في محاربة الغش من الأنفع ؟ المقاربة الأمنية أم المناعة الأخلاقية.

1 694

عبد الجليل الحداد
عبد الجليل الحداد

يعيش حقل والتربية والتعليم في بلادنا هذه الأيام فترة من أهم الفترات ألا وهي فترة الإمتحانات حيث يعتبر نجاحها أوفشلها من أكبر المحددات أو المؤشرات الدالة على جودة التعليم أو تدنيه في بلد ما.

لم يكن بلدنا المغرب استثناءا في المرور في هذه الفترة لكن شكل الإستثناء في مجموعة من المستجدات التي ظهرت خلالها، والتي كان أهمها القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي الذي يعتمد المقاربة الأمنية بشكل كلي  في معالجة الغش في الإمتحانات وخصوصا امتحانات الباكالوريا .

مقارنة هذه المستجدات مع الجو العام الذي مرت به الامتحانات يعيد طرح أسئلة كبرى على حقلنا التعليمي وعلى الفاعلين في هذا الميدان الحيوي على جميع المستويات بدءا بالرؤية ومرورا بالتدبير ووصولا إلى المضمون،والسؤال المطروح هنا على مستوى التدبير هل تعتبر المقاربة الأمنية حلا ناجعا وكفيا لمحاربة الغش في الامتحانات أنه لابد من مناعة أخلاقية لدى تلامذتنا وطلابنا للقضاء على الظاهرة؟ محاولة في الإجابة عن هذا السؤال سأتطرق إلى أربعة محاور أساسية :

  • توصيف الحقل التعليمي في البلاد.
  • الحديث عن المقاربة الأمنية.
  • مفهوم المناعة الأخلاقية.
  • خلاصة.

 

  1. توصيف الواقع التعليمي بالمغرب :

توصيف ميدان حيوي كالتعليم لتكفيه سطور بل يحتاج إلى مجلدات لكن سنأتي فقط في هذا الموضوع ببعض المعطيات والأرقام التي ستتيح لنا المقارنة والتحليل، طبع المشهد التعليمي منذ بداية ما أسماه النظام المغربي بالعهد الجديد دينامية كبيرة على مستوى الشكل وثبات على مستوى المضمون والرؤيا، حيث كان البدئ بتنزيل” الميثاق الوطني للتربية والتكوين” الذي جاء بعد رحيل “اللجنة الملكية المختصة بالتعليم” التي كان الحسن  الثاني قد رفض نتائج أشغالها بسبب ما سماه ب”عقلية الستينات والتشبث بالتعريب والمجانية” وطلب بعد ذلك استشارة البنك الدولي الذي سيكون بعد ذلك الموجه لكل ماسيسطر إليه. وما هي إلا سنوات معدود حتى تحدثت مجموعة من التقارير الدولية  عن تدني مستوى التعليم في المغرب والتي كان أهمها :

  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي :  حيث احتلت بلادنا المرتبة 126 من أصل 177 دولة .
  • تصنيف بيرلس pirls  : الرتبة ما قبل الأخيرة من من بين 45 دولة.
  • تقرير البنك الدولي عام 2008 : صنف المغرب في الرتبة 11 من بين 14 دولة      عربية فيما يتعلق بإمكانية الحصول على التعليم، والمساواة والكفاءة والجودة .
  • خطاب الملك أمام البرلمان في أكتوبر 2007 : لتتعزز هذه التقارير الدولية بإعلان رسمي من طرف الملك عن الحاجة إلى مخطط استعجالي لتجاوز الثغرات واستكمال وتيرة الإصلاح.

      وبعد الخطاب الملكي مباشرة تلقى المطيعون الإشارة فكان الإسراع إلى صياغة البرنامج الإستعجالي الذي سرعان ما أعلنت الحكومة عن فشله الذريع والذي لازلنا إلى حد الآن نحصد نتائجه السوداء وأشواكه الحادة في حقل هو الحياة لأمة إن ازدهر أو الموت لأخرى إن ذبل.

  1. الحديث عن المقاربة الأمنية. :

عندما نتحدث عن المقاربة الأمنية فإننا نتحدث مباشرة عن استعمال الأجهزة الأمنية في التعامل مع الحقل التعليمي بكل تفاصيله وخصوصا في الفترات الحساسة مثل فترة الإمتحانات التي نمر بها  الآن .

وفي هذا الصدد نذكر أن أن المقاربة الأمنية ليس بالشيئ الجديد على النظام المغربي في التعامل مع الحقل التعليمي حيث كانت نشأتها منذ الإعلان عن ما سمي “بالدورية الثلاثية ” سنة 1997  ذلك التعاقد الغير منطقي بين ثلاث وزارات لاتقاطع بينها لا في الأهداف ولا في الوسائل إلا إذا كانت خبيثة . ليمتد هذا التعامل إلى يومنا هذا ليكون آخر وفاء له لقاء جمع بين وزير التعليم الحالي ومجموعة من المسؤولين الأمنيين من داخل وزارة الداخلية والذي كرس من خلال مذكرة صادرة عن وزارة التعليم أهم مبادئ التعامل بالمقاربة الأمنية مع الحقل التعليمي ، والتي كان من أطيب ثمارها القمع الهمجي الذي تعرض له الملتقى الوطني الثالث عشر .

هكذا إذا الحقل التعليمي في بلادنا والمقاربة الأمنية كانا مرتبطين ولازالوا حيث يتضح هذا الإرتباط في هذه الفترة بالذات بما ظهر من مستجدات ،وخصوصا على المستوى التشريعي حيث أصبح بموجب القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي الحرية الكاملة للجهاز الأمني في التدخل في جل مؤسسات التربية والتكوين بل أصبح عاديا وجود المخزن بكل تلاوينه من داخل هذه المؤسسات.

من خلال ما سردناه في محور توصيف الواقع التعليمي بالمغرب يتضح لنا بجلاء أن تاريخ المغرب التعليمي منذ حصوله على الإستقلال الرمزي ما هو إلا هو إلا تنام في مؤشر الإستعمال المفرط للعنف رافقه تدن خطير في مؤشرات البناء في منظومتنا التعليمية.

بعد هذا الإستنتاج نعيد طرح السؤال هل المقاربة الأمنية التي تستعملها الدولة صالحة لتدبير الشأن التعليمي في بلادنا؟

 

  1. مفهوم المناعة الأخلاقية :

 عندما نتحدث عن المناعة الأخلاقية فإننا بصدد مفهومين :مفهوم  المناعة وتعني في اللغة الحماية والحصانة وارتبط هذا المفهوم بجسم الإنسان وهي قوّة يكتسبها الجسم فتجعله غير قابل لمرض من الأمراض ومفهوم الأخلاقية ارتباطا بالأخلاق ونعني في هذا السياق بالمناعة الأخلاقية ذلك الحصن المنيع الذي يمكن للطالب أن يبنيه حول نفسه نتيجة تلقيه لتربية متوازنة منذ دخوله إلى المنظومة التعليمية والذي يمنعه من الوقوع في كل القيم الدنيئة والأخلاق الرذيلة التي يسعى المخزن المخزن تزيين وتلميع سورته بادعائه محاربتها باستعمال المقاربة الأمنية.

  1. خلاصة.

حتى لانكون ممن يقطع مع أصوله نعود لنمتاح من النبع الصافي من تاريخ سلفنا المجيد ولنبدل هذه المصلحات الغريبة عن ثقافتنا وعن ديننا الإسلامي بما هو أبلغ وأنفع  منها من خلال مثال حي في قلوبنا خلده التوفيق الرباني والحكمة الإيمانية : ففي عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحيث انتشر العدل في الأرض بعد انتشار الدعوة الإسلامية حيث نجد في ديننا الحنيف ما يسطلح عليه بالحدود وهو المصطلح المنهاجي بدل القانون وغيره من المصطلحات المغربة التي أسست لمفهوم المقاربة الأمنية ، لم يكن تطبيق الحدود يؤرق من كان يقوم على أمر الأمة بل كان يؤرقهم تربية رجال قلما يحتاج المجتمع للحدود في حضورهم ولنحاول الإجابة مرة أخرى عن السؤال المطروح فإننا يجب أن نستقرأ تاريخنا التعليمي في سنوات الإزدهار حيث كان المسلمون أول من وضع الأسس الكبرى للعلوم للعلوم الشرعية وكذا الكونية لنطرح السؤال التالي : كيف كان أسلافنا في هذه الأمة المحمدية ممن أعلوا شأنها التعليمي يتعاملون هل بالمقاربة الأمنية والمناهج المغربة أم بالمناعة الأخلاقية والتربية الإيمانية ؟

  نخلص في الأخير إلى أن المقاربة الأمنية حتى لو تغاضينا عن الظروف الإجتماعية والبيداغوجية الكارثية التي يتخبط فيها الحقل التعليمي في ببلادنا بالشكل ليست صالحة للرقي بمنظومتنا التعليمية بل يجب التعامل بحكمة بالغة وبمنهج أصيل مع مجال حيوي كالتعليم هو الموت للمجتمع في تدنيه والحياة له في تناميه.

تعليق 1
  1. اسماعيل عبد الرفيع يقول

    تحية أدبية للكاتب عبد الجليل الحداد، على هذه المقاربة، لذلك قال الشاعر:
    إذا فسد الطبع فلا أدب يفيد ولا أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.