرى وكيفية تكريسها في الحياة وينبغي الإهتمام أولا بالتربية قبل التعليم.

 ونمر الى المؤسسة الأخرى وهي الإعلام وفيها ينبغي التوعية بخطورة الظاهرة وفضح كل ما يتعلق بها.

الجانب العلمي والتنظيمي :

وهذا الجانب خاص بالمسؤولين عن القطاع بالأساس فيستوجب فيه على الوزارة الوصية توفير الظروف الملائمة للتلاميذ والأساتذة ، وإعادة تنظيم المنظومة لتخدم قيمنا وحضارتنا وتنمية بلادنا ولا تكون نسخة عن منظومات غربية لا تخدم مصلحة شعبنا ، كما يجب عليها إعادة النظر في مدى نجاعة المقرحات والدروس المكونة لها فمثلا في مادة التاريخ والجغرافيا ندرس تاريخ الحربين العالميتين والنهضة الإنسية وما يخص تاريخ الدول الغربية ، وفي الجغرافيا ندرس الولايات المتحدة والصين واليابان وغيرها ، فأنا لنا ننهض بتعليم لا يخدم قيمنا وتاريخنا الإسلامي وأتحدى أن يكون يقول لي أحد التلاميذ الحضارات التي تعاقبت على المغرب ، أما في المواد العلمية فينبغي الحرص تعليم التطبيق إلى جانب فما فائدة النظري إن لم يكن هناك تطبيق.

الجانب الجزري:

في الجانب الجزري أو القانوني يستوجب على الهيئات المسؤولة وضع قوانين صارمة في حق من يقوم بالمتاجرة بالظاهرة أو من يقوم بها ، وهذا وحده لا يكفي بل يجب الحرص على تنفيذها في كل تورط في الظاهرة مهما كان نسبه أو مكنته أو جنسيته .

كما يجب تشديد الحراسة في كل الثانويات مع تعزيزات أمنية تمكن من ذالك.

في الحقيقة ظاهرة مثل الغش لايمكننا القضاء عليها بين ليلة وضحاها بل وجب علينا أن نتبع سلسلة من الإجراءات الكفيلة بالقضاء على منابع الظاهرة وبعد يتم لنا القضاء عليها نهائيا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.